روى الإمام مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"؛ وذلك رغبة في بلوغ ليلة القدر المباركة، والتي يبدو أنها متنقلة بين ليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان، فتارة تكون ليلة القدر في ليلة الحادي والعشرين، وتارة تكون في ليلة الثالث والعشرين، وتارة تكون في ليلة الخامس العشرين، وهكذا.

وفي العموم يمكننا القول إن ليلة القدر تكون في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الوتر من الليالي العشر الأواخر أرجى، كما أنها في ليلة السابع والعشرين أرجى، والله أعلم.

من فضائل ليلة القدر

     أنها ليلة نزول القرآن، قال تعالى " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (القدر: 1).

     أنها ليلة مباركة، قال تعالى:  "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ" (الدخان: 3).

     يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق خلال العام ، قال تعالى: "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (الدخان 4).

     العبادة فيها أفضل من عبادة ألف شهر، قال تعالى: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" (القدر: 3). أي ثواب قيامها أفضل من ثواب العبادة لمدة ثلاث وثمانين سنة وثلاثة أشهر تقريبًا. قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: "واعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله تعالى نيفًا وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعمارًا كثيرة". وكأنها بذلك هي ليلة العمر.

     تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والبركة والرحمة والمغفرة ، قال تعالى: "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ" (القدر: 4).

     ليلة تكثر فيها الطاعة وأعمال الخير والبر، وتكثر فيها السلامة من العذاب، ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها؛ فهي سلام كلها، قال تعالى: "سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" (القدر: 5).

     فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب في ذلك الأجر عند الله عز وجل ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).

عناية السلف بليلة القدر

وقد كان السلف يخصُّون ليلة القدر بمزيد اهتمام عبر تطهير الظاهر والباطن أيضًا، فكان ثابت البناني (رحمه الله) يلبس أحسن ثيابه، ويتطيب، ويطيب المسجد بالنضوح والدخنة في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر.

وكان لتميم الداري (رحمه الله) حُلَّة اشتراها بألف درهم يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر.

وروي عن الإمام مالك بن أنس (رحمه الله) أنه إذا كانت ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب، ولبس حلة وإزاراً ورداء، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلا مثلها من قابل.

من علامات هذه الليلة.

     قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيدًا عن الأنوار.

     الطمأنينة، أي طمأنينة القلب وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي.

     أن الرياح تكون فيها ساكنة، أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسبًا.

     أن المؤمن يجد في القيام لذة أكثر مما يجده في غيرها من الليالي.

     أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب (رضي الله عنه) أنه قال:  أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم):  "أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها" (رواه مسلم).

     أنه قد يُري الله بعض المؤمنين الليلة في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة (رضي الله عنهم).