نشأته : 

في وسط هذا الجو الملئ بالفتن والهجوم على الإسلام وأهله رحل عنا عالم جليل قضى طيلة حياته عاملا ومجاهدا ومدافعا عن هذا الدين وحرماته ومقدساته.

ظل ما يقرب من القرن يعمل على تربية المجتمع من خلال فهمه الوسطي الشمولي لهذا الدين حتى كان نبراسا وقدوة لمن عرفوه، أو عايشوه، أو قرأوا عنه وله، إنه الشيخ الدكتور محمد نايل عميد كلية اللغة العربية سابقا.

فقد فوجئ الجميع بوفاته يوم الثلاثاء الموافق 2 فبراير 2010م الموافق 18 من صفر 1431هـ.

ففي إحدى محافظات الصعيد نشأ الشيخ محمد نايل أحمد وتربى معاني الرجولة الحقة والغيرة على الإسلام، ففي قرية دشلوط التابعة لمركز ديروط بمحافظة أسيوط كان مولد الدكتور محمد نايل أحمد في 2 يناير1909موتلقَّى تعليمه بكتاب القرية؛ حيث بدأ بحفظ القرآن الكريم والقراءة والكتابة والحساب، ولقد أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً في سن الثانية عشرة، ثم التحق بالمعهد الديني بأسيوط عام 1925م، وحصل منه على الشهادة الثانوية عام 1931م، وكان ترتيبه الأول على جميع المعاهد الدينية بالقطر المصري.

ومما يذكر أنه في يناير 1926م نقل الشيخ صالح موسي شرف العدوى إلي المسجد الأموي بأسيوط ثم عين مدرساً في معهد أسيوط الديني عام 1927هـ وكان من بين تلاميذه بالمعهد الأساتذة محمد نايل ومحمد قناوي ويحيي عبدالعاطي وغيرهم كثير ممن شغلوا مناصب هامة بالأزهر الشريف بعد تخرجهم.

التحق بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة في عام 1931م، وتفوق فيها حتى حصل على الشهادة العالمية عام 1935م، بالرغم من كونه قد فُصل منها وهو في السنة النهائية في حركة الطلاب ضد شيخ الأزهر الشيخ محمد الأحمدي الظواهري والذي كان ينفذ سياسة الملك على حساب الأزهر حيث أضرب الطلبة في 8نوفمبر 1934م مما اضطر الشيخ الظواهري لتقديم استقالته في 27 أبريل 1935م، وأُعيد الشيخ المراغي شيخًا للأزهر للمرة الثانية والذي أعاد قيد الطلبة المفصولين وكرمهم.

ولقد قال الشيخ محمد نايل في حق الشيخ المراغي قولته: إن الإمام المراغي كان ثورة لا يهاب أحدًا في سبيل الحق.

لقد قاد الشيخ رحمة الله زملاءه‏ وتلاميذه بمن فيهم الباقوري‏,‏ والشعراوي وغيرهما من أعلام الأزهر في القرن العشرين‏,‏ إلي مزج السياسة بالعلم‏,‏ وإلي تطعيم الدراسة بالوطنية‏,‏ وإلي تنقية العمل الوطني من النمطية والانتهازية معا‏,‏ وإلي الارتفاع عن الصغائر‏,‏ وإلي الانحياز للقيمة.‏

وفي عام 1943م حصل على الشهادة العالمية (الدكتوراه) في البلاغة والأدب، وعين مدرسًا بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر في نفس العام، وحصل على درجة الأستاذية عام 1961م، وفي عام 1967م عين عميدا للكلية لمدة عامين ثم أعير إلى السعودية وليبيا ليكون عميدا لكليات اللغة هناك، وبعد تقاعده عيِّن أستاذًا متفرغًا بقسم الدراسات العليا بكلية اللغة العربية بالقاهرة من عام 1982م، وانضم لمجمع اللغة العربية في 16 ابريل 1986م حيث يقول الأستاذ الدكتور محمد رشاد الطوبى –في كلمة المجمع في تأبين عضو المجمع الأستاذ الدكتور حامد جوهر (عالم البحار):" منذ سبع سنوات خلت، وبالتحديد فى اليوم السادس عشر من شهرأبريل سنة 1986م ( ست وثمانين وتسعمائة وألف ) جلستُ أمام هذه المنصة مع زميلي الكبير المرحوم الأستاذ الدكتور حامد عبد الفتاح جوهر فى حفل أقامه المجمع لاستقبال ثلاثة من أعضائه الجدد هم: المرحوم الأستاذ الدكتور محمد زكى شافعي رحمه الله رحمة واسعة، والأستاذ الدكتور محمد نايل أحمد أمد الله فى عمره، ثم شخصي الضعيف"، وكما ورد في موقع مجمع اللغة العربية الالكتروني أن من بين الأعضاء الحالين الشيخ محمد نايل.

