للشهر الرابع على التوالي يواصل الجنيه تقهقره في مقابل الدولار ليصل إلى أدنى مستوى أمام العملة الخضراء منذ 66 شهرًا، وتحديدًا منذ يناير 2017.
وأظهرت بيانات "رفينيتيف" أن الجنيه بلغ مستوى 18.91 جنيه في مقابل الدولار مع بداية التعاملات الصباحية الإثنين، الـ 18 من يوليو، منخفضًا عن مستوى 18.81 الذي سجله أمس وفقًا لوكالة "رويترز" التي أكدت أن "آخر مرة لامس فيها الجنيه ذلك المستوى كانت في الـ 24 من يناير 2017".
ووفقًا للموقع الرسمي للبنك المركزي، فقد سجل متوسط سعر صرف العملة المحلية أمام نظيرتها الأمريكية 18.81 جنيه (مقابل دولار واحد) للشراء و18.92 جنيه للبيع صباح اليوم.
الجنيه يتهاوى
وتراجع متوسط سعر صرف الجنيه مقابل الدولار في معظم البنوك المحلية بخاصة المملوكة للدولة، فسجل متوسط سعر الصرف في البنك الأهلي المصري 18.85 جنيه للشراء، بينما البيع 18.91 جنيه (مقابل كل دولار)، وفي بنك مصر 18.91 جنيه لسعر البيع وللشراء 18.85 جنيه، ووصل متوسط سعر صرف العملة المحلية مقابل العملة الخضراء في البنك التجاري الدولي (أكبر ذراع استثمارية مصرفية من القطاع الخاص) 18.93 جنيه للبيع و18.87 جنيه للشراء.
وفي مارس الماضي خفض البنك المركزي قيمة الجنيه بنحو 15% ليصل إلى 18.30 جنيه هبوطًا من 15.65 جنيه للدولار، واستمر الجنيه في النزول حتى وصل إلى مستويات قرب الـ 18.70 جنيه للدولار حتى نهاية يونيو الماضي، قبل أن يرتفع مطلع الشهر الحالي إلى 18.88 جنيه ليصل إلى أدنى مستوياته اليوم الإثنين للمرة الأولى منذ 66 شهرًا.
تهاوي قيمة الجنيه بدأ مع رفع البنك المركزي أسعار الفائدة العام الحالي بمقدار 300 نقطة أساس وبنسبة ثلاثة في المئة على دفعتين، في الـ 21 من مارس الماضي قبل أن يعاود الرفع من جديد بمقدار 2% في الـ 19 من مايو الماضي، ثم ثبت الأوضاع خلال يونيو الماضي في محاولة لمكافحة التضخم المتسارع.
وفي الوقت الحالي يترقب مجتمع المال والأعمال المصري رابع اجتماعات البنك المركزي خلال أغسطس المقبل.
نقص الدولار
وتعاني مصر من نقص في العملات الأجنبية، بعدما تسببت جائحة فيروس كورونا في تراجع أعداد السياح، كما سحب المستثمرون الأجانب مليارات الدولارات من سوق السندات المصرية، وارتفعت أسعار واردات السلع نتيجة الأزمة الأوكرانية.
ويرجع خبراء الزيادة في سعر الدولار إلى تراجع الاحتياطي النقدي للشهر الثالث على التوالي، بمعدلات عالية، بعدما بلغ 35.49 مليار دولار بنهاية مايو، انخفاضًا من 37.12 مليار دولار في إبريل وفقًا لبيانات البنك المركزي الصادرة مساء الثلاثاء الماضي.
وأعلن البنك المركزي أن الانخفاض تكرر لسداد ديون بنحو ملياري دولار في مايو، بما في ذلك مدفوعات السندات الدولية، وخدمة الدين لصندوق النقد الدولي، والتزامات خارجية أخرى.
وتراجع احتياطي النقد الأجنبي، في نهاية إبريل، إلى 37.1 مليار دولار، من 41 مليار دولار في مارس 2022، لسداد مستحقات مستثمر الأموال الساخنة، التي خرجت من السوق المحلية وأقساط ديون مستحقة على الدولة.
وتتوقع مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني، في تقرير صدر مطلع الشهر الجاري، ألا يتجاوز سعر الدولار سقف 19 جنيها بنهاية عام 2022، رغم تأثره بضغوط دولية ومحلية عديدة، في حالة التزام قطر والسعودية والإمارات بضخ 25 مليار دولار كاستثمار مباشر في الاقتصاد المصري، واستمرار تدفق عائدات المصريين العاملين في الخارج، التي ستتجاوز 34 مليار دولار بنهاية العام.
تحريك على استحياء
من جانبه، يرى المتخصص في الاقتصاد الكلي هاني توفيق أن تراجع قيمة الجنيه "ليس له علاقة بقوى العرض والطلب على العملة الأجنبية"، موضحًا أن ما يحدث ما هو إلا "تحريك للعملة على استحياء"، ومشيرًا إلى أن "صندوق النقد الدولي يطالب دائمًا بالإفصاح عن القيمة الحقيقية العادلة للعملة المحلية في الأسواق الدولية، فالصندوق يطلب أن تكون العملة المصرية مقابلة نظيرتها الأمريكية في نطاق الـ 21.5 جنيه وحتى 22 جنيهًا حتى يتم اتفاق القرض لمصر"، مؤكدًا أن "صندوق النقد يستند في تقييم العملة إلى "توقعات المؤسسات المالية الدولية المتخصصة".
وحول تأثر الأسواق المحلية قال توفيق، "الحديث هنا عن اقتصاد خال من العواطف، بمعنى نحن نتحدث عن إصلاح اقتصادي بحت. الحكومة عليها أن تدعم الفقراء والأكثر حاجة قبل الوصول إلى تلك المرحلة".
التضخم والعرض والطلب
من جانبه، قال المحلل المالي أحمد عز الدين إن "تراجع قيمة الجنيه في مقابل الدولار يعود لقوى العرض والطلب، إضافة إلى حال التضخم العالمي، إذ إن مصر دولة مستوردة بالدرجة الأولى وهذا أمر طبيعي في تلك المرحلة".
وتابع عز الدين، "البنك المركزي كان يدعم العملة المحلية خلال فترات سابقة في أوقات محددة ومعلومة، لكن أزمة التضخم العالمية التي انعكست على الاقتصاد المحلي أبرز التداعيات السلبية للحرب الروسية في أوكرانيا التي لم تنته بعد، ولا يعلم أحد متى ستنتهي، وهو ما يقوض قدرات البنك المركزي لدعم العملة بشكل مستمر وفترة غير معلومة"، مشيرًا إلى أن "تداعيات تراجع قيمة العملة المحلية في مقابل الأمريكية سيواصل الضغط على أسعار السلع الأساس وغير الأساس لتواصل الارتفاع محليًا".
ومنذ بداية العام 2022 تزحف معدلات التضخم في القاهرة مرتفعة على مدى خمسة أشهر بشكل متتابع، لتصل جملة الارتفاع نحو 7% حتى يونيو الماضي، إذ صعدت المعدلات من 8% خلال يناير 2022 إلى 15.3% خلال مايو الماضي، قبل أن تهدأ قليلًا مع نهاية الشهر الماضي، مسجلة 14.7% تأثرًا بالتداعيات السلبية للحرب في أوكرانيا.

