سجل الجنيه المصري أدنى مستوى في تاريخه، الجمعة 27 أكتوبر الجاري، بعد الإعلان عن موافقة صندوق النقد الدولي على قرض جديد لمصر بمقدار 3 مليارات دولار، وهو ما أثار موجة من القلق الواسع بخصوص الأوضاع الاقتصادية عمومًا وموجات الغلاء المصاحبة لهذا القرض.

 

ولامس الدولار 23 جنيهًا مصريًا بعد رفع البنك المركزي سعر الفائدة 200 نقطة أساس، وارتفع الدولار الأمريكي بنحو 43% منذ مارس الماضي مقابل الجنيه، فور اندلاع الأزمة الروسية - الأوكرانية وفرار المستثمرين الأجانب من أدوات الدين بالأسواق الناشئة، ومن ضمنها مصر، وفي ذلك الوقت كان الدولار يعادل نحو 15.5 جنيه.

 

طلبات الصندوق أوامر

 

في أواخر عام 2016 حصلت مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وبدأت الحكومة المصرية بتنفيذ برنامج الصندوق على 3 سنوات.

 

وبدأت مصر سريعًا في تنفيذ العديد من الإجراءات الصادمة، ومنها خفض دعم الطاقة تحديد ضريبة القيمة المضافة، وتحرير سعر صرف الجنيه المصري وتركه للعرض والطلب، ورفع سعر الفائدة بنسبة 3%، وفقًا لـ"عربي بوست".

 

بالإضافة إلى حزمة أخرى من القرارات ذاق المصريون مرارتها، من تخفيض قيمة الدعم على المشتقات البترولية التي تشمل وقود السيارات والمنازل. وكذلك رفع سعر تذكرة مترو الأنفاق والمواصلات العامة، وتخفيض الدعم على الكهرباء سواء للأغراض المنزلية أو الصناعية.

 

وتمثلت صدامية هذه السياسات، في فقدان معظم المصريين قيمة مدخراتهم وانخفاض قيمة الدخل الأساسي إلى مستويات متدنية، ولا يمكن للأرقام والإحصاءات وحدها أن تصور كارثية تبني سياسات صندوق النقد الدولي على الأوضاع المعيشية للمصريين.

 

وأدى ما كان يدعى بالإصلاحات الاقتصادية إلى ارتفاع معدلات التضخم خلال الشهور التي تلت قرار تعويم حتى وصلت إلى نحو 35%، وبعد أن كان قيمة الدولار 8.86 جنيه قبل التعويم، وهوى بعدها بشكل متسارع إلى 18.89 جنيه.

 

صعوبة الأجواء المصاحبة لقرض أكتوبر 2022

 

ومقارنة بين قرضي 2016، و2022، نجد أن الظروف المواتية لكليهما مختلفة تمامًا، من حيث حزمة التمويل المتفق عليها، وقيمة القرض، والظروف الدولية المصاحبة.

 

ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي نائب رئيس تحرير الأهرام، ممدوح الولي، فإن "الظروف الدولية الحالية أسوأ من سابقتها عام 2016، وهو ما يعني صعوبة الاستفادة منها كما حدث في السابق، يقول "ومع قلة قيمة القرض الجديد من الصندوق والحزمة المصاحبة له عن حجم التمويلية الحالية التي تصل ما بين 40 و45 مليار دولار، يظل السؤال حول إمكانية تكرار الأساليب التي لجأت إليها مصر، مع اتفاق عام 2016 مع الصندوق لزيادة الحصيلة من العملات الأجنبية لسد الفجوة الدولارية، وتشير الإجابة إلى أن الظروف الدولية الحالية توضح صعوبة الاستفادة من الأساليب التي تم اللجوء إليها مسبقًا".

 

وفنّد الولي في مقاله " أجواء دولية مختلفة مصاحبة للقرض المصري الجديد من الصندوق" بموقع "عربي 21"، اختلاف هذه الأجواء ببعض الأمثلة الحية من الحياة الاقتصادية في مصر، "ففي عام 2016 كان رقم مؤشر الغذاء العالمي الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة 92 نقطة، والذي يعبر عن أسعار الحبوب وزيوت الطعام واللحوم ومنتجات الألبان والسكر، بينما وصل ذلك المؤشر في سبتمبر الماضي إلى 136 نقطة بنمو 48%.

 

وأضاف الولي أن مصر "تستورد حوالي 60% من الغذاء مع تدني نسبة الاكتفاء الذاتي من الحبوب وزيت الطعام، حيث زاد السعر ما بين عام 2016 وحتى سبتمبر الماضي، من 159 دولارًا لطن الذرة إلى 439 دولارًا، ولطن القمح الصلد من 167 دولارًا إلى 418 دولارًا، ولطن زيت الصويا من 736 دولارًا إلى 1548 دولارًا. كما كان سعر برميل خام برنت عام 2016 نحو 44 دولارًا بينما يدور حاليًا فوق التسعين دولارًا، وتستورد مصر ثلث استهلاكها من النفط.

 

ويؤكد الخبير الاقتصادي أن هذه الاختلافات الكبيرة ستؤثر سلبًا في الحياة الاقتصادية ويستدل على ذلك بما أشار إليه صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين عالميا من 4.7% بالعام الماضي إلى 8.8% بالعام الحالي، وهو ما يعني توقع زيادة قيمة الواردات المصرية، والتي ضغط الصندوق على الإدارة المصرية للتخلص تدريجيًا حتى نهاية العام، من القيود التي فرضتها عليها في فبراير الماضي".

 

50% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر العالمي

 

وتشير بعض التقارير الدولية إلى أن الطبقة المتوسطة في مصر تأثرت سلبًا بمثل هذه القروض من صندوق النقد الدولي ومن المؤسسات الدولية الأخرى.

 

ففي تقرير للبنك الدولي، أشار إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة المصرية منذ 2016 أثرت سلبًا على الطبقة المتوسطة، وأدت إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 32.5% بعد أن كانت 27.7%، وأن هناك تفاوتات جغرافية كبيرة في معدلات الفقر جعلتها تصل في بعض المحافظات إلى نسبة 60%.

 

وكان البنك الدولي قد أصدر بيانًا في شهر مايو 2019، يتناول فيه برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتم بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي منذ 2016، وقال إن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر.

 

وفي دراسة للدكتورة، هند مرسي، بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة بني سويف، ذكرت أن توزيع الدخل الحقيقي في مصر يظهر أن أكثر من 50% من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر العالمي الذي يعادل ما يقرب من 31 جنيهًا يوميًا للفرد، وبحسب "عربي بوست".

 

وتشير الدراسة إلى أن ارتفاع خط الفقر القومي في مصر يعود إلى تدهور قيمة الجنيه بسبب السياسات الحكومية منذ 2014، التي أدت إلى تدهور مستويات المعيشة، وتحول فئات من الطبقة الوسطى المصرية إلى فقراء، بارتفاع قيمة خط الفقر.

 

وتعلل مرسي ذلك بأن انخفاض قيمة الجنيه المصري يعني عمليًا انخفاض القوة الشرائية للجنيه في مقابل السلع المختلفة محليًا وخارجيًا، ما يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، واتساع نطاق الفئات والطبقات المهمشة وزيادة فرص عدم المساواة الاجتماعية.