ومع ذلك لم ينس الشيخ قريته الصغيرة فقد أسس فيها معهد دشلوط الديني ليكون منارة علم لأبناء القرية.

الشيخ ودعوة الإخوان المسلمين

تميز الشيخ بوطنيته وغيرته على وطنه السليب الذي عاث المحتل فيه فسادا فنهب خيراته وثرواته، كما تميز باتساع افقه ففهم أن الإسلام لا يفرق بين الدين والسياسة ومن ثم كان في طليعة الشباب الذين حملوا عبء الدفاع عن هذا الوطن وخاضوا غمار السياسة، فكانت المظاهرات المشهورة التي عملت على إعادة الشيخ محمد المراغي شيخا للأزهر مرة أخرى عام 1935م.

التحق الشيخ بجمعية الشبان المسلمين غير أنه بعد فترة وجد أن دعوة الإخوان المسلمين أرحب وأشمل في الفهم والعمل فانضم لها وبايع الإمام البنا بعدما وجد الشيخأحمد حسن الباقوري قد التحق بها ، ومن الثابت أنهما لم يلتحقا بجماعة الإخوان عام 1936م –كما يذكر بعض الباحثين- لكن التحق قبل ذلك بفترة حيث التحق الشيخ الباقوري بها عام 1933م، أما الشيخ محمد نايل فقد التحق بعده بفترة بسيطة حيث إنه اختير عضو في مجلس شورى الجماعة الثالث الذي عقد في القاهرة يوم السبت 11 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 16 من مارس 1935م حتى يوم الاثنين 13 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 18 من مارس 1935م، واختير الشيخ الباقوري ليكون عضوا بمكتب الإرشاد بنفس المجلس، ولم يكن الشيخ محمد نايل عضو في مكتب الإرشاد في يوم ما كما يذكر البعض.

وبعد عقد المؤتمر الخامس قام الإمام البنا بإعادة تشكيل مكتب الإرشاد، وتوزيع الأعمال على أعضائه، كما قام بتحديد أهل الخبرة من الإخوان العاملين الذين حملوا الدعوة، وسبقوا إليها، واعتبرهم أهل الشورى للجماعة، وذلك عام 1939م، وكان الشيخ محمد نايل أحد هؤلاء الأعضاء ومن ضمن الأعضاء الشيخ أحمد حسن الباقورى، محمد فتح الله أفندى درويش، الشيخ مصطفي الطير، الأستاذ عيسي عبده، الأستاذ أحمد أفندى عطية، حسين أفندى بدر، عبد الرحمن أفندي الساعاتي،أسعد أفندي راجح، عبد المنعم أفندى فرج، طاهر عبدالمحسن وغيرهم الكثير.

كانت للشيخ جهوده الكثيرة داخل الجماعة سواء في الدعوة أو الكتابة في صحف الإخوان أو إلقاء المحاضرات، أو البذل بالمال فقد نشرت جريدة النذير قوائم بأسماءالإخوان الذين استجابوا وقرروا المشاركة فى سهم الدعوة تحت عنوان "صفحة الرعيل الأول" حيث قالت كان من السابقين إلى استجابة نفير الجهاد بالمال حضراتالإخوان الذين نذكر أسماءهم بعد، ولا يسعنا إلا أن نثنى على إيمانهم القوى المتين، داعين كافة الإخوان إلى متابعتهم والتضحية معهم فكان منهم الشيخ محمد نايل الذي تبرع بالعشر.

ومما كتبه الشيخ في جريدة الإخوان المسلمين في يونيو 1937م مقال بعنوان: "من جهل شيئًا عاداه" استنكر فيه فهم بعض نواب البرلمان للدين وتفريقهم بين الدين والسياسة، واتهمهم بالجهل في فهمهم للدين والسياسة التي فهموها على أنها المناورات الحزبية وأن الدين لا علاقة له به، وأن رجال الدين في غنى عن سياستهم التي هم حريصون على أن يدفعوا الناس عنها، وأن يجعلوها شيئًا غير الدين، لأنها ليست هي السياسة التي يتشرف رجال الدين بالاشتغال بها، ويعتز الإسلام بالقرب منها. فإن للدين سياسة غير سياستهم لابد أن تأخذ مكانها يومًا من الأيام قريبًا كان أو بعيدًا والعاقبة للمتقين".

كما تفاعل الشيخ مع قضايا المسلمين فكتب في مجلة النذير عام 1938م تحت باب: "يوم فلسطين في العراق" مقالاً بعنوان: "جناية خطيرة على مصر وكرامتها وليس الجاني سوى حكومة مصر" تعرض فيه لما حدث بالعراق من تضامن مع شعب فلسطين، وموقف الحكومة والعلماء والشعب هناك، ومقارنته بما حدث في مصر.

ويذكر الأستاذ جمعة أمين: انه يوم 22شوال 1357هـ الموافق 15ديسمبر 1938م عقد مؤتمر للإخوان في الزقازيق حيث تحدث فيه الأستاذ أحمد السكري،والأستاذ فهمي أبو غدير عن طلاب الجامعة، وتحدث عن الأزهر الشيخ محمد نايل، ثم اختتم المؤتمر بكلمة الإمام الشهيد حسن البنا.

الشيخ والمحنة

ما كان لهذا العلم وهذه الشامة أن يترك دون اختبار رباني، فقد ابتلاه الله بمحنة السجن والتعذيب الشديد فيه خاصة في عهد إبراهيم عبدالهادي وهو العهد الذي سمى العسكري الأسود حيث قبض عليه بعد مقتل النقراشي باشا واتهم وزج باسمه في هذه القضية وتعرض للتعذيب الشديد حيث جاء في حيثيات القضية ما يلي:

"وفي نفس الجلسة قال المتهم محمد نايل أمام المحكمة إنه كان يُضرب على قفاه من ضباط القلم السياسي وهو جالس في الغرفة المجاورة للمحقق، وأنه أُخذ بحجة التحقيق معه في النيابة واقتيد إلى قسم عابدين، حيث هدده رجال القلم السياسي بتشريح جسمه إذا لم يعترف.

وقال إنه بعد أن نال ضرباً مبرحاً أخذ مكبلاً إلى غرفة الحكمدار، فوجد فيها إبراهيم عبد الهادي باشا، فدهش لوجوده.. ويظهر أن رئيس الوزراء لاحظ تلك النظرة فقال له: " بتبص لي كده ليه ؟ أنت عندك حاجة يا واد؟" ثم أمر بإخراجه حيث ضرب بالفلقة.

وقد تقدم المتهمان السابع السيد فايز عبد المطلب والخامس عشر محمد نايل طالبين رد رئيس المحكمة .. فتنحى مؤقتا ونظر أسباب الرد العضوان الآخران في حجرة المداولة وبعد ساعتين نطقت الهيئة برفض ذلك الرد".

وبدأت جلسات هذه القضية في 194927/8/م = 3 ذو القعدة 1368هـ وكانت آخر جلساتها في 194925/9/م = 2 ذو الحجة 1368هـ.

وفى يوم الخميس {194913/10/م = 20 ذو الحجة 1368هـ} صدر الحكم فى القضية كالآتي:-

أولا: معاقبة عبد المجيد أحمد حسن بالإعدام.

ثانيا: معاقبة كل من محمد مالك والدكتور عاطف عطية وشفيق إبراهيم أنس ومحمود كامل السيد بالأشغال الشاقة المؤبدة.

ثالثا: براءة كل من كمال سيد القزاز وعبد العزيز البقلى والشيخ السيد سابق والسيد فايز عبد ومحمد صلاح الدين عبد المعطى وعبد الحليم محمد أحمد ومحمود حلمي فرغلى ومحمد أحمد على وجلال الدين يس والشيخ محمد نايل مما أسند إليهم.

جهوده

لقد كان للشيخ دور بارز في مجال كثيرة في خدمة دينه فقد كان له دور في إنشاء دار التوحيد بالطائف أثناء إعارته بالسعودية ‏(‏ وهي ثاني أهم المعاهد التعليمية المستحدثة في السعودية‏)‏ فيما بين‏1949‏ و‏1951,‏ ودوره في إنشاء الكليتين اللتين كانتا نواة لإنشاء جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض‏,‏ ثم إنشاء الكلية التي كانت نواة لإنشاء جامعة الملك عبدالعزيز بجدة‏,‏ ثم دوره في إنشاء الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة‏,‏ وجامعة بنغازي بليبيا‏.

