فتحت الاستقالة المفاجئة وغير المسببة لمحافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، قبل يوم واحد من انعقاد اجتماع لجنة السياسات الدوري بالبنك لتحديد سعر الفائدة، الباب أمام تفنيد حصاد سبع سنوات من تولي المنصب الأبرز في توجيه السياسات النقدية للبلاد.

وقبل قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، الأربعاء الماضي، استقالة عامر، وأصدر قرارًا بتعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية، وقدم الشكر له على ما بذله من مجهود خلال فترة توليه مسؤولية البنك المركزي، بعدما قبل اعتذاره عن عدم الاستمرار في منصبه.

وكان السيسي قد عين عامر محافظا للبنك المركزي في نوفمبر 2015، قبل أن يصدر قرارا بالتجديد له لفترة ثانية في 2019 وحتى 2023، ولكنها لم تكتمل.

ويأتي قبول طلب الاستقالة بعد أيام من نفي المركزي، أنباء تقديم عامر طلب الاستقالة، وأكد حينها أن المحافظ مستمر في موقعه حتى نهاية مدته أواخر العام المقبل.

في اليوم التالي، أصدر السيسي قرارًا بتعيين حسن عبد الله قائمًا بأعمال محافظ البنك المركزي، خلفا لطارق عامر.

تنص المادة 216 من الدستور على آلية تعيين رؤساء الهيئات المستقلة، مثل محافظ البنك المركزي، وتتطلب قرارًا من رئيس الجمهورية بالتعيين لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة بعد موافقة البرلمان بأغلبية أعضائه.

من هو طارق عامر؟

هو نجل شقيق المشير عبد الحكيم عامر وزير الدفاع المصري الأسبق في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ونجل المهندس حسن عامر رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك السابق، وزوجته الثانية هي داليا خورشيد، وزيرة الاستثمار السابقة المقربة من جهاز المخابرات.

شغل منصب نائب محافظ البنك المركزي منذ 2003 وحتى 2008، تولى رئاسة مجلس البنك الأهلي المصري، أكبر البنوك المصرية، في الفترة ما بين عامي 2008 و2013، ثم تولى منصب محافظ البنك المركزي في نوفمبر 2015، وتم التجديد له للمرة الثانية في 2019 لولاية تستمر أربع سنوات وتنتهي في 2023.

تعويم الجنيه

اتسمت فترة توليه منصبه خلال السنوات السبع الماضية باتخاذ العديد من القرارات التاريخية التي انتهت بتحقيق أرقام سلبية غير مسبوقة في الاقتصاد الذي بات يرزح تحت وطأة أزمة مالية طاحنة توشك على إحداث انفجار في البلاد، وفق خبراء ومحللي اقتصاد.

تسببت تصريحاته المتناقضة والمتضاربة في إحداث بلبلة في السوق، وهز ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، وكان قد وعد عقب توليه منصبه بأن يكون الدولار بأربعة جنيهات فقط خلال فترة توليه منصبه، في وعد لم يكن له أساس من الصحة.

وأخذ عامر على عاتقه قرار تعويم العملة المحلية استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي ودعم من القيادة السياسية؛ من أجل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات بدعم إصلاح الخلل في الاقتصاد وتصويب أخطاء الماضي.

وهبط الجنيه المصري من مستوى 7.80 جنيه إلى أكثر من 19 جنيها في أعقاب تحرير سعر الصرف بأيام قليلة ما أحدث صدمة عنيفة في الأسواق، وخسر المصريون أكثر من 60% من مدخراتهم ما بين ليلة وضحاها وكبدهم خسائر كبيرة.

 

لا يتحمل عامر وحده مسوؤلية تعويم الجنيه، بحسب الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، لأنه قرار سيادي جاء بموافقة القيادة السياسية للبلاد والمجموعة الاقتصادية بالحكومة المصرية استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي لتقديم حزمة من المساعدات المالية للبلاد.

وأوضح الولي أن "الشيء الذي يؤخذ على عامر هو اتباعه سياسة التعويم المدار والعودة إلى دعم ومساندة الجنيه مجددًا حتى يرتفع أمام الدولار وهو ما حدث لاحقا وبلغ 15.6 جنيه للدولار، ولكنه كان صعودًا وهميًا وهشًا سرعان ما خسره بعد تعرضه لهزة اقتصادية قوية نتيجة أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وهوى إلى 19.19 جنيه"، وفقًا لـ"عربي21".

تضخم مرتفع وفقراء أكثر

قفز التضخم من نحو 7.4% إبان توليه منصبه إلى نحو 35% بعد قرار التعويم، وشهدت أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية والمواد الغذائية إلى جانب مواد البناء والعقارات والذهب وتكاليف المعيشة والنقل والمواصلات قفزات متتالية أثقلت كاهل جميع المصريين، ورفعت نسبة الفقر إلى 29.7% أي أكثر من 30 مليون فقير.

وقفزت الأسعار منذ ذلك الوقت ما بين 300% و500%، وعاود التضخم ارتفاعه مجددًا نتيجة أزمة الأسعار العالمية من جهة، وتهاوي الجنيه مجددا في مارس الماضي بنحو 22%.