يبدو أن هناك أزمة ثقة كبيرة بين حكومة الانقلاب وبين المواطن المصري، فالحكومة على مدى السنوات التسع السابقة منذ 2014 وهي تباغت المصريين بقرارات، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

ومن هذه الأزمات زيادة الأسعار على رغيف الخبز، والحصول على قروض خارجية جديدة، والمفاوضات الجارية حتى اليوم بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، وارتفاع أسعار البنزين والإسمنت ومواد البناء، وغيرها العشرات من القرارات التي يصبح المصريون ويمسون عليها.

وكان آخر هذه القرارات هو السماح للعاملين في الخارج باستيراد سيارة معفاة من الضرائب؛ وإذا كان القرار ظاهريًا جميلًا ويظنه الشخص لأول وهلة أنه يصب في مصلحة المصريين المغتربين، إلا أن الحقيقة – عندما تطالع التفاصيل – غير ذلك تمامًا.

الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام كشف لنا في مقاله " سيارات بلا جمارك للمصريين المغتربين... كيف؟" بموقع العربي الجديد تفاصيل هذه الخدعة التي تبدو رائعة في ظاهرها، لكنها في الحقيقة تخفي الكثير من الخدع والاحتيال في باطنها.

وإلى نص المقال:

يبدو أن هناك أزمة ثقة بين الحكومة المصرية والمواطن تراكمت على مدى سنوات، فالمواطن بات يفقد الثقة في الحكومة ويشكك في قراراتها، والحكومة أصبحت تباغت المواطن بقرارات تعلن عنها فجأة وأحيانا في جنح الليل رغم نفيها قبل صدورها بساعات قليلة من قبل الجهات المسؤولة.

 

قرارات تحمل أزمة ثقة

حدث ذلك في قرارات كثيرة منها زيادات الضرائب والرسوم الحكومية ورفع أسعار الكهرباء والمياه والبنزين والسولار والغاز والمواصلات والسلع التموينية وغيرها من السلع والخدمات الضرورية، وهو ما أدى إلى حدوث غلاء فاحش.

ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومة، ومعها وسائل الإعلام، تنفي ليل نهار حدوث زيادات في الأسعار، كان القرار الحكومي جاهزا في الأدراج ينتظر ساعة الصفر.

وعندما كانت الحكومة تنفي وبشدة خبر زيادة الأسعار وتوعز لجهات مسؤولة في الدولة بإصدار نفي قاطع بذلك، كان المصريون يتوقعون صدور قرار الزيادة بين لحظة وأخرى، لدرجة أنهم تندروا على تلك اللحظات وأطلقوا عليها عبارة "اقترب موعد الصب في المصلحة"، في إشارة إلى قرب رفع الحكومة أسعار السلع الجماهيرية.

وعندما كانت الحكومة تنفي الحصول على قروض خارجية جديدة، كان المواطن يدرك أنها أنهت المفاوضات بالفعل مع الدائنين وحددت موعد طرح سندات دولية تستهدف اقتراض عدة مليارات من الدولارات.

وعندما كانت الحكومة تنفي بشدة الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتنفي بشكل قاطع قرب تعويم الجنيه، وتعتبر أن من يسرب هذه المعلومات أو يرددها هو خائن لبلده ويستهدف الاقتصاد المصري، كان المواطن يدرك أن الحكومة اتفقت على ملامح القرض والتعويم وشروطه مع الصندوق، وأن النفي هو مجرد تمهيد للكشف عن قرار خطير مرتقب.

وبسبب البغتة في اتخاذ القرارات الحكومية والإصرار على النفي من قبل الجهات الرسمية في الدولة تولدت أزمة عدم ثقة بين المواطن والحكومة، وأسفر ذلك عن تشكيك المواطن في أي قرار يصدر عن الحكومة حتى لو كان يراعي الصالح العام ومصلحة المواطن.

بل والتشكيك أيضا في أي رسالة تصدر عن إعلامي محسوب على السلطة وآخرها الرسالة الصادرة عن المذيع يوسف الحسيني والتي ينصح فيها أصحاب المدخرات بسرعة التخلص من الدولار بزعم تراجع احتمال سعره والتي ثبت كذبها وخداعها في وقت لاحق.

