رصدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، تواصل الانتهاكات بحق المعتقلين السياسيين داخل سجن القناطر للرجال، منذ لحظة وصول المعتقل إلى السجن، مرورًا بتسكينه فيما يسمى بـ"الإيراد"، وصولًا إلى تسكينه داخل إحدى غرف السجن ذات الكثافة العددية العالية.

ووثقت الشبكة الحقوقية أبرز الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء السياسيون، ومنها "استقباله المعتقل السياسي بسيل من الإهانات، مع مصادرة جميع أغراضه الشخصية من ملابس، وأغطية، وأدوية، وغيرها، بل يتعدى الأمر ذلك إلى تمزيق أفراد الأمن ملابس وأغطية السجين أمامه، إمعانا في إذلاله، ومحاولة لكسر إرادته".

وتابعت التقرير الحقوقي: "بعد المصادرة والإهانات، ينتقل المعتقل إلى المرحلة التالية، فيجري إيداعه عنبر الإيراد، تمهيدا لتسكينه الدائم في إحدى الغرف، وتعد هذه الفترة من أقسى الأوقات للمعتقل، حيث يظل قابعًا في غرفه قذرة تخرج منها الروائح الكريهة، في ظل تكدس شديد، بلا ملابس شخصية، ولا أغطية، محرومًا من أدنى حقوقه، ويستمر هذا الوضع لمدة تزيد عن الشهر، قبل مرحلة التسكين الإجباري في غرف السجن، والتي تزداد معها معاناة المعتقل أضعافًا".

كما رصدت الشبكة الحقوقية "التعنت الشديد مع أهالي المعتقلين، ومعاملتهم بقسوة، ومنع دخول الكثير من الاحتياجات الضرورية إلى المعتقل، من مأكولات، وملابس، وأدوية، بالإضافة إلى اختصار مدة الزيارات إلى دقائق معدودة، مع استمرار وجود الحاجز السلكي بين المعتقل وأسرته أثناء الزيارة، والذي جرى وضعه أثناء جائحة كورونا، وأزيل من معظم السجون المصرية".

وأكدت التقرير وجود العشرات من المعتقلين السياسيين الممنوعة عنهم الزيارات منذ سنوات من دون أي سند من القانون، وبأوامر مباشرة من الأمن الوطني، فضلا عن استمرار حملات الترهيب وكسر الإرادة، والتي تشمل استعمال التهديد المتواصل للمعتقلين، وإيداع من يطالب بأبسط حقوقه أو حقوق زملائه المعتقلين غرف التأديب، وهي أسوأ زنازين السجن على الإطلاق.

وقالت الشبكة الحقوقية إن "حملات التنكيل لا تقتصر على شرائح معينة، بل تشمل الجميع، ولاسيما المرضى وكبار السن، والذين يحرمون من حقوقهم في دخول الأدوية، أو الكشف الدوري، والاستجابة السريعة لطلباتهم العلاجية، أو إجراء العمليات الجراحية الضرورية".

واعتبرت أن ما يحدث بسجن القناطر للرجال "نموذج صارخ للانتهاكات بالسجون وأماكن الاحتجاز المصرية، ونطالب النيابة العامة، ومسؤولي مصلحة السجون، والجهات الرقابية بالقيام بمسؤولياتهم، وفتح تحقيق عاجل عن أحوال نزلاء سجن القناطر للرجال، وغيره من أماكن الاحتجاز المشابهة، وكف يد البطش عن المعتقلين، وإيقاف الانتهاكات المروعة التي يتعرضون لها".

افتقاد المقومات الأساسية

وبشكل عام، تفتقد السجون في مصر مقومات الصحة الأساسية التي تشمل الغذاء الجيد والمرافق الصحية، ودورات المياه الآدمية التي تناسب أعداد السجناء، وكذلك الإضاءة والتهوية والتريض، وتعاني في أغلبها من التكدّس الشديد للسجناء داخل أماكن الاحتجاز، ما جعل العديد من المنظمات الحقوقية المصرية تطالب بإلزامية فتح النيابة العامة تحقيقًا في وفاة كل معتقل وسجين في حال وفاة أي مواطن داخل أحد أماكن الاحتجاز أو السجون المصرية، بغضّ النظر عن التاريخ المرضي للسجناء، فضلًا عن المطالبات البديهية بالتعامل الجاد مع استغاثات المساجين في الحالات الطارئة وتسهيل الإجراءات اللازمة لتلقي الرعاية الصحية داخل السجون أو في مستشفيات خارجية، وتخصيص ميزانية من وزارة الداخلية من أجل تحسين البنية التحتية فى السجون وأماكن الاحتجاز وتوفير الأجهزة والأدوات الطبية اللازمة بدلًا من الاعتماد على الإسعافات الأولية فقط.

 

وبالطبع، هذه ليست حالات فردية للإهمال الطبي المتعمد في السجون، لكنها أحدث حالات. رغم أنّ الحق في الصحة منصوص عليه في الدستور والقوانين ولائحة السجون المصرية.

وتنصّ المادة الـ 18 من الدستور الصادر عام 2014 على أنّ "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة… ويجرّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".

وتنصّ المادة الـ 55 من الدستور على أنّ "كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيّد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلّا في أماكن مخصّصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا".

وكذلك تنصّ المادة الـ 56 على أنّ "السجن دار إصلاح وتأهيل. تخضع السجون للإشراف القضائي ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرّض صحته للخطر".

ومع ذلك، يعاني المحتجزون في السجون المصرية كلها، كي يُسمَح لهم برؤية طبيب السجن، الذي يعامل المحتجزين بطريقة سيئة ويتهمهم بالتمارض، وهو ما يدفع الكثير من المحتجزين إلى الاعتماد على الأطباء المحتجزين معهم لتشخيص حالاتهم. ثم يمتد الإهمال الطبي في السجون ليشمل المنع غير المبرّر لدخول الأدوية اللازمة للمحتجز أو السماح له بالخروج لإجراء التحاليل الطبية أو الخروج لمستشفى بالخارج إذا كانت حالته تستدعي ذلك، وهو أمر يحتاجه كثير من المحتجزين في ظل التجهيزات المتواضعة لعيادة أو مستشفى السجن التي عادة أيضًا ما لا يوفّر إجراء التحاليل، وهو ما يدفع الأهالي إلى سحب عينات الدم من المحتجزين في الزيارات وأخذها إلى أقرب معمل طبي. وقد أكّد كثير من المحتجزين في سجون مختلفة أنّ طبيب السجن عادة ما يكتفي بإعطاء المحتجزين المسكّنات بغضّ النظر عمّا يشكون منه، حسب تقرير صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان.