تعتبر أزمة توفير الدولار في البنك المركزي، والبنوك المصرية من أكبر الأزمات التي واجهتها حكومة الانقلاب في العام الماضي 2022.

وللخروج من هذه الأزمة بدأت الحكومة في الاعتماد على العديد من المصادر بعضها خطر على المستوى البعيد للدولة والاقتصاد، وبعضها يمكن أن يؤتي بعض ثماره إلى أنها - جميعها - لن تحل الأزمة الدولارية التي تعاني منها البلاد.

وتحتاج مصر إلى نحو 35 مليار دولار لتغطية عجز الحساب الجاري وتسديد فوائد وأقساط الديون خلال العام المالي الجاري 2022/ 2023، وفقًا لرئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، وفقًا لـ"BBC".

ومن أهم هذه الخطوات التي اتخذتها حكومة الانقلاب لزيادة الحصيلة الدولارية في مصر:

 

إغراء المستثمرين الأجانب بشراء أراضٍ في المدن الجديدة

عرضت حكومة الانقلاب على الشركات شراء أراضٍ في المدن الجديدة بنظام التخصيص المباشر، مقابل الدفع بالدولار، ما يعيد تسليط الضوء على شح العملة الصعبة في الدولة التي حصلت مؤخرًا على قرض من صندوق النقد الدولي.

هيئة المجتمعات العمرانية، التابعة لوزارة الإسكان المصرية، قالت في منشور على موقعها الإلكتروني إنها ستسمح للشركات التي تضم شريكًا أجنبيًا بالتقدم لشراء أراضٍ بالدولار، بحيث لا تقل نسبة الشريك أو الشركاء الأجانب عن 60% من رأسمال الشركة.

هذه الميزة لا تنطبق على الشركات التي يعود أغلب ملكيتها إلى المصريين، لكن طرحت هيئة المجتمعات أيضًا أراضيَ للأفراد المصريين في المدن الجديدة، وأتاحت أفضلية التخصيص لهذه الأراضي للحاجزين بالدولار الأميركي، كما ستطرح قريبًا وحدات سكنية مميزة للمقيمين بالخارج بشرط دفع ثمن هذه الوحدات بالدولار.

 

وضع سقف للسحب من الخارج للحفاظ على الدولار

وضعت بعض البنوك سقفًا للسحب النقدي عبر بطاقات الخصم والائتمان المستخدمة في الخارج، للحفاظ على السيولة من الدولار، وأرجع خبراء مصرفيون أسباب هذا القرار إلى التزايد الملحوظ في السحب النقدي بالخارج لاستغلال ارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازي، متوقعين أن يكون هذا القرار مؤقتًا وسيتم إلغائه عقب توافر السيولة حال الحصول على قرض جددي من صندوق النقد الدولي.

وحددت البنوك، في أكتوبر الماضي، مثل بنك مصر سقفًا للسحب النقدي لبطاقات الائتمان والخصم بين 500-1500 دولار شهريًا، والبنك التجاري الدولي من 5-300 ألف جنيه (254.29 دولار – 15257.56 دولار) شهريًا حسب البطاقة، وبنك إتش إس بي سي 5 آلاف دولار شهريًا، وبنك أبو ظبي الأول 10 آلاف جنيه (508.58 دولار)، بحسب ما تناقلته وسائل إعلام محلية (والأرقام تبعًا لسعر الدولار في شهر أكتوبر).

 

بيع أصول بعض الشركات والمؤسسات لدول خليجية

أعلنت حكومة الانقلاب في أغسطس الماضي عن بيع العديد من الشركات والمؤسسات المصرية المملوكة للحكومة إلى عدة دول خليجية.

واستحوذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص أقلية مملوكة للدولة المصرية في أربع شركات رائدة ومدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار، وأتى ذلك بعد أربعة أشهر من إعلان القاهرة بيع حصص في خمس شركات للصندوق السيادي الإماراتي مقابل 1.8 مليار دولار، وسبقها بيع حصص مصر في شركتين أخريين للصندوق الإماراتي، وغيرها من عشرات الشركات والبنوك والمؤسسات المصرية.

