أسئلة كثيرة تدور على ألسنة الخبراء والاقتصاديين وأصحاب الفكر والرأي في مصر، بل وعلى ألسنة المصريين أنفسهم، بعد أن قذفتهم ريح تعويم الجنيه من الفئات المتوسطة وألقت بهم بين فئات المعوزين وأصحاب الفقر المدقع.
وتساءل الناس في مقار عملهم وعلى القهاوي وفي وسائل المواصلات عما حلّ بهم مؤخرًا بعد تعويم الجنيه للمرة الثالثة خلال 7 سنوات فقط، وبعد أن فقد الجنيه المصري قيمته وأضحى عريانًا بين جميع العملات العالمية، وهو يتذكر أيامه الماضية ويردد قول الشاعر "كانت صرحًا من خيال فهوى".
 

هل يرفع الجيش المصري يده عن الاقتصاد؟
وأول هذه الأسئلة المهمة والضرورية يتعلق بالجيش المصري، وسيطرته على الاقتصاد عمومًا من شركات ومشروعات ومصانع ومستشفيات وغيرها، فهل سيرفع يده عن الاقتصاد كما طلب صندوق النقد الدولي؟ وهل سيرضخ لبيع بعض شركاته الكبرى وطرحها في البورصة؟
يقول تيموثي كالداس، الخبير في الاقتصاد السياسي المصري في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، "إن مصر لديها فجوة تمويلية تصل إلى 40 مليار دولار في العام المقبل. متابعًا أنَّ إحجام الصندوق عن تقديم المزيد قد يشير إلى المستثمرين بأن يبقوا بعيدين.
وقال كالداس لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إنَّ السلطات المصرية خفضت قيمة الجنيه للحصول على قرض عام 2016؛ ما أدى إلى إغراق الملايين من المواطنين في براثن الفقر، واضطروا للطرق على باب الصندوق ثلاث مرات أخرى في غضون ست سنوات، وفقًا لـ"عربي بوست".
وأوضح خبير الاقتصاد السياسي: "لقد عدنا إلى نقطة الصفر، بل أسوأ من ذلك"؛ لأنَّ مصر صارت مدينة بمبالغ أكثر بكثير، بينما صار الوصول إلى التمويل أقل بكثير مما كان عليه في عام 2016 بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي.
وأضاف أنه "إذا لم تُقيّد مصر دور الجيش في الاقتصاد بحيث يمكن للقطاع الخاص أن ينمو؛ ستُستنفَد هذه الأموال بسرعة كبيرة، وسنعود على الأرجح إلى الحاجة لتمويل طارئ جديد قريباً جداً".
 

هل يؤدي التعويم الثالث للجنيه إلى زيادة التضخم؟
ودار السؤال الثاني حول التعويم الثالث للجنيه وآثاره السلبية من زيادة التضخم في الأسواق. وبينما يراهن البعض على أن تأثير التضخم بعد التعويم الثالث للجنيه سوف يكون أقل من التعويم الأول، لأن المصريين بالفعل يشترون السلع بأسعار مقومة بسعر مرتفع للدولار، وبالتالي فالتعويم الرسمي لن يضيف الكثير من الآثار التضخمية لأنها موجودة أصلاً.
ولكن هذا ليس بالضرورة يجب أن يكون دقيقاً، لأنه ما زالت هناك سلع أساسية عديدة في السوق المصري كانت مسعّرة على أساس السعر الرسمي الذي يبلغ 19.5 جنيه مقابل الدولار، وفقًا لـ"عربي بوست".
ويعني هذا أن التعويم الثالث قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية إضافية وهي ضغوط سوف تتعلق في الغالب بالسلع الأكثر ضرورية (والتي كانت الدولة توفر الدولار اللازم لاستيرادها بالسعر الرسمي) وكذلك السلع محلية الصنع (حيث كانت الدولة توفر جزئياً الدولار لمستلزمات الإنتاج بالسعر الرسمي).
فبينما أثر التضخم الذي حدث في الأشهر الماضية في السلع المرتبطة بالطبقة الوسطى والغنية بشكل أكبر، فإن التضخم الناتج عن التعويم الثالث للجنيه المصري سوف يمس في الأغلب السلع الضرورية للمواطن البسيط، كما أنه يتوقع أن يتوسع ليشمل الخدمات، مثل إيجارات المنازل، وغيرها.

