يترقب الكثير من المصريين مصير الجنيه في عام 2023، بعد أن أشارت العديد من التوقعات إلى استمرار هبوط الجنيه مقابل الدولار، وأعلنت البنوك الأجنبية أن سعر الدولار سيصل ما بين 33 – 37 جنيهًا في العام القادم.

وهبطت الجنيه مقابل الدولار خلال 2022 أكثر من 60% في البنوك المحلية و110 في السوق الموازي، وسط توقعات بأن تقوم حكومة الانقلاب بتحريره تمامًا مع بداية العام الجديد.

 

قصة الانهيار في 2022

بدأ الجنيه مطلع 2022 متماسكا عند مستوى 15.65 لكل دولار، وهو المستوى الذي سعى البنك المركزي المصري للحفاظ عليه منذ عام 2019 من خلال ما بات يعرف بـ "التعويم المدار" الذي يعتمد على قيام البنك بضخ دولارات في السوق للحفاظ على قيمة الجنيه.

في أعقاب اهتزاز الوضع المالي للدولة بسبب هروب الأموال الساخنة بنحو 20 مليار دولار، قررت حكومة الانقلاب هبوط الجنيه بمقدار 15% دفعة واحدة، في الاجتماع الاستثنائي، الذي عقد في 21 مارس الماضي، ورفع سعر الفائدة 100 نقطة دفعة واحدة، وقفز سعر الدولار أمام الجنيه من 15.75 جنيها إلى 18.30 جنيها، وسط تقلبات شديدة في سعر صرف الجنيه، ما أدى إلى ظهور السوق الموازي لأول مرة منذ سنوات بعد تشديد القبضة على السوق وإغلاق معظم مكاتب الصرافة وتضييق الخناق على المتعاملين.

منذ مارس الماضي ظل الجنيه يفقد وزنه بشكل تدريجي من 18.30 جنيها للدولار حتى وصل إلى 19.70 جنيها في البنك المركزي ولكنه تجاوز هذا الرقم بنحو 15% في السوق الموازي، وسط إقبال كبير على العملة الأجنبية.

وتحت ضغوط صندوق النقد الدولي واستمرار عزوف المستثمرين الأجانب وتراجع دعم الدول الخليجية قررت حكومة الانقلاب رفع العائد على الفائدة 200 نقطة (2%) مجددًا، وسمحت بهبوط الجنيه مجددًا إلى أكثر من 22 جنيهًا للدولار حتى وصل إلى 24.74 جنيهًا ليهبط مرة أخرى بنسبة 20%.

في أعقاب تلك الخطوة، أعلن صندوق النقد الدولي، التوصل لاتفاق تمويل على مستوى الخبراء، مع مصر قيمته 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرًا، ورغم ذلك واصلت السوق السوداء ضغوطها على الجنيه حتى وصل إلى أكثر من 35 جنيهًا قبل أن يتراجع إلى 33 جنيهًا.

مع استمرار تراجع الجنيه، انضم إلى قائمة أسوأ 10 عملات أداء في عام 2022، التي أعدها ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة “جونز هوبكنز”، بعد أن انخفض إلى مستويات قياسية وتراجع إلى 24.70 جنيها أمام الدولار نتيجة تدهور وضع السيولة الخارجية، وتراكم الالتزامات الخارجية، وتدهور وضع الاحتياطي النقدي.

هوى احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي من أعلى نقطة له عند نحو 45 مليار دولار قبل الأزمة الروسية الأوكرانية إلى نحو 33 مليار دولار، أغلبه ودائع خليجية أعادت دول الخليج تأجيل مواعيد استحقاقها بسبب عجز مصر عن الوفاء بالسداد في المواعيد المحددة.

 

مستقبل الجنيه في 2023

تسببت سياسة حكومة الانقلاب القائمة على الاقتراض لسداد ديونها وأقساطها إلى استمرار تراجع الجنيه، إضافة إلى تأثره في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية وهروب رؤوس الأموال الأجنبية من السوق المصرية.

وأكد الخبير الاقتصادي، علاء السيد، أن سعر صرف الجنيه قبل الأزمة الأخيرة كان غير عادل، وكانت كل التحليلات تشير إلى أن قيمته أقل بكثير مما كان عليه ولكن تدخل البنك المركزي هو الذي كان يحول دون هبوطه ولكن شح الموارد الدولارية الناجمة عن الحرب وارتفاع أسعار السلع الأولية والطاقة وارتفاع تكلفة التأمين على الديون وهروب الأموال الساخنة بددت كل الجهود التي بذلها البنك المركزي في محاولة مساندته ودعمه.