ويرى الرئيس السابق لجمعيتي الاستثمار المصرية والعربية، هاني توفيق، أن "البيع كان اضطراريًا للسعودية والإمارات لحاجة مصر إلى تسديد أقساط وفوائد ديونها المستحقة". ويأتي ذلك في وقت تراجعت فيه موارد النقد الأجنبي من الصادرات والسياحة وخرجت فيه ما تعرف بالأموال الساخنة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وطرحت حكومة الانقلاب قبل أشهر مسودة ما سمتها "وثيقة ملكية الدولة" التي تعلن من خلالها التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وتوسعة دور القطاع الخاص في الناتج الإجمالي القومي.

 

تسديد العجز بقرض جديد من صندوق النقد

وافق صندوق النقد الدولي على منح قرض جديد لمصر قيمته 3 مليارات دولار يسدد على 46 شهرا بعد مفاوضات مضنية استمرت نحو عام.

وكشف بعض الخبراء الاقتصاديين أن التوجه لصندوق النقد الدولي بدأ في 2016، لعدم وجود بديل آخر تلجأ له حكومة الانقلاب، كما أن تحويلات المصريين بالخارج تصل عبر مصادر غير رسمية، إضافة إلي ضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ذلك الوقت.

ويطالب صندوق النقد الدولي مصر بخفض الدعم على السلع الأساسية مثل الوقود والكهرباء والقمح والأرز، بهدف خفض عجز الموازنة العامة. وهذا يعني أن المواطن البسيط سيضطر لتحمل أعباء مالية قد لا يقدر على سدادها بل قد تدفع بفئات اجتماعية كبرى نحو هوة الفقر، وفقًا لـ"BBC".

 

طرح شهادات دولارية لبنكي "الأهلي" و"مصر"

لجأ بنكا "مصر" و"الأهلي المصري"، أكبر مصرفين حكوميين، إلى رفع الفائدة على شهادات الإيداع بالدولار إلى أكثر من الضعف. ورفع البنكان الفائدة إلى 5.30% سنويًا للشهادات الدولارية لمدة ثلاث سنوات و5.15% على الشهادات لمدة خمس سنوات، بزيادة من 2.15 إلى 2.25%.

وتهدف تلك الخطوة إلى جذب أي سيولة دولارية لدى الأفراد إلى النظام المصرفي، فيما ضاعفت بنوك محلية أيضًا رسوم استخدام بطاقات الخصم والائتمان في الخارج إلى 6% بدلًا من 3% في السابق، وفقًا لـ"إندبندنت عربية".

وكشف البنك في بيان، عن إصدار الشهادة الذهبية الجديدة لمدة 3 سنوات بعوائد تصل إلى 5.30% سنويًا، و5.25% نصف سنوي، و5.20% ربع سنوي، و5.15% شهريًا بحد أدنى 500 دولار أمريكي أو مضاعفاتها.

 

دخول سيارات المغتربين دون دفع رسوم أو جمارك عليها

اتخذت حكومة الانقلاب قرارًا بالسماح للعاملين في الخارج باستيراد سيارة معفاة من الرسوم والضرائب؛ مقابل سداد مبلغ نقدي بالعملة الأجنبية، يُحوّل من المغترب لصالح وزارة المالية. على أن يسترد صاحب السيارة المبلغ بعد 5 سنوات من تاريخ السداد بالعملة المحلية بسعر الصرف المُعلن وقت الاسترداد.

وإذا كانت الحكومة تراعي مصلحة المواطن، فلم لم تطرح سيناريو آخر هو أن يسترد المغترب قيمة الوديعة بنفس عملة السداد سواء الدولار أو اليورو، على ألا تدفع الحكومة عائدًا على الوديعة المحجوزة؟

ويكفي أن المواطن لن يحصل على أسعار فائدة على الوديعة الدولارية التي سيمنحها للحكومة لمدة 5 سنوات، ولا داعي لحجة أن عائد الوديعة يقل عن الجمارك المستحقة.

 

طرح وحدات سكنية للمغتربين بسعر تنافسي

والأمر الثالث الذي تسعى من خلاله حكومة الانقلاب لزيادة الحصيلة الدولارية في مصر يتمثل بطرح وحدات سكنية مميزة للمغتربين، بأسعار تنافسية، وتخفيضات جذابة، شريطة دفع ثمن هذه الوحدات العقارية بالدولار، وفقًا للمتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء نادر سعد.

