هو المشرف "مجد" في موقع شبكة فلسطين للحوار، كتب أن محل إقامته (هناك) ويبدو أنها الجنة فيما يخال كل من صادقه أو عرفه وآخاه.
ما أصعب أن يكتب الإنسان عن حبيب يعرفه على الواقع أو من خلال ما يسمع عنه من بطولات وجهاد مشرف، ويستخدم (كان) وما إليه من أفعال الماضي، وهو غير مصدق بعدُ أن هذا الـ(كان) صار جزءًا من الماضي مرتحلا إلى عالم ليس لنا سبيلٌ أن نصل إليه إلا إذا دخلنا نفس الطريق.
نشأته وأفكاره
محمد حامد صبحي الهمص (28 عامًا) ينحدر من قرية يبنا التي هُجّر أهلوها منها عام 1948 كما باقي أبناء شعبنا المصابر في نكبة التهجير الشهيرة، وانتقلت عائلته إلى مخيّم سُمّي باسم البلدة (مخيم يبنا) في محافظة رفح جنوبيّ قطاع غزة. كان من روّاد مسجد الهدى أحد أهم المساجد وأقدمها في المدينة؛ حيث اشتهر عنه التحاقه بجلسات قراءة وتحفيظ القرآن، والالتزام في الصلوات خصوصًا صلاة الفجر؛ فقد كان والده الشيخ حامد الهمص أحد رجال الإصلاح المبرّزين يحثّ جميع الأبناء على ذلك ويحوطهم برعايته ويكلأهم باهتمامه، بل تستطيع أن تقول إن البيت المبارك هذا كان على ذات الشاكلة.
وقد أتاحت التربية الإسلامية الطيبة للشهيد القائد محمد أن تحدد له المعالم العامّة لسيره في الحياة ليختار طريقه الذي يحجم عنه كثيرون، حيث انخرط منذ أيامه الأولى في صفوف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وكان من أنشط أشبالها الذين لا يهابون محتلا ولا أتباعه، وكنت تلمس فيه غيرة شديدة على دينه وحركته، يأبى الضيم ويرفض الانحناء.
ورغم انشغالاته الحقيقية إلا أن هذا لم يكن ليثنيه عن إكمال مشواره التعليمي؛ حيث التحق بالجامعة الإسلامية ليتخرج في كلية التمريض حاصلا على شهادة البكالوريوس عام 2004م، مما أهّله بعد ذلك ليدير جمعية النور للجرحى والأسرى في إطار حركة "حماس" على وجه الخصوص.
شهادة أخيه واتصاله بالجعبري
كان مما أبرز ما أثّر في شهيدنا القائد كون أخيه هو القائد القساميّ وحيد حامد الهمص، الذي استشهد في غارة صهيونية غادرة قصفته مع أربعة شهداء على شاطئ بحر غزة هم: القائد أحمد اشتيوي، والشهيدان المجاهدان محمد أبو لبدة وأحمد أبو هلال، في ذات الوقت الذي قيل إنهم كانوا يخططون لعملية استشهادية، وقد كان وحيد محبوبًا جدًّا من جميع من عرفه حتى الذين كانوا يختلفون معه فكريًّا إلا أنه كان رجلا من رجال الله بحقّ.
ونظرًا لالتحاق محمّد المبكّر في صفوف مجاهدي كتائب الشهيد عزّ الدين القسّام "الذراع العسكري لحركة حماس"، فقد أدّى استشهاد أخيه وحيد لأن يكون أكثر عزمًا ومضيًّا في ذات الطريق، بل وأتاح له فرصة ذهبيّة قلّما تتوفر لمن هم في سنّه، وذلك بالتواصل المباشر مع القائد الكبير أحمد الجعبري "أبو محمد" نائب القائد العام لكتائب القسام، وإن كنّا لا ندري كنه هذا التواصل الذي ربما يكشف عنه القسّام قريبًا إلا أن ما نعرفه –حسب مقرّبين من الشهيد- بأن القائد محمّد أصيب إصابة بليغة ظلّت آثارها معه حتى وفاته، وذلك في محاولة اغتيال للقائد الجعبري في بيته والتي أدّت إلى استشهاد نجله محمّد والشهيد علاء الشريف.
المرافق الخفيّ
ونظرًا للثقة الكبيرة التي أولاها القائد الجعبريّ بالشهيد محمّد، فقد جعله مقرّبًا منه حتى صار أحد مرافقيه البارزين، وليس من شكٍّ في ذلك فقد أفادت عمليّة الاغتيال أنه لا يمكن أن يكون متواصلا مع القائد الجعبريّ في مثل هذه الظروف المعقّدة أمنيًّا ذات التصعيد الصهيوني الواضح إلا رجلٌ أعطاه الجعبري كامل ثقته، فضلا عن أن يكون الشهيد القائد محمّد قد نذر نفسه وروحه للجهاد والمجاهدين لأنه يعلم أن مثل هذا التواصل وحده كفيل بأن يجعله من حاملي أرواحهم على أكفّهم.
وشاءت ظروف في ظلّ النظام المصري السابق زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك ألا يُسمح للشهيد القائد بالعودة إلى القطاع بعد سفر للعلاج، مما جعله يعود أدراجه إلى سوريّا التي احتضنته فيها مكاتب الحركة ليكون ذا حظوة هناك بقدر الحظوة التي كانت له في القطاع، حيث صار طوال فترة تواجده في الشام المرافق الإعلامي والمصوّر الشخصيّ للقائد الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس".
ورغم ذلك ورغم ما أنشأه هناك من صداقات كبيرة، إلا أنه كان شديد الحنين فطريًّا ونفسيًّا إلى بلده إلى أن يسّر له الله العودة من جديد لتمتزج دماؤه الطاهرة مع ثرى أرضنا المباركة، ليرتقي إلى العلا شهيدًا –بإذن الله- في عملية الاغتيال الجبانة التي استهدفت السيارة التي كان فيها مع القائد العام لكتائب القسام في غزة الحاج أحمد الجعبري عصر يوم الأربعاء 14/11/2012.
والشهيد القائد محمّد متزوّج وله من الأولاد خمسة، ثلاثة أبناء هم حامد ووحيد ومشعل "رزقه الله به قبل أقلّ من سنة وسمّاه محبّة للقائد أ. خالد مشعل"، وبنتان هما جمانة وجنى.
آخر ما كتب الشهيد على صفحته على الفيس بوك قبيل استشهاده..
الإخوة الكرام جميعاً ..
نرجو من الجميع أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر لأنه على ما يبدو ستكون ليلة ساخنة...؟
حبات المطر حينما تلامس تراب غزة المخضب بدماء الشهداء.. أشتم رائحة المسك..
تمضي بنا الحياة في درب لا نعرف مداه لكن تبقى محبتكم هي أجمل ما عرفناه..