عماد عقل الأسطورة.. عماد عقل الاسم الذي أرعب اليهود وقذف في قلوبهم الرعب.. قهر اليهود بجرأته وقوة قلبه، وفاجأهم حين كان يباغتهم في عملياته العسكرية النوعية.. عماد جنرال كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة والقطاع، ذلك الشاب الذي خرج من تحت الركام والأنقاض، ليحول حياة اليهود إلى جهنم!


تحدث عنه القادة والجنرالات الصهاينة، وتحدث عنه المجرم رئيس وزراء العدو الصهيوني إسحاق رابين نفسه، ووصفه بالأسطورة.

عماد عقل .. مولده ونشأته ودراسته
ولد عماد حسن إبراهيم عقل في 19 يونيو 1971م في مخيم جباليا بقطاع غزة، هاجر أهله بعد حرب 1948م من قرية برعير القريبة من المجدل.

وكان والده -الذي يعمل مؤذنًا لمسجد الشهداء في مخيم جباليا- قد اختار لابنه الذي جاء ثالثًا بين الذكور هذا الاسم (عماد)؛ تيمنًا بالقائد المسلم (عماد الدين زنكي) الذي قارع الصليبيين، في الوقت الذي كانت كل القيادات متخاذلة.

نشأ عماد عقل وتربّى على طاعة الله في هذا البيت المتدين الفخور بعقيدته، وبدا واضحًا منذ نعومة أظافره تمتعه بالذكاء والعبقرية؛ ولهذا صمم والده على أن يواصل مسيرته التعليمية حيث تفوقه بحصوله على مرتبة متقدمة بين الأوائل. وكما كان متوقعًا، أحرز الشهيد عماد عقل الترتيب الأول على مستوى المدرسة وبيت حانون والمخيم في شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، بعد ذلك تقدم بأوراقه وشهاداته إلى معهد الأمل في مدينة غزة لدراسة الصيدلة، إلا أنّه ما إن أتم إجراءات التسجيل ودفع الرسوم المقررة، حتى وجد جنود الاحتلال يعتقلونه في 23/9/1988م، ويقدمونه إلى المحكمة بتهمة الانتماء لحركة (حماس)، والمشاركة في فعاليات الانتفاضة المباركة.

قضى الشهيد عماد عقل 18 شهرًا في المعتقل، ليخرج في شهر مارس/آذار 1990م.

وفي العام الدراسي 1991-1992م تم قبول عقل في كلية حطين في عمّان قسم شريعة، إلا أن سلطات العدو الصهيوني منعته من التوجه إلى الأردن؛ بسبب نشاطه ومشاركته في الانتفاضة.

عماد عقل وحركة حماس
عمّر الإيمان قلب الشهيد عماد عقل حيث تربى في أحضان عائلته المتدينة والمساجد القريبة من مكان سكناه التي اعتاد ارتيادها منذ أن بلغ الثانية عشرة، وجد في مسجد النور القريب من مدرسة الفالوجة ضالته، إذ عرّفه أحد الإخوة الفضلاء على دعوة الإخوان المسلمين وحبه للجهاد والاستشهاد. ولقد تميز الشهيد عماد عقل -رحمه الله- بعمله الدءوب لما تتطلبه هذه المرحلة من ضرورة التواجد الإسلامي المكثف في مخيم جباليا، الذي كان يُسمى فيما سبق مخيم الثورة؛ لما للتنظيمات الأخرى من قوة وتواجد فيه، فشارك إخوانه في استنهاض همّة الشباب وتجميع الصالحين منهم.

واكبت حركة عماد عقل ونشاطه وقوة حبه للجهاد وقتال اليهود، اشتعال الانتفاضة الفلسطينية المباركة وتصاعد وتيرتها وامتدادها على طول رقعة الوطن المحتل، وما أن أطلقت (حركة الإخوان المسلمون) في قطاع غزة لشبابها وأنصارها العنان لقيادة المظاهرات وتوجيه الجماهير منذ الثامن من كانون أول (ديسمبر) من عام 1987م، حتى تقدم الشهيد الصفوف مشكِّلاً المجموعات من الشباب المسلم في المخيم؛ لملاحقة جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين الذين كانوا يعيثون فسادًا وتخريبًا.

كما شارك الشهيد عماد عقل -رحمه الله- في كتابة الشعارات الجدارية ضد العدو الصهيوني، وعُرف عنه ولعه الشديد بالمظاهرات والمسيرات الاحتجاجية، فشارك في الكثير من فعاليات الانتفاضة ضمن مجموعات السواعد الرامية التي تكونت في المخيم بعد انبثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جناحًا ضاربًا (لجماعة الإخوان المسلمين) في الضفة الغربية وقطاع غزة.

