ربما الخروج من مقبرة العقرب إلى سجن جديد يحمل معه آمالا وأحلاما كبيرة للمعتقلين الذين كانوا ينتظرون أي بارقة أمل لطوي معاناتهم، ورؤية الشمس مرة أخرى لكن تلك الأحلام تلاشت عقب وصولهم سجن بدر، لتتحطم صفحة الأحلام والأمنيات، ويجدون عقرب جديد أشد قسوة من ذي قبل.

ووفقا للتقارير الحقوقية فإن الانتهاكات التي تمارس بحق المعتقلين في سجن بدر 3 تدحض الحملات الدعائية التي روجها نظام العسكر القمعي عن المجمع الجديد التي تزعم أن أوضاع الاحتجاز شهدت تحسنا بمجرد نقل المعتقلين إلى سجون جديدة، ويثبت أن هذا المركز لا يقدم أي جديد، بل يُدار بنفس فلسفة العقاب والثقافة المؤسساتية لدى موظفي وإدارات السجون، كما تتنافى تلك الانتهاكات مع لائحة السجون وأدنى معايير الحقوق، ويمثل جريمة تضاف إلى سلسلة الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها سلطات نظام السيسي المنقلب بحق أبناء الشعب المصري .

 

سجن بدر مقبرة أكثر سوءًا

وبحسب روايات أهالي المعتقلين الذين استطاعوا أن يتواصلوا مع أحد المعتقلين بسجن بدر، أثناء خروجه بأحد المحاكمات، فإن سجن بدر استقبل في الأيام الماضية، معتقلي سجن شديد الحراسة 1 في طرة، المعروف باسم العقرب، وبشكل سري أثناء الليل دون إخطار الأهالي، الذين علموا في وقت لاحق أن ذويهم نُقل معظمهم إلى مركز الإصلاح والتأهيل بدر.

وأضاف الأهالي إلى أن هذا المعتقل أخبرهم أيضا أن بعض المحتجزين الذين نُقلوا إلى سجن شديد الحراسة 2 في طرة، انضموا خلال الأيام الماضية إلى المحتجزين في "بدر".

وقال أهالي المعتقلين أن "الوضع استمر في نفس السوء، بل أكثر سوءًا من ذي قبل وكنا نعتقد أن الوضع تحسن عقب نقلهم لكن ظهر العكس".

وفي السياق ذاته كشف أنس البلتاجي، نجل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، محمد البلتاجي، خلال جلسة محاكمته الأخيرة عبر الفيديو  عن انتهاكات جددة في السجن، حيث اشتكى من شدة الإضاءة في الزنزانة التي يقول مسؤولو السجن إنها تضمن مراقبة أمنية على مدار الساعة، لكنها تتلف فعلياً أعصاب السجناء، وتمنعهم من النوم. 

ومع الانقلاب العسكري فتح سجن العقرب أبواب مقبرتهللزج بالشرفاء من العلماء والمخلصين لهذا البلد، داخل جدرانه الموحشة مع حرمانهم من حقوقهم التي يكفلها لهم القانون، بما فيها حق التريض، والزيارة، والسماح بدخول الأدوية والطعام والملابس وأدوات العناية الشخصية، وذلك برواية الناجين منه.

 

حقوق المعتقلين حرمان مستمر

ومن اليوم الأول أخبرت إدارة مركز الإصلاح والتأهيل في بدر بأن السياسة التي كان يتعاملون بها في العقرب لن تتغير  فلن يتم فتح الزنازين سوى للمحاكمات فقط ولا يوجد زيارة ولا استقبال طعام أو كتب  أو ملابس أو أغطية أو أدوات العناية الشخصية، كما حرمت الإدارة  إرسال واستقبال الخطابات من الأهالي والعكس، وذلك بالمخالفة للقانون.

وكانت ابنة المعتقل عبدالحميد محمد بنداري نقيب المعلمين السابق بالشرقية  كتبت عن معاناة أهالي المعتقلين في سجن بدر عبر حسابها على فيس بوك  "أنا وماما رحنا سجن بدر ، نحاول نطمن على بابا أو نعرف أي معلومة عنه وعن صحته ، وللأسف مكناش نعرف أن كل حاجة ممنوعة للسياسيين ، الزيارات ممنوعة  وتدخيل أكل ممنوع  وتدخيل ملابس ممنوع  ومعرفة أي معلومة عن وضعه الصحي ممنوع".

وتابعت "طلبنا منهم حتى معلومة بس هل عمل العملية ولا لسه؟ طب وضعه الصحي طب أي معلومة تبرد حرقة قلوبنا ، لأن بابا منقول من القناطر تعبان جدا ، حرفيا النفس ممنوع بس طبعا كل الزيارات وكل حاجة مفتوحة للجنائيين وتجار المخدرات والحرامية وقتالين القتلة بس السياسيين ممنوع تشم خبرا عنهم".