ومن الرسائل علمية في الأدب الإسلامي التي اشرف عليها الشيخ:

1- الأثر القرآني في الصور الأدبية: صلاح الدين محمد عبدالتواب، إشراف محمد نايل أحمد. جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، 1969، ماجستير.

2- رشيد رضا: عصره وحياته وجهوده الأدبية واللغوية: أحمد الشربيني جمعة الشرباصي، إشراف محمد نايل أحمد.

جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، 1967، دكتوراه.

3- تصوير الأدب للإسلام وأحداثه في خطابة الصدر الأول: محمد محمد خليفة، إشراف محمد نايل أحمد.

جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، 1967، دكتوراه.

ومن كتب الشيخ:-

1- اتجاهات وآراء في النقد الأدبي الحديث، مطبعة العاصمة، القاهرة، د.ت.

2- نظرية العلاقات أو النظم بين عبد القاهر الجرجانى والنقد الغربي الحديث، دار المنار 1409ه - 1989 م.‏

الشيخ وقضايا الأمة

لقد تفاعل الشيخ محمد نايل مع القضايا التي تتعرض لها الأمة فقد كان له دور قوي في شحذ همم الجنود والمقاومة في حرب أكتوبر عام 1973م، حيث خرج على رأس قافلة الأزهر تلبية لدعوة الشيخ حافظ سلامة في أثناء الحصار الإسرائيلي لمدينة السويس، والذي استمر عدة أيام عصيبة في أواخر شهر أكتوبر عام 1973م، وفي ذلك يقول عنه الشيخ حافظ سلامة: وأذكر للتاريخ الدكتور محمد نايل عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر كان مسئولاً عن توعية كتيبة من مدفعية "هوزر"والتي كانت تقع بضواحي السويس، وكان يرى الجند عند اشتباكهم مع جنود العدو وهم يصيحون "هه/ هه" فيقول لهم: لماذا لا تغيرون "هه/ هه" إلى الله أكبر عند حملكم دانات المدفعية أو انطلاقها بل وفي جميع تحركاتكم فإن عناية الله ستكون معكم، ولم تمض ساعات بعد خروج الدكتور محمد نايل ومع توصيته لهؤلاء الجنود ولأول مرة تشهد المعركة عند تبادل طلقات المدفعية بيننا وبين مدفعية العدو يبدأ أبناؤنا بتنفيذ وصية الدكتور نايل بشعار الله أكبر، فإذا بهم ولأول مرة يخرسون مدفعية العدو ويصيبونها في مقتل وتنتصر المدفعية المصرية لأول مرة.

وعند غزو العراق للكويت كتب الشيخ محمد نايل في جريدة الأخبار المصرية في 14/ 10 / 1990م قوله:

أبدأ هذا الحديث بهذا السؤال : ما الذي جرأ هذا الصدام على أن يتحدى هذا العالم كله ، ويرفض في غرور أن يستجيب لإرادته ؟!! إن الجواب على هذا السؤال لجواب مر شديد المرارة ، يؤذي حلوق الناس جميعا ولكنه -على مرارته-هو الحقيقة الواقعة التي لا ينكرها منصف يذعن للحقائق .. إن الذي جرأ هذا الصدام وجرأ الكثيرين قبله على تحدي العالم هو العالم نفسه..!

إن هذا العالم بجميع دوله ومؤسساته مصاب بأمراض كثيرة وخطيرة .. مصابة دوله بالأطماع والأحقاد والعصبيات والهوى المطاع ..!

ولو كان هذا العالم صحيحا معافى ، وكانت مؤسساته سليمة البنيان قوية الأركان ، ما اجترأت دولة ولا حاكم مهما كان وزنه أن يخرج على إجماع العالم ويتحدى قراراته ، لكن القوى الكبرى في عالمنا لم ترض للمؤسسات التي ابتدعتها أن تكون صحيحة البنية ، نافذة الكلمة.

وقد شارك علماء الأزهر بمطالبة الفاتيكان بوقف الانحياز لليهود وذلك قبل أيام من زيارة البابا يوحنا بولس الثاني التاريخية إلى مصر يوم الخميس المقبل 24 فبراير2000م.

ولقد شارك علماء الأزهر الشريف في توجيه نداء إلى السيد رئيس الجمهورية بشأن تجاوزات وزارة الثقافة المثيرة بسبب ما تنشره من كتب وروايات تهاجم الشريعة الإسلامية وتطعن في الدين وتنشر الإباحية.

رحم الله الشيخ واسكنه فسيح جناته مع النبين والصديقين والشهداء والصالحين.