 

ما أضرار رفع سعر الفائدة على أسعار السلع؟
أما السؤال الثالث فكان عن التعويم الثالث للجنيه وآثاره السلبية على حياة المواطنين وعلى رفع أسعار السلع والمنتجات.
وأجاب على ذلك أكاديمي وأستاذ اقتصاد بإحدى الجامعات المصرية، أكد أنه "يترتب على تحرير سعر صرف الجنيه طبقا لقرار البنك المركزي ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستورة، ما يؤدي إلى عجز ميزان المدفوعات".
وأشار أستاذ الاقتصاد – الذي فضل عدم ذكر اسمه – في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الاقتصاد المصري يستورد أكثر مما يصدر، وفي العام الماضي وصل عجز ميزان المدفوعات ما يزيد على 60 مليار دولار، ما يعني ارتفاع معدل التضخم، وانعكاس ذلك على الطبقات محدودة الدخل".
وبخصوص سعر الفائدة، قال إن "من أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي تحرير الأسعار وبينها أسعار الفائدة، فالبنك المركزي يعتقد أن سبب ارتفاع معدل التضخم زيادة الطلب، ولكن يوجد جزء كبير يرجع إلى تضخم التكاليف، ورفع سعر الفائدة يعمل على مزيد من رفع التكاليف، وبالتالي ارتفاع قيمة المنتج النهائي".
وأوضح أنه بشكل عام، فإن "انعكاسات تحرير سعر صرف الجنيه ورفع سعر الفائدة على الأسعار في مصر، وهي جوهر برنامج الصندوق والبنك الدوليين، الذي يركز على إلغاء الرقابة على الأسعار، والتدخل الحكومي في الأسواق، وإلغاء الدعم، وزيادة أثمان السلع والخدمات".

ويرى أنه "طبقا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي تقوم الحكومات بزيادة أسعار الطاقة (البنزين، الغاز، البوتاجاز... إلخ)، كما يتم فرض ضرائب جديدة، وزيادة الرسوم على الخدمات العامة (الصحة، التعليم، الاتصالات، الكهرباء، المياه، البريد... إلخ)، وكل ذلك للوصول للأسعار العالمية".


هل تعود الاستثمارات الأجنبية الهاربة إلى مصر بعد تعويم الجنيه؟
من المعروف أن هناك أكثر من 20 مليار دولار من استثمارات الأجانب خرجت من مصر خلال الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، فهل يمكن لهذه الأموال العودة مرة أخرى إلى مصر بعد تعويم الجنيه؟
يقول الخبير الاقتصادي ونائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام، ممدوح الولي، إن مصر ستواجه ظروفًا دولية مختلفة؛ "فالصادرات المصرية ستزيد تكلفة المكونات المستوردة فيها مع التعويم الجديد للجنيه المصري مما يقلل تنافسيتها، إلى جانب توقعات صندوق النقد الدولي بانخفاض النمو العالمي في العام القادم إلى 2.7%، وحدوث انكماش في بعض الدول مثل ألمانيا وإيطاليا وهي دول مستقبلة لجانب جيد من الصادرات المصرية.
وأشار الولي، في مقاله "أجواء دولية مختلفة مصاحبة للقرض المصري الجديد من الصندوق"، أن "الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات الدولية الحالية على حركة الاستثمارات الدولية المباشرة ستؤثر على مصر، وهو ما أشار إليه عدد من الخبراء المصريين خلال وقائع المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد مؤخرًا في مصر، بتوقع عدم حضور الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر في الأجل القصير، بسبب الظروف الدولية المتوترة واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، بل وتوقعوا أيضًا عدم قيام الاستثمارات الأجنبية الموجودة بمصر بتوسعات خلال الفترة المقبلة، ودعوا إلى الاعتماد حاليًا على الاستثمارات المحلية والتي ما زالت تواجه صعوبات جمة، وفقًا لـ"عربي 21".
وتوقع نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام أن تؤثر تلك العوامل السابقة على سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، في ظل استعداد المستوردين لتعويض فترة تعويق وارداتهم خلال الشهور الماضية، وبقاء الطلب على الدولار للاحتفاظ والمضاربة لعدة شهور حتى تتضح الصورة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية".