يبدو أن الخيام المهترئة ستسقط على ساكنيها من اللاجئين السوريين فمع كل منخفض جوي يضرب المنطقة، يتصاعد الخوف من دخول فصل الشتاء الشديد بعد أسابيع ولاسيما مع تفشي مرض الكوليرا، فيما تحول الأمطار مناطق المخيمات إلى برك طينية ومستنقعات في ظل وضع معيشي يفتقد للبنية التحتية الأساسية من طرق ومياه وشبكات صرف صحي.

ومع كل عاصفة سواء قوية أو خفيفة لا تعود الخيام صالحة، مما يضطر النازحين إلى اللجوء إلى المساجد والمدارس، كل هذا العذاب، بجانب ندرة مادة الفحم التي توزعها بعض المنظمات على النازحين مرة واحدة في فصل الشتاء، حيث أن الكيس الواحد (25 كليوجرامًا) لا يصمد أكثر من يومين.

ويعيش أكثر من 1.5 مليون مدني هجّرهم النظام السوري وحليفه الروسي في مخيمات على الشريط الحدودي بريفي إدلب وحلب، وتفتقد المخيمات البنية التحتية الأساسية من طرقات ومياه وشبكات صرف صحي، وتتكرر مأساة النازحين فيها كل فصل شتاء.

 

واقعا مُرّا يؤرق النازحين السوريين

وليلة الجمعة الماضية تضررت مخيمات النازحين جراء عاصفة مطرية ضربت محافظة إدلب، فأدت إلى سقوط وتمزق عشرات من الخيام في مخيمات شمال غربي سوريا، وفقدَ نازحون خيامهم فما غمرت المياه باقي الخيام الأخرى وأفسدت أمتعتهم، وتحولت المخيمات إلى بِرك مياه.

ورغم أن تلك العاصفة تعتبر “غير شديدة” مقارنة بعواصف فصل الشتاء، ومع ذلك فقد تسببت في غرق ما يقارب 9 مخيمات من أصل 1630 مخيمًا للنازحين، فيما أن 60 خيمة تضررت بشكل كامل من دون أي استجابة سريعة من قبل منظمات الإغاثة.

ويسوء الوضع الإنساني بشكل كبير في مخيمات سوريا مع كل عاصفة مطرية، إذ لا يملك النازحون ثمن التدفئة داخل خيام لا تقيهم البرد الشديد أو مياه الأمطار المتسربة، ولا يملكون سوى التعايش مع أوضاع شديدة الصعوبة.

وفي نهاية ديسمبر الماضي، أطلقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان نداءات استغاثة عاجلة لمساعدة نحو 3 آلاف و640 عائلة تضررت خيامها بسبب العواصف الممطرة في شمال غربي سوريا، وناشدت الدول والمنظمات العربية والدولية الإسراع في تقديم المساعدة.

 

تفشي الكوليرا بين اللاجئين السوريين

لم يعد وصول مرض "الكوليرا" إلى مخيمات سوريا "أمرا متوقعا" بل بات "حقيقة"، وفق أطباء وعاملين في المجال الإنساني، بعد تسجيل 3 إصابات في منطقة كفرلوسين بريف محافظة إدلب، فيما يتم إجراء اختبارات لعشرات الحالات المشتبه بها.

ورغم أن فاشية المرض باتت موجودة في معظم المناطق والمحافظات السورية، وخاصة في شرق البلاد، إلا أن تسللها للمخيمات قد يسفر عن "وضع كارثي"، لاعتبارات تتعلق بهشاشة القطاع الطبي فيها من جهة، ولفقدانها البنى التحتية من مصادر مياه آمنة وشبكات صرف صحي، من جهة أخرى.

ووفق بيان نشره فريق "منسقو الاستجابة في الشمال السوري" أعلن أن "مخيمات الشمال السوري دخلت مرحلة الخطر، بشكل كبير، بعد تسجيل الإصابات".

وحذر مدير الفريق الإنساني، محمد حلّاج من توسعها بشكل كبير، و"عدم القدرة على السيطرة على الانتشار"، بسبب "ضعف الإمكانيات اللازمة لمواجهة المرض"، مشيرا إلى أنهم أطلقوا سابقا نداء لتمويل عاجل للمخيمات في قطاع المياه والإصحاح، وذلك لاحتواء الكوليرا قبل تحول المخيمات إلى "بؤرة انتشار للمرض".

وتشير إحصائيات "برنامج الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة" إلى أن عداد الإصابات في شمال وشرق سوريا تخطى حاجز الـ4000 إصابة في الأيام الماضية، بينما بلغ عدد الوفيات 18، في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" الكردية.

ويقول الطبيب محمد سالم، وهو رئيس برنامج "الإنذار المبكر إن تضاعف الحالات "أمر خطير"، وإن "الكوليرا بات أمرا واقعا في شمال غرب سوريا، ولم يعد متوقعا".

وتحدث الطبيب السوري فيما يتعلق بمخيمات النازحين أن "هناك هشاشة في القطاع الصحي وضعف إمكانيات في البنى التحتية. المخيمات تفتقد لشبكات الصرف الصحي ومصادر المياه الآمنة، وفي محيطها مدن أنشئت دون دراسات هندسية".

ويظهر "الكوليرا" عادة في مناطق سكنية تعاني شحا في مياه الشرب، أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي. وغالبا ما يكون سببه تناول أطعمة أو مياه ملوثة، ويؤدي إلى الإصابة بإسهال وتقيؤ.

 

أطفال سوريا يستغيثون "أعنا يا الله"

يواصل الأطفال النازحون في الشمال السوري مساعدة أسرهم في ترميم خيامهم البالية بكل السبل المتاحة بعدما بدأت العواصف تضرب فبعدما حُرموا أمانهم وهُجّروا من أراضيهم وديارهم.، وبدلًا من قضاء نهارهم في المدرسة كسائر أطفال العالم، يقضي هؤلاء الصغار بالمخيمات معظم يومهم في جمع الحطب من الجبال لأجل الطبخ والتدفئة.

ووسط الأمطار والبرد في المخيمات ناشدوا الأطفال السوريين المنظمات المعنية وفاعلي الخير  تقديم المساعدات الإنسانية لهم في ظل أوضاعهم المأساوية والأحوال الجوية السيئة التي بدأت تخيّم عليهمـ وصرخوا قائلين  “إحنا جوعانين، ذابحنا الوحل، أين أهل المروءة والنخوة؟ شوادر ما في” ووسط تلك الاستغاثات لم يعد لهم سوى قولهم "أعنا يا الله".