د. محمد الصغير
صراع القوى الكبرى الدائر على أرض أوكرانيا، وخبرة بوتين التي اكتسبها في سوريا في حرق الأرض وما عليها وينفذها الآن في قلب أوربا، جعلا الحرب لا تقتصر على المتصارعين، وإنما تركت آثارا خلال أسبوعين تضرر منها سكان العالم، والذي يتابع حركة التجارة وأسعار السوق يعلم أن الحرب تمول من جيوب الجميع، ونستطيع القول إن حرب روسيا على أوكرانيا تركت بصمتها على كل مناحي الحياة، وفتحت أعيننا على صورة عالم جديد بكل تناقضاته وتقلباته، ورأينا كيف أن المعارك لا تدور رحاها بالأسلحة التقليدية فقط، وكيف أن الردع والعقاب يمكن أن يكون على جبهات اقتصادية وساحات إعلامية، ومن ذلك استخدام سلاح المقاطعة على أوسع نطاق للرد على الغزو الروسي، بداية من إخراج روسيا من المنظومات المالية العالمية، والاستيلاء على مدخرات الروس في الغرب ومصادرة ممتلكاتهم، مرورا بالمقاطعة الرياضية وخلط السياسة بالسياحة، ودخول الشركات العالمية على الخط، وقطاع المأكولات والمشروبات بنوعيها البارد والساخن، ونهاية بحظر التعامل مع القطط الروسية! بما يؤكد أهمية سلاح المقاطعة ومدى تأثيره وفاعليته، ويرد على المُخَذِّلين والمُثبِّطين الذين يقولون: وما جدوى المقاطعة؟ المقاطعة عمل إيجابي وسلاح حضاري، وفي حالة مقاطعة المسلمين للمنتجات الفرنسية هي من باب أضعف الإيمان، وتقديم البرهان على مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في نفوس أتباعه، وتقديم ما في وسعهم إزاء المتطاولين على جنابه الكريم
خمسمائة يوم مرت على مقاطعة فرنسا، سُجلت في صحائف من جعلوها لله، ونصرة لرسول الله ﷺ الذي قال: “من نصر أخاه بظهر الغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة” هذا فيمن نصر أخاه فما بالك بمن نصر رسول الله ﷺ؟
وكذلك نالوا شرف الدفاع عنه، والوقوف تحت لواء حمله قبلهم حسان بن ثابت. قالت أم المؤمنين عائشة سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لحسَّانَ بنِ ثابتٍ: “إنَّ رُوحَ القُدُسِ لا يزالُ يُؤيِّدُك ما نافَحْتَ عنِ اللهِ وعن رسولِه”.
لم تكلف المقاطعة من التزم بها إلا الامتناع عن شراء سلع من تطاول على مقام نبينا وأصر على ذلك، وإن قيل إن المقاطعة لم تؤثر في فرنسا اقتصاديا، وإن التأثير في الفضاء الإعلامي أكثر منه على الأرض -وهذا واقع- فإن النجاح الإعلامي في حد ذاته، والحد من غطرسة فرنسا من الأهداف السامية، ويكفي الأمة أنها اتحدت تحت هذا الشعار، وحافظت على تصدره للعام الثاني، فلم يُعهد في وسائل التواصل أن استمر وسم “# هاشتاج” متصدرا أو متقدما لمدة خمسمائة يوم إلا وسم #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية مع تغير العداد اليومي.
ومع عناد الرئيس الفرنسي وإصراره على عدم الاعتذار أو التراجع، فليس أمامنا إلا الاستمرار في المقاطعة، لاسيما بعدما انتقل إلى مهاجمة دين الإسلام، والتضييق على شعائر المسلمين، ومن يوم أن قال “إن الإسلام في أزمة” وهو في أزمات متلاحقة ومكانته في تراجع، وقد رأينا كيف استخف به بوتين قبيل الحرب، وواعده على اجتماع بعد ساعات مع بايدن، في الوقت الذي كانت فيه دباباته في طريقها لاجتياح أوكرانيا، فأظهر خفة وزنه السياسي، وتواضع خبرته، وإن كانت جائحة كورونا السبب الرئيس في سقوط ترمب بعد دورة واحدة، فإن حرب أوكرانيا ستكون أهم الأسباب في سقوط ماكرون الذي بدت ملامحه، وسيحل في ذيل رؤساء الدورة الواحدة، وسيلاحقه وصف الأقطع الأبتر كما بشرت به سورة الكوثر.
نقلا عن: الجزيرة مباشر