وأضافت "ماما كانت منهارة وقعدت تقول للضابط طب حتى اعتبرونا مجرمين زيهم، وأدونا ربع حقوق المجرمين والسفاحين في الاطمئنان على أهالينا ، قال لها تفضلي من هنا كلامك مش هيقدم ولا هيأخر".

وعقب بدء نقل عدد من معتقلي الرأي من سجن شديد الحراسة 1 وأبو زعبل منذ مطلع شهر يوليو الماضي ، أعرب عدد من الأهالي عن تخوفهم من فرض مزيد من العزلة حول ذويهم داخل سجن بدر ، في حين أمّل بعضهم أن يكون ذلك بداية انفراجة وفتح أبواب الزيارة لهم. 

 

استنكار حقوقي لانتهاكات سجن بدر

وتجاه هذا الوضع غير القانوي والمجحف بحق المعتقلين وذويهم ، قام الأهالي بإرسال شكاوى للمجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيسته، مشيرة خطاب، يشتكون فيها من أوضاع الاحتجاز السيئة، وطالبوا المجلس بزيارة السجن للاطلاع على أوضاع المساجين.

ومن جهتها أصدرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، بيانا أكدت فيه أن إدارة سجن بدر تتواصل في حرمان المحتجزين من حقوقهم، رغم أن السجن به بعض المزايا في حال فتح الزيارة لا تتوفر في سجون أخرى، من ناحية وجود مظلة وكافتيريا والتفاعل مع الاستعلامات من قبل الأهالي، إلا أنه لم يتم السماح لهم بأي زيارة أو تمكينهم من رؤية ذويهم حتى الآن.

وتابعت الجبهة أن بداخل سجن بدر سياسيون بارزون محتجزون داخل المركز يتعرضون لإهانات من قبل الموظفين، ما دفع أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين المحتجزين، لإعلان إضرابه عن الطعام منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.

وطالبت الجبهة في بيانها بإجلاء مصير أوضاع المحتجزين داخل مركز إصلاح وتأهيل بدر، والتوقف الفوري عن حرمانهم من حقوقهم الأساسية التي يكفلها قانون تنظيم السجون ولائحته التنفيذية كما طالبت المجلس القومي لحقوق الإنسان بالاضطلاع بدوره وتنظيم زيارة رسمية للمركز.

ونوهت المنظمة الحقوقية: لم تتغير ظروف الاحتجاز في مركز بدر عن سجن العقرب وتدهورت أوضاع الاحتجاز في مركز الإصلاح والتأهيل بدر وبالتحديد أوضاع هؤلاء الذين تم نقلهم خلال الشهور الأخيرة من سجن شديد الحراسة 1 المعروف بالعقرب.

واختتمت المنظمة بيانها قائلة: بعد سنوات من تدهور أوضاع احتجازهم داخل سجن العقرب سيئ السمعة، تستمر إدارة مركز بدر 3 في حرمانهم من حقهم في الزيارة والتواصل مع العالم الخارجي ومعاملتهم بشكل مهين داخل هذا السجن، بما يدحض الدعاية الحكومية القائمة على تحسين أوضاع الاحتجاز بمجرد نقل المحتجزين إلى سجون جديدة، ويثبت أن هذا المركز لا يقدم أي جديد وإنما يُدار بنفس الفلسفة العقابية والثقافة المؤسسية لدى موظفي وإدارات السجون.

 

سجن بدر ظاهره الإشادة وباطنه العذاب

افتُتح مركز الإصلاح والتأهيل بمدينة بدر نهاية العام الماضي، كأحد السجون التي افتخر عبد الفتاح السيسي، أمام المجتمع المدني به وفي مقطع فيديو نشرته وزارة الداخلية بعنوان «بداية جديدة»، احتفت الوزارة ببناء مجمع بدر الذي يضم ثلاثة مراكز احتجاز على مساحة 85 فدان، وأظهرت فيه لقطات من داخل غرف الاحتجاز المزودة بشاشات لعرض مباريات كرة القدم ومطاعم مُجهزة، وغُرف للموسيقى والرسم والتعليم، بالإضافة إلى مسجد وكنيسة مكيفين وملاعب لكرة القدم.

لكن الأهالي نفت هذا الاحتفاء قائلة أن سجن بدر ظاهره الإشادة وباطنه العذاب، حيث لم يجنوا منه حتى الآن سوى سوء لمعاملة معهم ومع ذويهم ، الذي يستمر حرمانهم من أغلب حقوقهم القانونية، بما فيها السماح بالزيارة، والتريض، وإدخال الأدوية للمساجين ذوي الأمراض المزمنة.