نشرت صحيفة "الموندو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن مدى تأثير العقاب على شخصية الطفل، مشيرة إلى أن التربية لها تأثير قوي على شخصية الطفل، على خلاف العقاب الذي لا يدوم تأثيره طويلا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن معاقبة الأطفال من شأنها أن تخلق مسافة عاطفية بينهم وبين آبائهم. فأحيانا نلاحظ أن العديد من الآباء يعاقبون أطفالهم عن طريق حرمانهم من التلفزيون، أو المحمول أو ألعاب الفيديو. لكن، يبدو أن الاعتماد على العقوبات كإستراتيجية تعليمية أصبح أمرا لا يتوافق مع مجتمعاتنا الحالية. وهو ما أكدته الأبحاث الأخيرة، التي تهدف إلى تطبيق هذه العقوبات بشكل إيجابي يعود بالنفع على الطفل، ويحث الوالدين على الابتعاد عن فكرة "المنع" التقليدية.
وأوضحت "الموندو" أن الهدف من العقاب يكمن في تعويد الأطفال على طاعة والديهم، إلا أنه ليس الخيار الأمثل في التعامل معهم. في هذه الحالة، من الأفضل أن يعتاد الأطفال على الإصغاء لنصائح الوالدين. كما يتعين على الوالدين السعي إلى إصلاح بعض السلوكيات السيئة لدى أطفالهم، لأن الهدف هو تربية الطفل وتهذيب سلوكه وليس فقط تعليمهم الطاعة والإذعان. لكن، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن عدم استخدام العقاب كوسيلة تربوية لا يفترض ترك الأطفال يفعلون ما يريدون.
ونقلت الصحيفة عن أستاذتي علم النفس سيسيليا مارتن ومارينا غارسيا، أنه "من الضروري أن نضع حدودا وقواعد لأطفالنا لأنها ضرورية لتعليمهم وتطوّرهم". وفي هذا السياق، أكدت الخبيرتان أن هذه الحدود يمكن أن تمنح الطفل شعورا بالأمن. وبهذه الطريقة، ينمو الأطفال وهم على دراية بكيفية عمل العالم من حولهم، ما يجعلهم مدركين جيدا لماهية القواعد التي يجب عليهم احترامها.
ووفقا للخبيرتين، فإن "استخدام العقاب أمر غير ضروري، نظرا لوجود أساليب أخرى أكثر إيجابية واحتراما لكيان الطفل، ناهيك عن أنها لا تمسّ ثقته بنفسه أو علاقته مع الأكبر منه سنا. فما نريده كآباء ليس أن يطيعنا أطفالنا لأننا نأمرهم بذلك، وإنما لأننا نريد لهم أن ينضجوا ويكتسبوا حرية الفكر، واحترام الآخرين وأنفسهم وبيئتهم".
وأضافت الصحيفة أن العقاب يمكن أن يدفع الطفل إلى طاعة والديه والتصرف بسلوك حسن، ويمكن أن يكون أمرا فعالا حقا، لكنه يبقى قصير المدى. لذلك، ينبغي أن نفهم أن الأهم من ذلك هو تربيتهم، من خلال تعليمهم كيفية التفكير فيما يقومون به، وليس الطاعة فقط. ففي حال استعمال العقوبة، سوف يطيع الطفل والديه بدافع الخوف، وليس لأنه فهم القاعدة أو استوعبها.
وأفاد التقرير بأنه مع المراهقين يجب أن تكون القواعد والحدود أكثر وضوحا، إذ يجب على الأولاد أن يعرفوا بأنفسهم ما عليهم القيام به، وأن يدركوا عواقب سلوكهم. وفي هذا الصدد، قال طبيب النفس الإسباني خوسيه أمادور ديلغادو مونتوتو، مؤلف كتاب "ابني لا يدرس، لا يساعد، لا يطيع، 25 قاعدة لحلها"، إنه "إذا كانت القواعد ونتائجها واضحة لأطفالنا، فلا داعي إلى اللجوء إلى الملاذ الأخير، وهو العقاب، لأن الحل الأنسب هنا هو الحوار".
ففي بعض الأحيان، يمكن أن يضع الآباء عقوبات لا تتناسب مع ما الخطأ الذي اقترفه الطفل، أو اللجوء إلى توبيخه في إشارة إلى شخصه بدلا من موقفه. وبالتالي، من الأفضل أن نصحح سلوك أطفالنا بدلا من اللجوء إلى معاقبتهم، لأن العقاب من شأنه أن يؤثر على الشخص ويحطّ من قيمته. كما يجب أن نسعى دائما إلى تصحيح السلوك وليس الطفل فالعقوبات يمكن أن تضعف الثقة بين الآباء والأطفال.
ومن جهتهم، بين علماء أن "العقاب يولد العدوان والتمرد لدى الأطفال، وبمرور الوقت، سوف يساهم الآباء الذين يستخدمون العقاب في زرع الاستياء وانعدام الثقة في أطفالهم، والتأثير على حياتهم الاجتماعية". وفي هذه الحالة، ترى الأخصائية النفسية سيلفيا ألافا أن "تربية الطفل ترتكز على مبدأين رئيسيين وهما "التعزيز والانقراض"، والهدف من ذلك يكمن في تعزيز السلوكيات الإيجابية التي تؤدي بشكل فعال إلى القضاء على الصفات السلبية للطفل.
وأشارت الصحيفة إلى أن التعزيز في هذه الحالة يكمن في تقدير أعمال الطفل والإشادة بمجهوداته مهما كانت تافهة، مثل جمع ألعابه. وفي هذا الصدد، بينت سيلفيا ألافا، أنه "لا يوجد تعزيز أفضل من اهتمام الوالدين"، مؤكدة أن "مفهوم "الانقراض" يكمن في محاولة منع الأطفال من فعل ما لا يحبه الوالدين، وإثارة انتباههم لهذا الأمر بدلا من معاقبتهم.
وفي الختام، أضافت الصحيفة أن الآباء سيتمكنون من خلال إتباع هذه الطرق إلى حث أطفالهم على الامتثال لقواعد المنزل دون تذمر. ومن هذا المنطلق، لا بد من تربية الأطفال بطريقة إيجابية، لذلك بدلا من التأكيد على العقاب، ينبغي أن نقول لهم شيئا من قبيل؛ "اليوم لن تفوز بحق مشاهد التلفزيون أو اللعب بجوال ماما وبابا".
إلى جانب ذلك، يجب أن يعرف الطفل أن اللعب بالمحمول يفترض القيام بالواجبات المنزلية وحسن السلوك، وبطبيعة الحال يجب أن تكون هذه الحقوق والحدود ملائمة لأعمارهم.