سادت حالة من الغضب الشديد بين المواطنين، بعد انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، اليوم الخميس، بنسبة 16%، وأكدوا أن صرف أموال القروض في مشروعات البنية التحتية مثل الكباري وبناء المدن الجديدة هو الذي أدى بالاقتصاد المصري إلى هذا الوضع الخطير.

 

وأشار مجموعة من خبراء الاقتصاد إلى تخوفهم من وقوع ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات بالأسواق المصرية، مما سيكون له أبلغ الأثر على حياة المواطنين وخاصة الفئات الأكثر فقرًا.

 

انخفاض الجنيه أمام الدولار سيصل إلى 43%

"تحرير سعر الصرف لم يكن أمراً غريباً بل كان متوقعاً منذ شهور في ظل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض"، هكذا تحدث الخبير الاقتصادي ونائب رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية، ممدوح الولي.

وقال الولي إن تخفيض الحكومة لسعر صرف الجنيه في شهر مارس الماضي بنسبة 16٪ لم يقنع الصندوق، وظل يطالب بالمزيد من خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ليحدث الانخفاض الذي شهدناه اليوم بنسبة حوالي 14٪"، مؤكدًا أن هذا الانخفاض ليس أمرًا نهائيًا؛ لأنه في عام 2016، عندما تم تعويم الجنيه، لم يكن السعر في اليوم الأول معبرًا عن سعر الصرف الحقيقي، فقد تغير في الأيام التالية. وبالتالي نحن أمام انخفاض في العام الحالي للجنيه أمام الدولار بنسبة 43٪".

وعن تأثير هذا الانخفاض على الاقتصاد المصري، أكد الولي – في حوار له مع "BBC" أن تأثيره سيكون كبيرًا، كما ذُكر في المؤتمر الاقتصادي الذي عقد اليومين الماضيين، وعلل ذلك بأن كل المكونات الصناعية المستخدمة في كافة الصناعات المصرية التي يتم استيرادها من الخارج، وتصل نسبتها إلى أكثر من 60٪، سيرتفع ثمنها".

وقال الخبير الاقتصادي، إن ذلك "سيؤدي ذلك إلى ارتفاع التكلفة ومن ثم ارتفاع أسعار المنتجات المصرية، سواء التي تُصنّع للسوق المحلي أو للتصدير. وكذلك المنتجات الغذائية والسلع الاستهلاكية التي يتم استيرادها ستزيد أسعارها، كما سيرتفع مؤشر التضخم الصادر عن جهاز الإحصاء، رغم تحفظ الخبراء على مدى جودة وواقعية هذا المؤشر، إلا أنه ظل يرتفع إلى 34٪ في يوليو 2017 وظل مرتفعًا طوال عامي 2017 و2018 ولم يتراجع إلا في عام 2019".

وأكد الولي أن معاناة المواطن العادي ستزداد كثيرًا، خاصة وأن هناك زيادة في التضخم، الذي وصل إلى 18٪، وهي نسبة تجعل كل العوائد التي تقدمها البنوك المصرية سلبية، لأنها تزيد عن نسبة هذه الودائع، خاصة بعد ما حدث اليوم".

 

التعويم شرط لصندوق النقد

وتابع الولي أن التعويم قد حدث لأنه كان "شرطًا لصندوق النقد الدولي لمنح مصر القرض الجديد الذي طلبته، ومنذ عام 1962، عندما بدأت مصر تقترض من صندوق النقد الدولي، كان ذلك دائمًا مقترناً بخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وكان هذا جزءًا من الاتفاقات التي تمت، سواء في عهد الرئيس جمال عبد الناصر أو أنور السادات أو حسني مبارك".

وأشار إلى أن هذه السياسة "دائمًا ما ينتهجها صندوق النقد مع الدول النامية التي تطلب منه قروضًا، فهو يرى أن البنك المركزي المصري كان يتدخل في تحديد سعر صرف الجنيه بشكل إداري، وقد حدث هذا بالفعل، فكاد يكون هناك ثبات نسبي في سعر صرف الجنيه خلال العامين الماضيين حتى مارس 2022 والذي بدأ بعده الخفض التدريجي الذي حدث اليوم".

