يعتبر ملف القضية الفلسطينية أحد القضايا التي تعكس مدى عمق الاختلاف بين المرشحين لرئاسة البرازيل من حيث الدبلوماسية الدولية.


ورحب فلسطينيون بعودة لويس إيناسيو دا سيلفا (لولا) لمكانه رئيسا للبرازيل متفوقا على المنحاز للصهيونية العالمية جايير بولسونارو، على أمل أن نجاح صديق فلسطين "سيعزز الدعم العالمي للفلسطينيين".


وكان حازا في نفوس الفلسطينيين توجه ميشيل زوجة المرشح الخاسر والرئيس السابق بولسونارو إلى منصة الاقتراع بقميص رسم عليه علم الصهاينة ذي الخطين الأزررقين.


علاوة على ما شكله زوجها بولسونارو من اتفاق مع الصهاينة مقابل جحد فلسطين وقضيتها العادلة، ففي افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام، عادة ما يكون رئيس الدولة البرازيلي هو أول من يتحدث. ولطالما تناول الممثلون البرازيليون القضية الفلسطينية وقدموا الدعم لحل عادل لمشكلة الاحتلال الصهيوني وتعويض حقوق الشعب الفلسطيني، كما سجل (دا سيلفا) حضورا -في أثناء رئاسته السابقة- في العديد من الفعاليات يرتدي الكوفية الفلسطينية.


ولكن بولسونارو لم يُشر إلى الصراع في فلسطين في المناسبات الأربع التي تحدث فيها في الأمم المتحدة، سعيا لرضا اللوبي الامريكي الصهيوني، فيما حافظ لولا خلال فترتي ولايته على خط الدفاع عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحل الدولتين مع حدود عام 1967 المعترف بها دوليا.


وعلق المحلل الفلسطيني ياسر الزعاترة عبر "تويتر" معتبرا أن انتخاب داسيلفا "خبر جيّد من البرازيل لفلسطين وعكسه للغزاة.


حبيبهم "بولسونارو" الذي خرجت زوجته للتصويب بقميص يحمل صورة علمهم؛ يخسر أمام "دا سيلفا"؛ المعروف بمواقفه الجيّدة من قضية فلسطين.".


وأضاف "الزعاترة"، "هي قضية رمزية، فشعبنا يعتمد على مقاومته والأخيرة هي التي تجلب التأييد، لأن الأحرار يحترمون صاحب الحق المقاوم".


ولطالما طالب دا سيلفا بمزيد من المشاركة المجتمع الدولي - الأمم المتحدة على وجه الخصوص - في حل إنهاء الاحتلال العسكري الصهيوني وانتهاكاته المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني.


وفاز الرئيس لولا دا سيلفا برئاسة البرازيل، للمرة الثالثة بعد جولة إعادة حقق فيها نسبة 50.9% من الأصوات مقابل 49.1% لمنافسه المنتهية ولايته بولسونارو، بعدما وثقت المحكمة العليا البرازيلية فوز المرشح والرئيس السابق دا سيلفا، في الانتخابات الرئاسية، بعدما كان رئيساً لولايتين بين 2003 و2011.


المستوى الدولي


وقضية فلسطين واحدة من أبرز قضايا المستوى الدولي التي وعد دا سيلفا بعودة البرازيل إلى الساحة الدولية بعد فوزه بالرئاسة.


وأعلن دا سيلفا في خطاب النصر مساء الأحد أن بلاده "عادت" إلى الساحة الدولية ولم تعد تريد أن تكون “منبوذة”.


وفي تغريدة له على “تويتر”، قال لولا دا سيلفا: “حاولوا دفني حيا، وأنا الآن هنا لحكم البلاد.. في موقف صعب للغاية، لكنني متأكد من أنه بمساعدة الناس سنجد مخرجا ونستعيد السلام”.


وأضاف أنه لم يواجه مرشحا وإنما واجه آلة الدولة الموضوعة في خدمة المرشح، في إشارة إلى منافسه جايير بولسونارو.


وتابع قائلا: “لقد وصلنا إلى نهاية واحدة من أهم الانتخابات في تاريخنا.. انتخابات وضعت مشروعين متعارضين للبلاد وجها لوجه، وهذا اليوم له فائز واحد وعظيم: الشعب البرازيلي”.


وختم : “هذا ليس انتصارا لي ولا لحزب العمال ولا للأحزاب التي دعمتني في هذه الحملة.. إنه انتصار لحركة ديمقراطية هائلة تشكلت فوق الأحزاب السياسية والمصالح الشخصية والأيديولوجيات لتنتصر الديمقراطية”.