ورأى أن "رفع الفائدة على الدولار الأمريكي أذكى شهية المستثمرين في الخروج من السوق المصري بعد أن قام الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة عدة مرات إلى مستويات قياسية مقابل انخفاض قيمة السندات الحكومية بشكل حاد وبوتيرة أسرع من المتوقع"، وفقًا لـ"عربي 21".

وتوقع الخبير الاقتصادي أن "يهبط الجنيه المصري إلى مستويات جديدة مع إصرار صندوق النقد الدولي على تحرير سعر الصرف بشكل دائم وعدم تدخل البنك المركزي في ضخ مليارات الدولارات لدعمه أمام سلة العملات الأجنبية ما يترتب عليه ثلاثة أمور هي رفع العائد مجددًا، وارتفاع التضخم بشكل أقوى والتعجيل ببيع المزيد من أصول البلاد".

لكن السيد أكد أن تحرير سعر صرف الدولار الأمريكي سيؤدي إلى زيادة كبيرة للغاية في أسعار السلع في الأسواق المحلية، ما سيمثل ضغطًا كبيرًا على موازنة الأسرة المصرية ذات الدخل المتواضع والمحدود؛ في ظل تفاقم معدلات الفقر والبطالة وانخفاض الرواتب وارتفاع معدلات الضرائب والرسوم وأسعار الوقود والمواصلات العامة ونقل المنتجات".

 

الجنيه سيخسر 20% في 2023

ومن جهته، توقع الخبير الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إبراهيم نوار، أن يخسر الجنيه خلال الأيام القليلة المقبلة 20% مجددًا، مشيرًا إلى أن هذه النسبة سوف تكمل عقد التعويم الكامل للجنيه بنسبة 100%.

واعتبر الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار، في تصريحات لـ"عربي 21" أن وراء هذه الدعوات الضغط لسرعة توقيع اتفاق صندوق النقد الدولي، وقال: "لكن المعضلة التي تواجه السوق هي شح الدولار، لا توجد أرصدة دولارية كافية لتمويل العجز في الحساب الجاري، ولا حتى لسداد ثمن البضائع المكدسة في الموانئ، ولم يتم الإفراج عنها بسبب عدم تسوية مدفوعاتها للمصدرين في الخارج".

وأضاف: "الدعوة إلى تحرير كامل للجنيه هي تحدّ يواجه القطاع الخاص نفسه، من أين سيشتري القطاع الخاص دولارات لتمويل نشاطه إذا كان عائد الصادرات يقل عن نصف تكلفة الواردات؟ للأسف هناك إصلاحات هيكلية مطلوبة أولا، بنقل الأنشطة الاقتصادية من الدولة إلى القطاع الخاص، هذه الإصلاحات ضرورية لجعل القطاع الخاص قادرًا على إدارة كل مكونات المعاملات في السوق بقوانين السوق.

وفي الوقت الحالي يتم تمويل العجز التجاري بموارد دولارية لم ينتجها القطاع الخاص، وفق نوار، وهذا ليس نتيجة عدم قدرته على ذلك، ولكن نتيجة تهميشه بقسوة خلال السنوات الأخيرة، مشددًا على أن القطاع الخاص يجب أولا أن يعود إلى مواقعه السابقة في هيكل الاقتصاد.

 

تعويم كامل بانتظار الجنيه

كما توقع صندوق النقد الدولي أن تقوم حكومة الانقلاب بتحرير كامل لسعر صرف الجنيه خلال عام 2023، ورهن استمرار برنامجه مع مصر بذلك.

وقالت رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، فلادكوفا هولار، في مقابلة مع "رويترز"، إن الصندوق يترقب تحول مصر إلى سعر صرف مرن بشكل دائم بعد إلغاء شرط تمويل الواردات بخطابات اعتماد في نهاية ديسمبر الجاري.

 وأضافت: "نعرف أن البنك المركزي لم يتدخل بعد لضخ احتياطيات في سوق الصرف الأجنبي منذ أن توصلنا لاتفاق على مستوى الخبراء.. لكننا نعلم أيضا أن الواردات المتأخرة لم يتم الإفراج عنها"، مؤكدة أن "الأمر سيخضع لمتابعة عن كثب لطريقة عمل سوق الصرف الأجنبي".

وتابعت: "سننظر عن كثب في كيفية عمل سوق الصرف الأجنبي، والذي سيمنحنا بعد ذلك القدرة على التحدث مع السلطات ومجلس إدارتنا حول (ما إذا كان) ما نراه يتوافق حقًا مع نظام سعر الصرف المرن."