كتائب الشهيد عز الدين القسام
بعد أن خرج عماد عقل من المعتقل الصهيوني في شهر مارس 1990م بدأ اتصالاته وتحركاته للالتحاق بالجهاز العسكري لحركة حماس المعروف باسم (كتائب الشهيد عز الدين القسام) الذي يلبي رغباته وطموحاته العسكرية، فكان له ما أراد؛ إذ انتخب في بداية العام 1991م ضابط اتصال بين (مجموعة الشهداء)، وهي أول مجموعات كتائب عز الدين القسام وبين قيادة كتائب القسام.

وقد كانت مجموعة الشهداء هذه تعمل بشكل أساسي في ملاحقة العملاء الخطرين، وتصفية بعضهم إلى حين الحصول على قطع لتسليح أفراد المجموعة؛ استعدادًا لتنفيذ عمليات عسكرية ضد دوريات وجنود الاحتلال.

عماد عقل .. مطلوب لدى الاحتلال الصهيوني
في ليلة معتمة كان المجاهدان مجدي حماد ومحسن العايدي على موعد مع القدر، فقد وقع المجاهدان في الأسر أثناء محاولتهما عبور خط الحدود الدولية بين فلسطين المحتلة ومصر بالقرب من مدينة رفح في 26 ديسمبر 1991م، ليرسلا فورًا إلى قلعة الأبطال (سجن سرايا غزة) حيث يمارس التعذيب البشع والحرب النفسية والإرهابية ضد المجاهدَيْن البطلين، حتى تبدأ الصفحة المختفية في الظهور وتبرز الكلمات والخطوط والأسماء أمام عيون الجلادين الصهاينة، فاضطر المجاهد مجدي حماد تحت هذا التعذيب إلى الكشف عن أسماء أعضاء مجموعة الشهداء التي كان عضوًا فيها.

منذ ذلك التاريخ، أصبح البطل عماد عقل مطلوبًا لقوات الاحتلال وأجهزة مخابراتها ووحداتها الخاصة والمستعربة.

لكن عماد عقل الذي هزم الخوف منذ أن بايع على الشهادة، راح يواجه واقعه الجديد بشجاعة وإقدام، وإذا كان مجدي حماد -فك الله أسره- قد اضطر إلى الاعتراف بأن عماد عقل هو ضابط اتصال المجموعة، فإنّ الشهيد القائد لم يرتعب ولم يضعف، بل زاده هذا الأمر شجاعة، وفرض عليه في نفس الوقت أن يظل على أهبة الاستعداد يحمل روحه على كفه وبندقيته على كتفه، فقد عزم على الجهاد حتى الشهادة، ورفض أن ينسحب من الميدان ويخرج خارج الوطن، وبقي وفيًّا لقسمه، إذ نقل عن عماد عقل -رحمه الله- عند بداية مطاردته قوله: "من الآن فصاعدًا فأنا مطارد للاحتلال، وعليه سوف أذيقهم العلقم بإذن الله".

رحلة المطاردة
عاش شهيدنا البطل عماد عقل مع إخوانه الخمسة المطاردين حياة الأخوة بمعناها الحقيقي، ومما يسجل للشهيد ما يرويه أحد الإخوة المجاهدين الذين عرفوه، إذ يقول هذا الأخ: "في أحد مكامنه كنت وأحد الإخوة معه فقمنا نصلي، ففضّل البقاء في حراستنا ثم صلى بعد ذلك؛ حتى لا نؤخذ على حين غرة، كان خلال ذلك يحرث الغرفة جيئة وذهابًا، وكأنه يفكر في أمر يشغله، وضع بعدها لنا الطعام فلم يتناول سوى لقيمات قائلاً: لا أريد الإكثار حتى لا أتثاقل إلى الأرض، فيشغلني ذلك عن مقارعة أعداء الله".

عماد عقل في القدس
انتقل الشهيد عماد عقل عن طريق حاجز ايريز، وهو المعبر الوحيد الذي يربط قطاع غزة بفلسطين المختلة عام 1948م إلى الضفة الغربية في 22 مايو 1992م، واستقر في مدينة القدس، وما هي إلا أيام قليلة حتى تبعه إلى القدس وبنفس الطريقة بقية أفراد المجموعة، حيث تم استئجار شقتين أخريين في رام الله.