وأشار سعد إلى أن الوحدات السكنية التي ستُعرض على المغتربين "تمّ إنشاؤها من قِبل وزارة الإسكان". مُنوّهًا بأن هذه المبادرة، كما تلك المتعلقة بالسيارات، تمثل "إحدى الطرق التي تسعى الحكومة من خلالها لتعظيم إيراداتها الدولارية".

 

طرح حصص إستراتيجية من محطة كهرباء بني سويف على المستثمرين

قالت مصادر حكومية، إن صندوق مصر السيادي اختار محطة كهرباء بني سويف لتكون أولى المحطات التي قرر انضمامها إليه قبل نهاية العام وطرح حصص استراتيجية منها على المستثمرين في وقت لاحق، ويكون البيع بالدولار لزيادة العائدات الدولارية للدولة.

وتابع المصدر أن "الطرح قد يكون لمستثمر واحد استراتيجي أو طرح حصص أقلية على عدد من المستثمرين، كل الخيارات مطروحة ولا يوجد وقت محدد للطرح، خصوصًا أنه من فترة كان قد جرى إرجاء الطرح، وسيجري ضم الأصول أولًا إلى الصندوق، وهو من سيقرر لاحقًا، لكن لن يكون الأمر سريعًا في أي حال"، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق مع بلومبرج".

 

وقف التعامل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد

أعلن البنك المركزي في 14 فبراير الماضي وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ في 23 فبراير.

وأوضح اتحاد بنوك مصر، في بيان سابق، أن قرار البنك المركزي جاء بهدف الارتقاء بمستوى البضائع الواردة من الخارج لحماية صحة وأموال المواطنين، وكذا حوكمة منظومة التجارة الخارجية وحماية الصناعة الوطنية والحفاظ على موارد الدولة السيادية.

 

التفاوض مع الوكلاء الملاحيين لوقف التعامل بالدولار

أرسل الاتحاد العام للغرف التجارية خطابًا إلى وزارة المالية بنهاية شهر مارس الماضي، لطلب وقف التعامل بالدولار على الأراضي المصرية، وذلك لتخفيض العبء والطلب على العملة الأجنبية.

وكشفت وزارة المالية في ردها على هذا الخطاب بتاريخ 3 إبريل الماضي عن أن الدكتور محمد معيط، وزير المالية، خاطب الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة للتوجه نحو دراسة مدى إمكانية تعامل التوكيلات الملاحية مع شركات تداول الحاويات بالعملة المصرية.

وتفاوضت وزارة المالية مع الوكلاء الملاحيين لسداد مصروفات التداول المحلي للشحنات بالجنيه المصري بدلًا من الدولار.

 

قصر فريضة الحج على من لم يسبق له أداء الفريضة

أعلن الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أنه تم الاتفاق خلال اجتماع اللجنة الوزارية العليا للحج في إبريل الماضي، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، على اقتصار الحج هذا العام على حج الفريضة لمن لم يسبق له الحج.

 

عدم السماح بالحج على نفقة الدولة هذا العام

كما أشار وزير الأوقاف خلال اجتماع اللجنة في إبريل الماضي إلى أنه تم عقد اجتماع تنسيقي مع مسئولي الوزارات والجهات المعنية، وتم التوافق على عدم السماح بالحج على نفقة الدولة أو أي من الجهات التابعة لها هذا العام، وبالتالي فلا حج على نفقة وزارة الأوقاف في 2022.

ومن شأن الإجرائين الأخيرين أن يسهما في الاحتفاظ بكميات من النقد الأجنبي داخل البلاد، كما أن الإجراء الأخير سينعكس على موارد الدولة بشكل مباشر.

ويواجه الاقتصاد البالغة قيمته 400 مليار دولار أسوأ أزمة في النقد الأجنبي منذ أن بدأت مشكلة نقص الدولار قبل 5 سنوات من الآن، الأمر الذي أرغم الدولة على خفض قيمة العملة وحصول مصر على قرض سابق من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار.

وتستهدف مصر تحقيق معدلات نمو اقتصادي بنسبة 5.5%، كما تسعى لخفض عجز الموازنة إلى مستوى 5% في العام المالي 2023-2024، الذي يبدأ في يوليو المقبل.