لم يبق أمام قائد الانقلاب سوى باب الشكوى للغرب لتأمين قروض مالية من المؤسسات والصناديق الدولية لتغطية العجز الاقتصادي الهائل الذي تعاني منه الدولة في ظل سيطرة مجحفة للجيش على مفاصل اقتصاد البلاد، وفق خبراء.

وطلب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بشكل مباشر، وساطة الدول الأوروبية لتسهيل إجراءات حصول بلاده على قرض جديد من صندوق النقد الدولي رغم حزمة المساعدات الكبيرة التي حصل عليها خلال الأشهر القليلة الماضية من دول الخليج والمؤسسات والبنوك الدولية.

وفي محاولة لحشد دعم أوروبي للحصول على حزمة جديدة من صندوق النقد من أجل تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وهروب الاستثمارات الأجنبية، دعا السيسي ألمانيا إلى "إيصال رسالة إلى صندوق النقد والبنك الدوليين بأن الواقع الموجود في بلادنا لا يحتمل المعايير المعمول بها خلال هذه المرحلة وحتى تنتهي هذه الأزمة".

وحذر السيسي من مغبة فرض اشتراطات جديدة (تتعلق بالدعم) من قبل الصندوق من شأنها أن تتسبب في حدوث تضخم كبير لن يتحمله المواطن، وبالتالي ستكون حالة عدم الاستقرار على المحك في هذا الأمر.

ورجح خبراء أن قيمة القرض تتراوح بين 5 مليارات و20 مليار دولار، حيث إنه سيصرف لسد الفجوة التمويلية في ميزان المدفوعات وسداد مديونيات خارجية والعجز في المعاملات الجارية التي تقدر بنحو 40 مليار دولار. لكن بحسب محافظ البنك المركزي طارق عامر، فإن القرض لن يكون كبيرًا؛ لأن مصر وصلت إلى الحد الأقصى من الاقتراض.

وخلال السنوات الـست الماضية، فقد لجأت مصر إلى الصندوق ثلاث مرات، فالأولى كانت عام 2016 حينما حصل النظام على 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، والثانية عام 2020 مع بداية أزمة كورونا بقيمة 2.8 مليار دولار، والثالثة عام 2021 بقيمة 5.2 مليار لمواجهة تداعيات جائحة "كورونا".

مطالب صندوق النقد

وبشأن ملامح المطالب التي يفرضها صندوق النقد على مصر، والتي عادة ما تتعلق برفع الدعم عن الطاقة والمحروقات والخبز وسعر مرن للصرف، قال الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري المقيم في أمريكا، محمود وهبة، إن "هذا جزء من شروط الصندوق التقليدية" مضيفًا أن "السيسي يعلم هذا قبل أن يطلب القرض ولا أعتقد أن هذا هو الخلاف".

وأوضح أنه "كما كُتب في بعض المواقع الأجنبية فإن الخلاف على خروج أو تحجيم دور الجيش في الاقتصاد، فإن الصندوق طالب في معظم تقاريره بزيادة دور القطاع الخاص وهذا طلب ضمني لرفع قبضة الجيش عن الاقتصاد".

واستدرك وهبة بالقول إنه "غالبًا ما ستتم الموافقة على دعم ما، قد لا يزيد عن إعادة هيكلة الديون الحالية أو حتى منح قرض بمبلغ ما" متابعًا بأن "مصر تطلب 20 مليارًا، لكن الصندوق يقدر القرض بأقل من هذا بكثير".

ولكن حتى لو حصل السيسي على قرض الـ20 مليار دولار، وفق الخبير الاقتصادي، فهي مسكنات ولن تحل أزمة السيولة لديه، محذرًا من أن "الشعب سيدفع ثمنًا فاحشًا لأي قرض من الصندوق والسبب بحسب جهات عدة أنه يتعين على مصر سداد مبلغ 100 مليار دولار خلال 5 سنوات، حيث إن الأمر يبدو مستحيلًا بالنظر لتغطية عجز الميزانية والعجز في الميزان التجاري ودفع الفوائد على بقية الديون وتغطية عجز العملة الصعبة بالنظام المصرفي".