وقالت الإعلامية خديجة بن قنة "#البرازيل #كولومبيا #فنزويلا .. اليسار يعود بقوة لأمريكا اللاتينية. عودة البرازيلي اليساري لولا دا سيلفا الذي قاد حملته الانتخابية متوشحا الكوفية الفلسطينية، والثوري اليساري الفنزويلي مادورو، واليساري الكولومبي غوستافو بيترو.. ينبىء بعودة قوية لليسار المؤيد ل #فلسطين، فأين يسارنا العربي؟".


وعن ذات المعنى سجل الصحفي سليم عزوز ترحيبا بموقف دا سيلفا (يساري) مشيرا إلى أنه يختلف عن موقف اليسارين العرب وقال في مقال بالقدس العربي (..  بعد كل ما جرى في النهر، فإن "لولا دا سيلفا" يزين كتفيه في حملته الانتخابية بـ"الكوفية الفلسطينية"، تعبيراً عن الموقف اليساري التقليدي من هذه القضية العادلة، في وقت ارتدت فيه زوجة الرئيس المنتهية ولايته قميصاً يحمل علم إسرائيل. فهل أدرك اليسار العربي في أي هاوية سقط، وقد صار أداة في يد الرجعية، وذليلاً على موائد أنظمة الاستبداد؟!)


محطات منها السجن


ولولا دا سيلفا،  أحد السياسيين الأكثر نفوذاً واستمرارية في أمريكا اللاتينية ورجل الدولة ذو اللسان الفضي الذي أشاد به باراك أوباما ذات مرة باعتباره "الرئيس الأكثر شعبية على وجه الأرض".


وسيتولى لولا السلطة في الأول من يناير  2023، وسيُكلف بإعادة بناء وإعادة توحيد الأمة التي تعرضت للضرر والانقسام المرير بعد أربع سنوات من سياسات بولسونارو اليمينية المتطرفة.


وزجت السلطات دا سيلفا، الرئيس البرازيلي السابق وأيقونة اليسار في أمريكا اللاتينية، إلى السجن عام 2018 عندما أدين في تحقيق فساد واسع النطاق يتعلق بشركة النفط الحكومية، وهو ما أدى إلى انهيار سمعته.


وبدأ يقضي عقوبة بالسجن لمدة 12 عاما لكن المحكمة العليا ألغت الحكم، مستشهدة بأخطاء إجرائية وأطلقت سراحه ليخرج من السجن ويكون المرشح الأوفر حظا للانتخابات الرئاسية البرازيلية التي فاز بها.


ووُلد لولا عام 1945 في جارانهونس، في ولاية بيرنامبوكو في شمال شرق البرازيل الذي يعاني من الفقر تاريخيًا. وكان السابع من بين ثمانية أطفال في أسرة فقيرة يعمل فيها الأب في الزراعة والأم خياطة.


وانتقلت عائلة الرئيس إلى جواروجا، على ساحل ولاية ساو باولو، في عام 1952، وكانت مدة الانتقال 13 يوما في مؤخرة شاحنة. وساهم لولا في دخل الأسرة من خلال تلميع الأحذية وبيع الفول السوداني في الشوارع.


وبعد ذلك بعام ، انفصل والدا لولا وانتقل للعيش مع والدته في مدينة ساو باولو. وفي سن الثانية عشرة، اشتغل في متجر للتنظيف الجاف قبل العمل في مصنع طوال فترة مراهقته حيث فقد إصبعه الصغير من يده اليسرى في حادث صناعي.

وانتقل لاحقاً إلى مصنع آخر وتمكن من الالتحاق بدورة حكومية لأشغال المعادن مدتها ثلاث سنوات والتي أهّلته للوظائف الماهرة كميكانيكي ومشغل مخرطة. وقد انضم لولا إلى نقابة عمال المعادن وأظهر على الفور موهبة التنظيم والتفاوض مع أصحاب المصانع.


وأعيد انتخابه في عام 1972 لمنصب محلي قبل أن يصبح رئيسا لمنظمة نقابية تضم أكثر من 100 ألف عامل.


يذكر أن لولا لم يتعلم القراءة حتى سن العاشرة وترك المدرسة بعد الصف الخامس ليعمل بدوام كامل. ثم انخرط في السياسة لأنه كان غير راضٍ عن نقص التمثيل السياسي للطبقة العاملة تحت الدكتاتورية العسكرية للجنرال أومبرتو كاستيلو برانكو.