 

استيراد سيارة معفاة من الضرائب

أبرز مثال على فقدان الثقة بين الطرفين تلك الأجواء المصاحبة لقرار الحكومة السماح للعاملين في الخارج باستيراد سيارة معفاة من الضرائب.

القرار في ظاهره ممتاز، إذ إنه يعني أن الحكومة رفقت أخيرا بنحو 10 ملايين مصري مقيمين في الخارج وسمحت لهم باستيراد سيارة بدون سداد جمارك باهظة، ومعفاة من الضرائب والرسوم التي يتعيّن سدادها في الموانئ، بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة، وضريبة الجدول.

وهذا بالطبع خبر سار للمغتربين لأنه يوفر لهم آلاف الدولارات التي كانوا يدفعونها في جمارك ورسوم مبالغ فيها، وقد تزيد كثيرا عن قيمة السيارة.

ولأن المواطن يتوجس خيفة من الحكومة وهناك أزمة ثقة كما قلت، فإنه راح يبحث في تفاصيل المبادرة، وكما يقال فإن الشيطان يكمن في التفاصيل، هنا كانت التفاصيل صادمة للبعض.

فالمواطن مطالب بسداد مبلغ نقدي بالعملة الأجنبية لوزارة المالية يعادل قيمة الجمارك والرسوم ولمدة طويلة تبلغ 5 سنوات، والمغترب مستورد السيارة لن يحصل على عائد عن هذه الوديعة، والمفاجأة هي استرداد قيمة الوديعة بالجنيه بسعر الصرف وقت الاسترداد، أي بعد 5 سنوات.

 

السؤال: ما الذي يدفع المغترب للدخول في هذه التجربة رغم أنه من السهل عليه شراء سيارة من الداخل دون الدخول في تلك التعقيدات بما فيها مخاطر العملة المحلية واحتمال تراجعها أكثر من مرة خلال تلك الفترة؟

وإذا كانت الحكومة تراعي مصلحة المواطن، فلم لم تطرح سيناريو آخر هو أن يسترد المغترب قيمة الوديعة بنفس عملة السداد سواء الدولار أو اليورو، على ألا تدفع الحكومة عائدًا على الوديعة المحجوزة؟

وهنا نحن نتحدث عن حصول الحكومة على عائد يفوق 27.5% من قيمة الوديعة سيؤول للخزانة العامة، وهذا العائد قد يعادل قيمة الجمرك، إضافة إلى استفادة الحكومة من الوديعة الدولارية واستثمارها لمدة 5 سنوات.

هناك من راح يهيل التراب على المبادرة كلية ويشكك في الهدف منها، ويقول إن الحكومة لجأت إليها لأن لديها أزمة عملة حادة وندرة في النقد الأجنبي، وأن الحكومة راغبة في جمع نحو 10 مليار دولار خلال فترة وجيزة تمكنها من سداد الديون الخارجية وتغذية الاحتياطي، وهذا كلام منطقي، وبالتالي فإن على الحكومة أن تقدم تسهيلات لضمان نجاح المبادرة.

إذا كانت الحكومة جادة حقا في إنجاح مبادراتها فيجب إدخال تعديلات عليها؛ منها مثلا أن تكون المبادرة مفتوحة المدة وليست محددة بأربعة شهور فقط، وأن يتم رد قيمة الوديعة بنفس العملة الأجنبية، وأن يتم رد الوديعة بشكل أسرع في حال إلغاء عملية الاستيراد.

فانتظار عام كامل يعد فترة طويلة، وأن تقتصر عملية الاستيراد على السيارات الجديدة حتى لا يتم إغراق مصر بجبال من السيارات المستعملة والمتهالكة.

ويكفي أن المواطن لن يحصل على أسعار فائدة على الوديعة الدولارية التي سيمنحها للحكومة لمدة 5 سنوات، ولا داعي لحجة أن عائد الوديعة يقل عن الجمارك المستحقة.

فالكل يعرف أن قيمة الجمارك في مصر مبالغ فيها، وليس من المقبول سداد ضعفي ثمن السيارة في صورة ضرائب ورسوم مباشرة، وما يعادل ثمنها في صورة ضرائب ورسوم إدارية أخرى، وأحيانا سداد "شاي بالياسمين" للموظفين لتسهيل خروج السيارة من الموانئ بلا أضرار.