وأردف الخبير الاقتصادي: "لا يوجد حل اقتصادي للأزمة، فالحل سياسي بحت يأتي عبر تغيير النظام".

إجراءات تقشفية

وللمرة السادسة على التوالي، قررت مصر رفع أسعار المشتقات البترولية ما بين 7% و10% لجميع أنواع البنزين.

ورفعت الحكومة سعر السولار الذي يعد أكثر المواد البترولية استخدامًا في البلاد، خاصة في قطاعات النقل والزراعة والصناعة، للمرة الأولى منذ منتصف عام 2019.

وبحسب محللين وخبراء اقتصاد، فيبدو أن مطالب صندوق النقد الدولي أكبر بكثير من زيادة أسعار المشتقات البترولية، والتي من شأنها أن ترفع التضخم في مصر إلى مستويات قياسية بسبب غلاء الأسعار وعدم قدرة قطاع عريض من المصريين على الوفاء بمتطلبات الحياة.

وبشأن مطالب صندوق النقد، التي لم تكشف عنها حكومة الانقلاب، فإنها تتركز على رفع الدعم عن المحروقات وخفض الدعم عن الخبز المدعم، وزيادة دور القطاع الخاص، فيما توقع رئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان، فخري الفقي، أن تتضمن زيادة فتح الاعتمادات المستندية وتوفير الدولار للمستوردين وسعر صرف أكثر مرونة.

تداعيات مطالب النقد الدولي

ورأى خبير التمويل والاستثمار الدولي، علاء السيد، أن "سياسة صندوق النقد الدولي لم تنجح في إخراج أي دولة من أزمتها الاقتصادية، حيث إن سياساته لا تؤدي إلا إلى إغراق أي بلد في الديون ورفع الدعم بشكل عام عن المواطنين والتي تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، كما أنها تؤدي إلى زيادة وطأة التضخم وزيادة الأسعار".

وأضاف السيد أن "محور المفاوضات يتركز على زيادة دور القطاع الخاص، واستكمال رفع الدعم عن باقي المنتجات، إلى جانب إعادة هيكلة الاقتصاد المصري الذي يسيطر عليه الجيش بنسبة تقدر بـ60%"، مشيرًا إلى أن "كل جهة من الجهات السيادية (مثل المخابرات والجيش والداخلية) لها اقتصاد مواز بالدولة"، وفقًا لـ"عربي 21".

وأوضح السيد أن "الإشكالية بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي تكمن في تخفيف الضغوط على القطاع الخاص الذي لا يشغل أكثر من 15% من حجم الاقتصاد المصري، حيث تم طرده لصالح اقتصاد الجيش الذي يعمل لصالح المؤسسة العسكرية وليس لصالح الدولة لأنها لا تدفع ضرائب ولا جمارك ولا فواتير طاقة أو إيجارات".

ورأى الخبير الاقتصادي أن "الحل يكمن في إعادة هيكلة الاقتصاد المصري ودمج اقتصاد الجهات السيادية في الدولة، إلى جانب ضم الصناديق السيادية والخاصة إلى قطاع الأعمال العام، وخلق مناخ آمن وعادل وقابل للمنافسة للمستثمرين المحليين والأجانب، مع ضمان عدم تغوله على القطاع الخاص".

هبوط يقابله تراجع

ومنذ مارس الماضي، فقد هبط الجنيه أمام الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له منذ نحو 6 سنوات، حيث اقترب من حاجز الـ19 جنيهًا في البنوك الرسمية.

وتراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 33.4 مليار دولار في نهاية يونيو الماضي، في حين كان يقدر بـ35.5 مليار دولار في نهاية مايو الذي قبله، بحسب بيانات البنك المركزي.

وفي غضون ذلك، ارتفع الدين الخارجي، إلى مستوى قياسي، حيث سجل 157.8 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، مقابل 145.5 في نهاية ديسمبر الماضي، بنسبة ارتفاع 8.4%، وفق البنك الدولي.

وبحسب البيانات المنشورة على الموقع الرسمي للبنك الدولي، فإن الدين الخارجي لمصر بلغ في الربع الأول من العام الماضي 134.841 مليار دولار، أي إنه ارتفع خلال عام بقيمة 22.841 مليار دولار، وبنسبة حوالي 17%.