وبعد أن اكتمل عقد المجموعة، تم ترتيب اتصال مجموعة الشهداء بمسئول (كتائب عز الدين القسام) في الضفة الغربية، حيث طلبت المجموعة تزويدها بالسلاح الحديث.

ضربة قاسية
نجا عماد عقل من محاولة اعتقال حين قامت القوات الخاصة والجيش الصهيوني باقتحام الشقة التي نزل فيها مع إخوانه المجاهدين، ولحسن الحظ لم يكن عماد في الشقة، وتم اعتقال محمد أبو العطايا ومحمد أبو عياش ومحمد حرز، وكانت هذه ضربة قاسية تلقتها كتائب القسام في الضفة الغربية.

عودة عماد عقل إلى غزة
وبعد هذه الضربة انتقل عماد عقل مع باقي إخوانه إلى الخليل، ومن ثَمّ عاد إلى قطاع غزة في 13 نوفمبر 1992م بعد أن نظم العمل العسكري في الضفة الغربية، وبعد أن تم اعتقال العشرات من مقاتلي القسام في الضفة، الأمر الذي اضطر عماد عقل إلى العودة إلى القطاع.

ولم يكن الوضع في قطاع غزة بأخف وطأة على الشهيد عماد عقل وإخوانه المطاردين، فقد اشتدت الإجراءات الصهيونية، وازدادت قساوة في مختلف مدن وقرى ومخيمات القطاع، مع التصعيد الجهادي المتميز لكتائب الشهيد عز الدين القسام.

عماد عقل وعملياته جهادية
بعد أن فشلت أجهزة المخابرات الصهيونية في الوصول إلى جنرال حماس وتصفيته، لجأت إلى أسلوب آخر وهو المساومة، حيث إن رئيس الوزراء الصهيوني رابين اتصل بأهله وعرض عليهم أن يخرج عماد إلى مصر أو الأردن بسلام، على أن يعود بعد ثلاثة سنوات دون أن يُقدّم إلى المحاكمة، فردّ بطل الإسلام عماد عقل بقوله: "إن رابين لا يستطيع أن يمنع شابًّا قرر أن يموت".

وهكذا أخذ عماد عقل بندقيته وانتظر في ليلة 25 من شهر نوفمبر عام 1992م على مدخل حي الشيخ رضوان في غزة، ليردي برصاصه جنديًّا صهيونيًّا، وبعدها بشهر كان يربض أمام مفرق الشجاعية في مدينة غزة ليصرع ثلاثة من الجنود بينهم ضابط كبير، وفي نفس المفرق وبعد حوالي شهر استطاع أن يصيب اثنين من جنود الصهاينة.

وفي شهر مارس كانت رصاصاته تخترق أجساد ثلاثة من جنود الاحتلال في جباليا وغرب الشيخ رضوان عند منطقة السودانية، كان عماد عقل هناك وذلك في 20/3/1993م ليصرع ثلاثة من جنود الاحتلال، ثم قفز إلى حي الزيتون ليقتل ثلاثة آخرين، ثم كان في الخليل ليصرع جنديًّا ويجرح آخر.

وهكذا نفّذ عماد عقل خلال سنتين من المطاردة أكثر من 40 عملية، منها إطلاق نار على الجنود والمستوطنين وخطف العملاء والتحقيق معهم وقتل العديد منهم.

وما قيل في شجاعة عماد عقل ومدى الخوف الذي انتاب العدو الصهيوني منه، أن ضباط الجيش الصهيوني كانوا يقتحمون بيت أسرة عماد عقل فجأة من فوق الجدران، يقول والد عماد عقل: "سألت الضابط الصهيوني لماذا تتسلقون الجدران دون أن تطرقوا الباب، فردّ عليَّ قائلاً: إننا ندخل المنزل فجأة عن طريق الجدران؛ حتى لا يقتلنا عماد برصاصه إذا كان موجودًا في المنزل".

وبعد كثرة عملياته الجهادية الناجحة وقتله لعدد كبير من جنود الجيش الصهيوني، أصبح اسم عماد عقل يرعب الجنود، ومن شدة خوفهم وحقدهم على عماد، أصبح الجيش يتعرض لأي شاب اسمه عماد، وينهال الجنود عليه بالضرب.

وكان شكل عماد عقل مجهولاً للجنود الصهاينة، إذ لطالما تساءلوا عن أوصافه، حيث كان يمرّ بينهم وعن حواجزهم دون أن يظفروا به، فلم يكن يسمح على الإطلاق بأن تلتقط له صور، وعلى عكس مطلوبين عديدين، حرص عماد عقل على عدم الظهور علنًا.

