إنه أكثر المواد استهلاكا في تاريخ الغذاء، وأكثر النكهات التي اجتمعت الأذواق على تفضيلها، وهو مع ذلك الأكثر خطورة على الصحة، حيث يُوفِّر السكر سعرات حرارية عالية للجسم دون أن يمدّه بالمغذيات، وبالتالي يرتبط دخوله في الجسم بزيادة الوزن وأمراض القلب والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني، فما الذي يُحدثه السكر في أجسامنا؟
كشفت دراسة للمركز الوطني للبحث العلمي (CNRS) أن 90% من الفئران المعملية تُفضِّل الماء بالسكر أكثر من الكوكايين، الأمر يُفسِّر إدماننا الواضح على السكر، وبالتالي شعورنا بصعوبة الحدّ من تناوله، إذ يصاحب الإقلاع عن السكر أعراض انسحاب مثل التهيج والقلق والاكتئاب لمدة قد تصل إلى أسبوعين، وأظهرت دراسات عديدة أن زيادة السكر في الجسم يحدّ من قدرة الجسم على الحفاظ على مخزونات أعلى من الطاقة.
توصي منظمة الصحة العالمية بألا تتجاوز نسبة السعرات الحرارية التي نحصل عليها من السكر يوميا 10% من السعرات التي تدخل أجسامنا، وهو ما يعني 25 جراما يوميا (أو ست ملاعق صغيرة)، لذا من الضروري مراقبة الصور الأخرى التي يدخل بها السكر إلى أجسامنا دون أن ندري، فهو لا يوجد فقط في الحلويات والسكاكر كما قد نعتقد؛ ولكنه مخبأ أيضا في الزبادي والحبوب والخبز والصلصة.
علينا إذن قراءة مكونات المنتجات التي نتناولها، إن كوبا صغيرا من الزبادي بنكهة الفواكه يحتوي على ما يقرب من 6 ملاعق صغيرة من السكر المضاف، وهو القدر الذي تنصح جمعية القلب الأميركية باستهلاكه في يوم كامل، كما أن أطعمة مثل الكوكيز والزبدة والحساء هي أيضا مصادر شائعة للسكر.
علينا أيضا توخي الحذر هنا، فبعض التشريعات الخاصة بالأغذية تسمح بألا تتضمَّن المكونات المكتوبة على العبوة عنصر السكر مباشرة، فتُكتَب مواد مثل السكروز وسكر الفواكه وشراب الفركتوز وشراب الذرة وسكر العنب ودبس السكر والعسل، وهي كلها مفردات أخرى تعادل كلمة السكر.
هناك طريقة أخرى أبسط لاكتشاف دخول عنصر السكر في غذائنا تتمثَّل في مراقبة الجدول الغذائي للمنتج، وهي تتطلَّب قدرا من المعلومات لديك حول قدر السكر الذي يحتويه كل نوع من الطعام، بحيث تتابع النسبة المئوية للسكريات في الجدول الغذائي المدوَّن على العبوة، وبهذا يمكنك معرفة هل هي النسبة الطبيعية الموجودة فيه أم أنها تفوق هذه النسبة وهو ما يعني إضافة السكر؟ على سبيل المثال، اللبن الزبادي الطبيعي عادة ما يحتوي على نسبة لا تزيد على 4% من السكر (فهو أحد مكونات اللبن)، وبالتالي فإذا كان الزبادي يحتوي على 13% من السكر فهذا يعني وجود سكر مضاف وإن لم يُكتَب بين المكونات.
يؤكد خبراء التغذية أن السكر ليس من المغذيات الأساسية التي يجب تناولها مباشرة. في الظروف العادية تكون أجسامنا قادرة على تنظيم نسبة الجلوكوز في الدم، لذا يُنصَح بالبدء بالتقليل من معدل استهلاك السكر شيئا فشيئا، وأن نستبدل به الأطعمة التي تحتوي على الصور الأكثر تعقيدا من السكريات مثل النشويات المعقدة أو حتى البقوليات وغيرها، فما الذي يحدث في جسمك حين تتوقف تماما عن تناول السكر الأبيض؟
ستبدو أصغر سِنًّا
الكولاجين والإيلاستين هما البروتينان الرئيسان اللذان يمنحان بشرتنا مظهر الشباب، لذا نرغب في الحفاظ عليهما قدر الإمكان، وكما يقول أنتوني يون، جرَّاح التجميل في ولاية ميشيغان، فإن السكر يتسبب في تدمير جزيئات الكولاجين والإيلاستين في البشرة وبالتالي زحف الشيخوخة إليها بسرعة.