 

خفض الجنيه سيزيد معاناة الاستثمارات الأجنبية في مصر

وعن علاقة خفض الجنيه بعودة الاستثمارات الأجنبية في مصر، أكد الولي أن هذا الكلام "قيل من باب الدعاية الرسمية لتعويم الجنيه، وهذا ما يقال في كل مرة. فهو نفس ما قيل عام 2016 أثناء خفض قيمة الجنيه، وستقل الواردات فتزيد الصناعات المحلية ومن ثم تزيد معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر".

واستدل الولي على صحة كلامه بأن "المتابعة الدقيقة للأرقام المعلنة من البنك المركزي المصري منذ عام 2016 حتى الآن لم تثبت ذلك على المستوى العلمي، فإن كانت هناك زيادة في الصادرات، فقد حدثت زيادة أكبر في الواردات، وبالتالي زادت نسبة العجز التجاري المصري عما كانت عليه عام 2016".

 

زيادة كبيرة في أسعار السلع المستوردة والمحلية

قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري، كريم العمدة إن انخفاض الجنيه أمام الدولار لا يعني أن الدولار سيستمر في الارتفاع دون توقف، ولكن أسعار الصرف ستظل متذبذبة ارتفاعًا وصعودًا حتى الأحد المقبل، وقد يشهد الجنيه استقرارًا نسبيًا أمام الجنيه وتتحدد قيمته العادلة التي ستستمر وتتغير بشكل طفيف وفقًا للعرض والطلب بعد ذلك، وفقًا لـ"سكاي نيوز".

واستطرد قائلاً: إن قرار رفع أسعار الفائدة بالقطع سيؤدي لزيادة كبيرة في أسعار السلع وخاصة المستوردة، وحتى السلع المحلية سترتفع أسعارها نظرًا لزيادة التكاليف، وهو ما يحتاج رقابة كبيرة من السلطات لضبط الأسواق ومنع المبالغة في الأسعار.

 

ارتفاع السلع والخدمات بنسبة 25%

وتوقّع الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب ارتفاع أسعار السلع والخدمات في مصر بنسبة 25% بشكل فوري، إثر قرارات البنك المصري اليوم وتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.

وأضاف أن الأثر يتعلق بالإجراءات المصاحبة لقرار التعويم، فإذا كانت هناك رقابة حقيقية على الأسواق وإعادة معدلات الاستيراد إلى طبيعتها، فربما لا تكون التأثيرات كبيرة أو قاسية، وفقًا للقاء معه عبر "الجزيرة مباشر".

وأكد أن هبوط الجنيه بهذا الشكل غير المسبوق كان متوقعًا، وأن كل من يتابع أداء الاقتصاد المصري منذ بداية العام الجاري يلاحظ وجود مشكلة في توفير العملات الحرة، مع رغبة الحكومة في الحفاظ على مستوى من الاحتياطي النقدي يؤمّن الواردات أكثر من 3 أشهر.

وأوضح أن هذا التعويم جاء نتيجة لضغوط صندوق النقد الدولي، متمنيًا ألا يصل الانخفاض في العملة المصرية إلى نسبة كبيرة كما حدث عام 2016.

الجدير بالذكر أن العديد من الدراسات تؤكد أن التعويم الثالث قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية إضافية وهي ضغوط سوف تتعلق في الغالب بالسلع المستوردة الأكثر ضرورية، وكذلك السلع محلية الصنع؛ وإذا كان أثر التضخم الذي حدث في الأشهر الماضية ارتبط بالطبقة الوسطى والغنية بشكل أكبر، فإن التضخم الناتج عن التعويم الثالث للجنيه المصري سوف يمس في الأغلب السلع والخدمات الضرورية للمواطن البسيط، مثل إيجارات المنازل، وغيرها.