وعُرف الشهيد القائد عماد عقل بخفة حركته وسرعة بديهته وخبرته العسكرية التي أذهلت القادة العسكريين الصهاينة، وجعلتهم يعدونه أخطر مطاردي الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى أطلقوا عليه اسم (المطارد ذي الأرواح السبعة)؛ وذلك لتمكنه من الإفلات من قبضة جيش الاحتلال أكثر من سبع مرات، رغم وجود عشرات الحواجز العسكرية في الطرقات، ووجود صورة الشهيد لدى الجنود والضباط الصهاينة.

لقد استطاع عماد عقل أن يحوِّل غزة مع رفاقه إلى جحيم حقيقي أرعب جنود الاحتلال، فوصل بهم الحال ليقول بعضهم لبعض وقت لحظات الغضب والنزاع: اذهب إلى غزة؛ أيْ (اذهب للجحيم)!

لقد اعتُبر قطاع غزة كابوسًا بالنسبة للصهاينة، يجب التخلص منه بأي ثمن. قال إسحاق رابين بعد إحدى عمليات الشهيد عماد عقل قولته المشهورة: "أتمنى لو أستيقظ من نومي فأجد غزة وقد ابتلعها البحر".

عماد عقل والخروج إلى مصر
ومع ازدياد الضغط الذي يشكله وجود عشرات المطاردين دون أن يكون في مقدور مسئوليهم توفير الملجأ الآمن في أعقاب سياسة تدمير المنازل، حينها قررت (قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام) الطلب إلى عدد كبير من هؤلاء المطاردين الاستعداد لمغادرة القطاع وعبور الحدود باتجاه مصر، حيث بدأ المجاهدون المطاردون بالخروج على شكل مجموعات صغيرة..

وعندما جاء الدور على الشهيد عماد عقل، رفض الشهيد البطل عماد الخروج من قطاع غزة متجهًا إلى خارج فلسطين في شهر ديسمبر 1992م، وأصرّ على البقاء؛ لكي ينال الشهادة على ثرى فلسطين. ومما قاله لمسئوليه الذين عرضوا عليه الخروج تلك العبارة الخالدة للشهيد الشيخ المجاهد عز الدين القسام: "سأبقى في فلسطين حتى أنال الشهادة وأدخل الجنة، هذا جهاد نصر أو استشهاد".

عماد عقل .. موعد مع الشهادة
بعد مضيّ عامين على مطاردة الشهيد عماد عقل من قِبل الصهاينة، ظل فيها البطل يجوب الضفة الغربية وقطاع غزة يقاتل الصهاينة، ويشكل المجموعات الجهادية لمقارعة المحتلين.

وفي يوم الأربعاء الموافق 24 نوفمبر 1993م وبعد أن تناول الشهيد طعام الإفطار مع بعض رفاقه في حي الشجاعية في منزل الشهيدين القساميين نضال ومحمد فرحات، وبعد لحظات من دخوله المنزل انتشر عدد كبير من القوات الخاصة وقوات الجيش الصهيوني تحاصر المكان، فقال لمن حوله: "حان الآن موعد استشهادي"، فقفز شهيدنا البطل عماد عقل من فوق سطح المنزل صارخًا الله أكبر بعد أن صلى ركعتي الشهادة، وبدأ تبادل إطلاق النار بين الشهيد وقوات الاحتلال، أسفر عن مصرع عدد من جنود الاحتلال، واستشهاد عماد عقل بعد أن أصاب جسده إحدى القذائف المضادة للدروع التي استخدمها الجنود في معركتهم مع عماد عقل، وقد أصابت القذيفة وجه الشهيد الطاهر.

وبعد أن تيقن الصهاينة من استشهاد عماد عقل، قام عدد منهم بالرقص فرحًا وطربًا لمقتل البطل القائد، وأخذوا ينشدون (عماد.. عماد..!!).

وهكذا انطوت صفحة عظيمة من صفحات الجهاد الفلسطيني المقدس، تلك الصفحة التي كتبها المجاهد الفلسطيني الشاب عماد عقل رحمه الله، الذي استشهد ولم يتجاوز عمره 22 عامًا بعدُ، إلا أن حياته القصيرة أثّرت تأثيرًا بالغًا في تاريخ القضية الفلسطينية.

المصدر : قصة الإسلام