ستصبح أكثر سعادة
رغم أن تناول قطعة من الشوكولاتة الغنية بالسكر تمنحنا شعورا بالسعادة فإنه شعور مؤقت، وما يحدث فعلا هو أن زيادة معدلات السكر في الدم يزيد شعورنا بالكآبة، كما يقول ميغان غيلمور، خبير التغذية في مدينة كانساس، حيث يؤكد: "قد يُسبِّب السكر التهابا مزمنا يؤثر في وظائف الدماغ، وإذا قلَّلت كمية السكريات التي تتناولها فستلاحظ تحسُّنا في قدرتك على التركيز وتحسُّنا في المزاج بعد أسبوع أو أسبوعين".
سيقل وزنك
وفقا لبيانات كلية هارفارد للصحة العامة في بوسطن؛ فإن نحو 22 ملعقة سكر مضاف تدخل أجسامنا يوميا، وهو ما يعني 350 سعرا حراريا، ومع تناول هذه الكمية من السكر يتوقَّف الجسم عن الشعور بالاكتفاء، ويطلب المزيد، أما حين تستبدل الأطعمة المغذية بالسكر فسيعرف جسمك متى يتوقف ويرسل إلى الدماغ إشارات بأنه حصل على ما يكفي من الطعام، وبالتالي يقل الوزن تدريجيا دون أن تبذل جهدا.
ستزيد المناعة
ستصبح أقل عُرضة لنزلات البرد، وستقل أعراض الحساسية والربو لديك، فالتوقُّف عن تناول السكر يمنح جهاز المناعة قوة أكبر، وقد وجدت دراسة نشرتها المجلة الأميركية للتغذية السريرية أن تناول 100 جرام من السكر يُقلِّل قدرة كرات الدم البيضاء على قتل البكتيريا بنسبة تصل إلى 50%، وأن هذا التأثير قد يستمر حتى 5 ساعات.
سيقل خطر إصابتك بالسكري
التخلي عن السكر يسمح بعمل أنظمة إزالة السموم في الجسم، يُوضِّح ماك ألبانزا، خبير التغذية ومدير برنامج إزالة السموم في ماساتشوستس: "خلال ساعتين دون تناول السكر سيُقلِّل البنكرياس من إنتاج الإنسولين، وسيبدأ الكبد في معالجة السموم المتراكمة". وقد يستغرق الأمر وقتا أطول إذا كان جسمك يقاوم الإنسولين، وهي الحالة التي تسبق الإصابة بمرض السكري ويُنتِج فيها الجسم الإنسولين لكنه لا يستخدمه استخداما صحيحا، وهنا قد يحتاج الشخص إلى خمسة أسابيع قبل أن تختفي هذه الأعراض ويتخلَّص من أضرار السكر الأبيض.
عمر أطول
كشفت دراسة أُجريت في إبريل/نيسان 2014 أن أولئك الذين تناولوا كمية أكبر من السكر أكثر عُرضة للوفاة بسبب أمراض القلب من غيرهم ممن تناولوا القليل منه. يزيد ارتفاع نسبة الجلوكوز بعد تناول الأطعمة السكرية من إفراز الإنسولين، فيتسبَّب في زيادة نشاط إحدى مناطق نظامنا العصبي ما يتسبَّب بالتبعية في ارتفاع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، كما يزيد السكر من مستويات الدهون الثلاثية (الدهون غير الصحية) في الدم، ويزيد بالتالي خطر الإصابة بأمراض القلب.
