لا يزال المواطنون يتذكرون تاريخ عملتهم المجيد، عندما كان الجنيه الواحد يساوي أربعة دولارات كاملة في خمسينيات القرن الماضي.

ولا يزالون يتذكرون سعر صرف الدولار الأمريكي في بلادهم عند 3.7 جنيهات مطلع الألفية الحالية، ونسب تضخم لا تتعدى 3% كمتوسط سنوي.

لكنهم الآن يقفون على فاجعة لم تسمعها آذانهم من قبل، ولا مرّت في ذاكرة آبائهم الأولين، عندما وصل الدولار الواحد إلى 27.25 جنيهًا، ولا يزال الجنيه يهبط يومًا بعد آخر!

 

رحلة إلى الهاوية

في نوفمبر 2016 انخفض الجنيه من مستويات 8.88 جنيه دولار إلى مستويات 15.77 لكل دولار واحد، بتراجع 78%.

في مارس 2022، بدأت تظهر تبعات شحّ النقد الأجنبي في مصر، الأمر الذي دفع البنك المركزي لتحريك سعر صرف الجنيه هبوطًا إلى متوسط 19.7 جنيه لكل دولار، بدلا من متوسط 15.77 لكل دولار واحد، بتراجع 25.4%، وفقًا لـ"الأناضول".

ونهاية أكتوبر الماضي، انخفض الجنيه من مستوى 19.7 جنيه للدولار، ليبلغ سعر الصرف 24.7 لكل دولار واحد، وهو السعر الذي أنهت به مصر العام الماضي 2022، بتراجع 25.4%.

في 16 ديسمبر الماضي، وافق مجلس المديرين لصندوق النقد الدولي رسميًا على إقراض مصر 3 مليارات دولار، ما سمح بصرف شريحة فورية بقيمة 347 مليون دولار.

وفي الأسبوع الأول من يناير 2023، نفذت مصر تحريكًا إضافيًا لسعر الجنيه، لينخفض الجنيه من مستويات 24.7 جنيه للدولار، ليبلغ سعر الصرف بحلول نهاية تعاملات الخميس الماضي 27.25 جنيه لكل دولار واحد، في وقت بلغ سعر الدولار في السوق الموازية 40 جنيهًا.

ولا يبدو أن البنك المركزي سيتوقف عن تحريك سعر الصرف، وصولًا إلى تساويه مع سعر السوق الموازية، بين 29 و33 جنيهًا لكل دولار.

ويبدو أن انخفاض الجنيه، منذ قرار التعويم الأول في العام الماضي وتحديدًا في 21 مارس 2022 من مستويات 15.70 جنيه للدولار، إلى مستويات 27.25 جنيه للدولار بتراجع بلغت نسبته حوالي 73% لم يعد كافيًا لصندوق النقد وكأنهم يتساءلون كل يوم أين الانخفاض الجديد؟!

 

73% لا تكفي

ورفع بنك HSBC توقعاته لسعر الدولار مقابل الجنيه، مرجحًا أن يسجل على المدى القريب 32.5 جنيه في المتوسط مقارنة بـ 26 جنيها في توقعات سابقة.

وأوضح تقرير للبنك أن استمرار انخفاض الجنيه على المدى القريب يرجع إلى زيادة احتياجات التمويل العالية للغاية من الدولار وتدفقات رأس المال المنخفضة نسبيًا في هذه الفترة، وفقًا لـ" Investing".

وأدت الموجة الثالثة من الانخفاضات الحادة في أسعار صرف الجنيه خلال الأيام الأولى من عام 2023 إلى ارتفاع سعر الدولار إلى نحو 27.25 جنيهًا في نهاية التعاملات يوم 5 يناير ليصعد الدولار نحو 75% من مارس الماضي.

جاء ذلك بعدما تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في خروج استثمارات غير مباشرة من مصر بقيمة 22 مليار دولار خلال أول 6 شهور من 2022 وفقًا لتصريحات حكومية في وقت سابق.

وبدأ البنك المركزي في التحول إلى سعر صرف مرن كما جاءت في بيان صندوق النقد الدولي، وقد ظهر ذلك من خلال تمويل الاعتمادات المستندية للإفراج عن البضائع المكدسة في الموانئ.

وطبق البنك المركزي ذلك مرتين: الأولى في مارس ورفع الفائدة آنذاك 200 نقطة أساس، والثانية في أكتوبر 2022 ورفع الفائدة حينها 300 نقطة أساس.

 

ضغوط

وتوقع البنك إلقاء عبء ثقيل على العملة الوطنية باستمرار إرث السياسات المتشددة السابقة أيضًا خلال العام الجديد 2023، مع وجود نظرة مستقبلية على المدى القريب لا تزال صعبة.

وقال إن صافي الأصول الأجنبية تحول من فائض قليل في بداية عام 2022 إلى عجز قدره 22 مليار دولار في نهاية عام 2022.

وتوقع البنك أن تواجه مصر جدولًا صعبًا لسداد الديون الخارجية، والتي تشمل سداد سندات بقيمة 1.25 مليار دولار في الربع الأول.

ويعتبر الجزء الأكبر من مدفوعات مصر للكيانات متعددة الأطراف هو صندوق النقد الدولي والتي بلغت 2.5 مليار دولار هذا العام و15 مليار دولار قبل نهاية عام 2026.

مما يعني أن مصر يجب أن تدفع لصندوق النقد الدولي ما لا يقل عن 10 مليارات دولار أكثر مما تحصل عليه خلال برنامج EFF الجديد بحسب بنك إتش إس بي سي.

 

التضخم والفائدة

ومن المتوقع أن يتحرك مؤشر أسعار المستهلكين الرئيس فوق 25% في الربع الأول من هذا العام ولا ينخفض إلى ما دون 20% على أساس سنوي حتى العام المقبل، ورفع الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس.

ووفقًا للبنك، فمن المرجح أن تظل التدفقات التجارية والخاصة بالدولار إلى الأصول بالجنيه منخفضة على الرغم من ارتفاع العائدات، كما سيؤدي تعطيل الوصول إلى المدخلات المستوردة لتقليص قدرة الشركات على التصدير.

وقال بنك اتش اس بي سي من المحتمل أيضًا أن يظل الوصول إلى سوق السندات الدولية أمرًا صعبًا حتى تتقلص ضغوط العملات الأجنبية.