أثار مقتل السيدة سهير الأنصاري والملقبة بسيدة الخير غضبا في المجتمع المصري بعدما وصل الحال لأن يقوم فرد من الأفراد بالطمع في سيدة عرف عنها الإحسان والاهتمام بالفقراء والأيتام ومساعدة المحتاجين، لكن هذا هو الحال الذي وصل له المجتمع في ظل سياسات خاطئة تحت حكم العسكر الذي حاصرهم بالفقر والجهل، من خلال القبضة الأمنية، التي خلفت عنها اعتقال العديد من رجال العلم والدين الذين كانوا سندا لهذا المجتمع والزج بهم في غياهب السجون.

 

مقتل سيدة الخير بسبب 2000 جنيه

ولعل التغيرات التي طرأت في المجتمع المصري والتي أدت لاندلاع العديد من الجرائم البشعة  والتي كان آخرها مقتل سيدة الخير فقد ذكرت وزارة الداخلية في بيان لها تكشف فيه تفاصيل الجريمة النكراء، أن الأجهزة المختصة قد تمكنت من اعتقال المشتبه به في قتل موظفة متقاعدة في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، والتي اشتهرت بلقب "سيدة الخير".

وقالت الداخلية في البيان إنها عثرت على جثة الضحية "وبها كدمات وسحجات متفرقة بالجسم، وبسؤال ابنتها أفادت بخروج والدتها من المنزل رفقة (سائق) بالسيارة الخاصة به لتوزيع صدقات للجمعيات الخيرية حيث إن والدتها عضوة بالجمعيات الخيرية، وتقوم بتوزيع الصدقات لتلك الجمعيات، وأضافت أنه كان بحوزة والدتها هاتف محمول،  وحقيبة يدها. ومبالغ مالية، وبعض المشغولات الذهبية".

ونوه البيان: "بإجراء التحريات وجمع المعلومات تمكن قطاع الأمن العام بمشاركة مديرية أمن البحيرة من التوصل إلى أن وراء ارتكاب الواقعة سائق، مقيم بدائرة مركز شرطة دمنهور"، وفقا لما ذكرت صحيفة "المصري اليوم".

وأضاف: "عقب تقنين الإجراءات تم ضبطه وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة وأقر باعتياده اصطحاب المجنى عليها لتوصيلها للجمعيات الخيرية، حيث استقلت معه السيارة.. لتوصيلها لإحدى الجمعيات الخيرية التي تتردد عليها لتوزيع أموال الصدقات وأثناء سيرهما توقف بالسيارة وأوهمها بانتظاره أشخاص قادمين لتسليمه قطع غيار لسيارته".

ولفت البيان: "ثم غافلها وقام بالتعدي عليها باستخدام قضيب حديدي، مما أدى إلى وفاتها وعقب ذلك عمد إلى إلقاء جثتها بمكان العثور عليها والاستيلاء على متعلقاتها".

من جانبه، قال محمد عبده، نجل الضحية في تصريحات تلفزيونية، إن ذلك السائق قد غدر بوالدته "بعد إحسانها" له على مدار 8 أشهر، مقابل مبلغ زهيد ومصوغات ذهبية بسيطة.

وأوضح: "لم يكن بحوزتها سوى 2000 جنيه كانت في طريقها لتعطيهم إلى عروس يتيمة".

 

قتل رغم الإحسان

وواصل نجل الضحية: "القاتل كان مستلف (استدان) من والدتي 5 آلاف جنيه  وردها على أقساط 1000 ثم 1000 وسابتله (سامحته في) الباقي".

من جانبها، قالت ابنة الضحية إن "والدتها كانت تعمل بمديرية الشؤون الاجتماعية بمحافظة البحيرة، وعلى الرغم من إحالتها إلى التقاعد قبل عامين لم تنقطع عن الذهاب إلى العمل لمساعدة الناس، وقضاء حوائجهم".

وكان الآلاف قد شاركوا في تشييع جثمان "سيدة الخير" التي اشتهرت بأعمالها الخيرية الكثيرة في مدينتها وبمحافظة البحيرة، لا سيما فيما يختص مساعدة الأسر الفقيرة على قضاء الكثير من حوائجهم في العلاج والزواج والدراسة وترميم وإصلاح المنازل.

 

معدلات الجرائم في مصر تتزايد

وفي تقرير لموسوعة قاعدة البيانات العالمية (NUMBEO) التي تهتم بتقييم مستوى الجريمة ودرجة الأمان في دول العالم، قال إن مصر تأتي بالمركز الـ65 عالميا والمركز الـ19 أفريقيا والثالث عربيا بعد ليبيا والجزائر بمعدلات الجرائم بين الدول، وفق إحصائية منتصف 2022.

وفي رصده للعنف ضد المرأة والطفل عام 2020، أكد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، في دراسته الصادرة عام 2021، أن القتل والشروع فيه يأتيان بمقدمة جرائم العنف بـ173 حالة، تلتها الجرائم الجنسية بـ38 حالة.

وفي الوقت الذي زادت فيه معدلات جرائم القتل العمد في مصر بنسبة 130 بالمئة، وفق تقرير لقطاع مصلحة الأمن العام حول معدلات الجريمة في مصر عام 2018، أشارت دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (حكومي) عام 2016، إلى دوافع تلك الزيادة.

الدراسة أكدت أن القتل الأسري يشكل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل، وأن 92 بالمئة من الجرائم بدافع "العرض أو الشرف"، لافتة إلى دور العوامل الاقتصادية، موضحة أن 70 بالمئة من الجرائم ارتكبها أزواج ضد زوجاتهم، و20 بالمئة ارتكبها أشقاء ضد شقيقاتهم، وارتكب الآباء 7 بالمئة ضد بناتهم، و3 بالمئة من الأبناء ضد أمهاتهم، بحسب تقرير لصحيفة "النبأ" المحلية.

العسكر الراعي الرسمي لانتشار الجرائم

من جانبه قال الباحث المصري مصطفى خضري، أن النظام العسكري هو الشريك الأساسي والمتسبب في انتشار الجرائم في الفترة الأخيرة، ويرى أنه "عندما تنحدر المجتمعات وتضمحل؛ فإنه يطفو على سطحها الكثير من الصفات المتدنية والأحداث الشاذة نتيجة تأثر العقل الجمعي بالبيئة المحيطة به، كما يحدث حاليا بمصر".

ويعتقد أن "المجتمع المصري حاليا يمر بمرحلة من مراحل التدني والانحدار نتيجة لعدة عوامل، أهمها أن النظام الحاكم يفتقد لأدنى المعايير الأخلاقية في سلوكه وخطواته وأهدافه" على حد وصفه.

وتابع: "حيث أصبح الراعي الرسمي للعنف الممنهج، بدءا من مجازر (رابعة) و(النهضة) وأخواتهما ومرورا بالتصفية الجسدية لمعارضيه خارج نطاق القانون، ونهاية بتبني هذا النهج في ما يصدره للإعلام من أعمال فنية وممثلين وإعلاميين وغيرهم ممن مردوا على النفاق والبلطجة والتدني الأخلاقي".