في فيديو شاهده ما يقرب من 40 مليون مشاهد حول العالم قبل أعوام، حكى الهولندي ساشا هارلاند عن تجربته في التخلي عن السكر والوجبات السريعة لثلاثين يوما، ولخَّص التجربة فقال: "كنتَ تعني مزاجا سيئا في البداية، ومزيدا من الطاقة في النهاية".
كان على ساشا أن يتوقَّف تماما عن تناول السعرات الحرارية التي لا يحتاج إليها جسمه، وفقد بالفعل 4 كيلوجرامات خلال هذا الشهر، كما انخفض الكوليسترول بنسبة 8%، وأصبح أكثر قدرة على الاستيقاظ مليئا بالنشاط.
في اليوم الأول سيكون عليك التخلُّص من الحلويات كافة في منزلك، ودرج مكتبك، تخلَّص حتى من السكاكر الصغيرة والعصائر المحلاة، فسيكون هناك نظام جديد تستغني فيه عن السعرات الحرارية التي لا يحتاج إليها جسمك.
حين تشعر بأن مستوى السكر في الدم منخفض جدا فهذا يعني أنك لم تتناول وجبة الطعام في موعدها أو أنك لم تتناول ما يكفي من البروتين لتثبيت نسبة السكر في الدم، وهنا يمكنك تناول وجبة خفيفة من المكسرات والفواكه المجففة، فالدهون الصحية في المكسرات والسكريات الطبيعية في الفاكهة سوف يعيدان التوازن إلى جسدك.
إذا شعرت بالتعب أو النعاس -وبدلا من البحث عن قطعة من الحلوى للحصول على الطاقة- تناول القهوة أو الشاي. كما يمكن للفتيات الاعتماد على حبوب الصويا والفاكهة والشوكولاتة الداكنة للتغلُّب على الرغبة في تناول الحلويات لمقاومة الأرق والصداع الذي تُسبِّبه أحيانا متلازمة ما قبل الحيض.
وفي النهاية، عليك أن تُدرك أن الطحين الأبيض والأرز الأبيض والخبز الأبيض والبيتزا هم في الأساس سكريات أيضا، لذا احرص بدلا منها على تناول الأرز البني وخبز الحبوب والكينوا.
يُقدِّم أصحاب صناعات الأغذية السكر المستخلص من الفاكهة أو الفركتوز بوصفه بديلا صحيا يمكن إضافته إلى الحلوى أو إلى الشاي والقهوة، لكن المعروف الآن أن استهلاكها يؤثر سلبا على ميكروبات الأمعاء ويُسبِّب مشكلات في الجهاز الهضمي مثل انتفاخ البطن والإسهال وانخفاض صحة القلب والأوعية الدموية وزيادة دهون الكبد، كما أنه لا يسهم في إنقاص الوزن أو الوقاية من مرض السكري كما قد نعتقد، إلى جانب أنه يعني اعتيادك على المذاق الحلو، وهو ما لا يُعدّ حلًّا.
لذا يُنصح مرضى السكري وأصحاب الوزن الزائد بتناول القليل منها، واختيار نوعية جيدة خالية من الدهون التي تُضاف للحصول على منتج رخيص من سكر الفركتوز، وعموما فهي أحد الخيارات التي تُعدّ أفضل من السكر الأبيض لكنها ليست بديلا صحيا له. كما لا ينصح الخبراء باللجوء للمحليات الصناعية مثل الأسبرتام لما تُسبِّبه من أعراض الانسحاب، وتقليل الأعراض المصاحبة لانسحاب السكر من خلال التمرينات الرياضية.
أخيرا، ينصح الخبراء بألا نلغي مصادر السكر من نظامنا الغذائي، وبأن نحصل عليه من مصادر مثل الأرز والبطاطس والفاكهة، لأن تجنُّبه تماما والاعتماد على الدهون فقط مصدرا للطاقة قد يتسبَّب في حدوث الكيتوزية (وهي حالة مرضية تنتج عن تراكم الأجسام الكيتونية في الدم) وانخفاض معدل الجلوكوز الذي يصل إلى خلايا المخ، ما يؤدي أحيانا إلى الضعف والرعشة والإغماء أحيانا بسبب نقص السكر في الدم.