"أصبحت التجارة على الإنترنت تعتمد بشكل شبه حصري على المؤسسات المالية التي تعمل كجهات خارجية موثوقة لمعالجة المدفوعات الإلكترونية. وفي حين أن النظام يعمل بشكل جيد بما يكفي لمعظم المعاملات فإنه لا يزال يعاني من نقاط الضعف المتأصلة في نموذج يستند إلى الثقة".
 
كانت تلك المقدمة هي البداية التي رسم بها مؤسس نظام البيتكوين وعملته الرقمية ساتوشي ناكاموتو (اسم مستعار) ملامح نظامه المالي الجديد، بعدما اهتزت ثقته في النظام التقليدي عقب الأزمة الكبرى التي ضربت الاقتصاد العالمي عام 2008.
 
في "الورقة البيضاء" التي تعد بمثابة دستور العملات الرقمية، يقول ناكاموتو "ما هو مطلوب هو نظام إلكتروني مستند إلى دليل تشفير بدلا من الثقة، مما يسمح لأي طرفين راغبين بالتعامل مباشرة مع بعضهما البعض دون الحاجة إلى طرف ثالث موثوق به".
 
وظهرت العملات الرقمية للنور في 2009، ومنذ ذلك الحين كان حضورها الاقتصادي واضحا، لكن بعيدا عن مدى تحقق مشروع ناكاموتو كاملا من عدمه، يبقى السؤال الجدلي المحير:


 
هل ستغير العملات الرقمية مستقبل الاقتصاد العالمي؟   
 
يجادل كثيرون بأن العملات الرقمية ستؤثر سلبا خاصة على الاقتصاديات النامية، لسبب رئيسي: أنها تلغي الحاجة للوسطاء (مثل البنوك).

ويستند هؤلاء إلى حداثة هذا النظام التكنولوجي وانعدام ثقة جزء كبير من المستخدمين فيه.
 
كما يشيرون إلى التقلب الشديد في سوق العملات الرقمية، ويبرزون خسائرها الفادحة كما حدث في الأشهر القليلة الماضية.

ويجادلون أيضا بعدم وجود سلطة تنظيمية تستطيع ضبط هذه التقلبات أو إدارتها لحماية الاستثمارات.
 
وكذلك يركزون بشدة على مخاطر القرصنة وإخفاء الهوية في التعاملات الخاصة بالعملات الرقمية.

لكن لا يضع الرأي المقابل تلك المخاوف في الاعتبار بصورة كبيرة، ويرى أصحابه أن العملات الرقمية هي بالفعل مستقبل الاقتصاد العالمي.
 
أظهرت كريستين موي المدير العام لبنك جي بي مورجان الأمريكي في مقال لها بالموقع الرسمي للمنتدى الاقتصادي العالمي نقدا واضحا لمن يقول بسلبيات العملات الرقمية.
 
وصرحت "يقود الاقتصاد المشفر إلى تطوير أسس مالية وتكنولوجية بديلة وعالمية ومفتوحة المصدر ومتاحة لجميع من يمكنهم الوصول إلى الإنترنت، بغض النظر عن الجنسية أو العرق أو الطبقة الاجتماعية والاقتصادية، لكن عادة ما تحيط التخمينات والتحذيرات بهذه الأصول الجديدة، ويتم الإشارة لاستخداماتها في الجريمة الإلكترونية والشبكة المظلمة، إلى جانب الحديث عن الآثار السلبية للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية لعملية التعدين".
 
وتضيف "ربما لا يتم تسليط الضوء بما يكفي حول كيف أن هذا المركز الجديد للتجارب المالية العالمية المفتوحة في اقتصاد العملة المشفرة يؤدي إلى تقنيات ملموسة وقابلة للبرمجة تركز على مخازن القيمة (للعملات والسلع وغيرها) والإقراض والمدفوعات الصغيرة من نظير إلى نظير".
 
وتوضح موي "اليوم تُختبر هذه التقنيات الآلية عبر ملايين الأشخاص بمليارات الدولارات، ويمكن أن تتطور لتؤدي إلى شمول مالي عالمي أوسع لمليارات الأشخاص الذين لا يتعاملون مع البنوك أو الذين يتعاملون معها عبر معاملات بسيطة".
 
وردا على "التخمينات غير الواقعية" بحسبها، قالت إن "النشاط غير المشروع في العملات المشفرة في الفترة من 2017 إلى 2020 يقل عن 1%، مقابل من 2 إلى 4% في عام 2020 في الاقتصاد ككل".


 
كيف تؤثر العملات الرقمية على النظام المالي التقليدي؟

في منتصف فبراير/ شباط 2022 أصدر مجلس الاستقرار المالي (FSB) وهو هيئة رقابة مالية دولية تراقب الأنشطة المالية في 24 دولة، تحذيرا بشأن التهديد المحتمل الذي تشكله أسواق العملات الرقمية على الاقتصاد العالمي.
 
وقال FSB في تقرير رسمي "تتطور أسواق الأصول المشفرة بسرعة ويمكن أن تصل لتهديد الاستقرار المالي العالمي بسبب حجمها ونقاط ضعفها الهيكلية وترابطها المتزايد مع النظام المالي التقليدي".
 
وعلقت بورصة ناسداك الأمريكية عبر موقعها الرسمي على هذا التقرير بالقول "يأتي قلق FSB بسبب زيادة عدد البنوك والمؤسسات المالية الراغبة في القيام بأنشطة تتعلق بالأصول المشفرة".
 
ثم قللت ناسداك من شأن تلك التحذيرات بالقول "بالنظر للمسار الحالي للأصول المشفرة، فإنها تتبع نمطا مماثلا لسوق الأسهم".
 
وأضافت "لماذا لا يتم التركيز على انخفاض قيمة العملة التقليدية التي يجنيها ويتعامل بها الناس حول العالم، التي بالتبعية تضعف قيمة الرواتب وقيمة المدخرات أيضا".
 
وبيّنت "إذا سبق لك تجميد حسابك المصرفي أو حساب باي بال دون سابق إنذار، فستعرف أن أموالك ليست ملكك. ستغير العملات المشفرة كل ذلك، لتضمن السيطرة على أموالك بنفسك" ولهذا السبب يتم الهجوم عليها بحسب ناسداك.
 
وأضافت "في اقتصاد العملة المشفرة، لا يوجد أوصياء يتحكمون في العملة أو السوق ويتلاعبون بها. لا يوجد وسطاء يحققون أرباحًا ضخمة من كل معاملة. لا يوجد إشراف مركزي. السوق مدفوعة بكود التشفير، والقواعد ثابتة. كل معاملة يمكن تتبعها، ولا يوجد مركز نفوذ. بدلا من ذلك، يحفز النظام الجديد الناس على التعاون".
 
قال رائد الأعمال الأمريكي الشهير جاري فاينرتشاك في مقابلة مع شبكة CNBC "لا أعتقد أن ساحة العملات المشفرة تشهد أي مشاكل أكثر من الإنترنت أو المجتمع ككل أو وسائل الإعلام أو حتى بورصة وول ستريت".