20/10/2010

نافذة مصر ـ  ويكبيديا / كتب / عمر الطيب :

عام 1998 تحدثت مع سوريين مغتربين ـ عوام ـ ماذا لو رأي أحدكم الأسد الرئيس فى منامه ، فاعتدلوا فى جلستهم ، ثم انتصبوا وقوفاً ، وعجزوا عن الكلام ، قلت لهم واضح أن للرجل هيبة ، الشباب كانوا أعضاء ً فى حزب البعث ، وقالوا أن البعث يضمن لأعضائه التموين فى الأزمات ، والطعام حين الجوع ، والدواء حين المرض ، ويضمن للأم والأب حياة أولادهما ،  كنت أظن أن هذه الأمور ستتغير مع مقدم الرئيس الطبيب بشار ، لكنها ساءت !

من هذا المدخل أسرد حكاية طل الملوحي :

الميلاد

طل  الملوحي ، ولدت في حمص في 4 نوفمبر 1991، وهي مدونة سورية وطالبة بإحدى مدارس حمص الثانوية، اعتقلها جهاز أمن الدولة السوري في 27 ديسمبر 2009 على خلفية نشرها بعض المواد "ذات الخلفية السياسية" على مدونتها، وانقطع الاتصال بها، كما تعذرت زيارة أهلها لها أو معرفة مكان احتجازها منذ ذلك التاريخ، وحتى الآن .

الإستدعاء

وهي فى الخامسة عشرة من عمرها ، تحديداً في سنة 2006 استدعيت طل الملوحي للأمن بسبب مناشدة وجهتها ـ عبر موقع النادي السوري ـ إلى الرئيس بشار الأسد للإسراع في عملية التحول الديمقراطي بالبلاد، قائلة إنه "كرئيس يحتم عليه منصبه وقف الفساد المستشري"، مذكرة إياه "بما قطعه من وعود". واستخدمت طل اسمها الثلاثي في هذه المناشدة، التي حذفت فيما بعد من أرشيف الموقع، وفي سنة 2007 تكرر استدعاء الأمن لطل ثلاث مرات على الأقل.

الهرب

وفي نهاية صيف 2007 قررت الأسرة مغادرة سوريا إلى مصر، حيث بدأ الأب عملاً تجارياً محدوداً (محل كمبيوتر وإنترنت) بعد أن حصل على إجازة دون راتب من عمله. وفي يونيو 2008 عادت طل إلى دمشق لإتمام الامتحانات ونزلت طرف خالتها. استدعيت للأمن مرتين على الأقل (لساعات ثم سمح لها كل مرة بالمغادرة)، وعادت طل إلى القاهرة في الشهر التالي (يوليو 2008). ثم انخرطت منذ نهاية سنة 2008 وحتى أبريل 2009 في دراسة اللغة الإسبانية بمعهد ثربانتس بالقاهرة؛ إذ كانت تتطلع للدراسة بالخارج.
وفي فبراير 2009 استدعيت طل إلى السفارة السورية بالقاهرة وتم التحقيق معها (دون السماح لوالدها بحضور التحقيق) يوم 21 فبراير 2009 وسئلت عن أسماء من تعرفهم من نشطاء الإنترنت من سوريين بالخارج، كما حذرت من النشر أو الاتصال بمواقع إلكترونية أو صحف. وفي يوليو 2009 عادت إلى سوريا وظلت هناك حتى اعتقلت في ديسمبر 2009، وكان الأب قد فضل العودة إلى سوريا لاستكمال السنوات الأربع المتبقية للحصول على كامل المعاش التقاعدي، خاصة أن أرباح عمله الخاص في مصر لم تستمر (بحسب الأسرة).

الإختفاء

حسب تقارير صادرة عن مؤسسات حقوقية سورية، فإن جهاز أمن الدولة السوري أرسل استدعاء الملوحي في 26 ديسمبر 2009 للتحقيق معها حول مقال كانت قد نشرته في مدونتها، وفي صباح اليوم التالي سافرت الفتاة بمفردها ولم تعد.
وفي 28 ديسمبر داهم منزل الأسرة في حمص عدد من عناصر الجهاز المذكور وصادروا جهاز الحاسوب الخاص بها وبعض الأقراص المدمجة وكتباً وأغراضاً شخصية أخرى[. ومنذ ذلك التاريخ لم تعد الملوحي إلى ذويها وحرمت من المشاركة في امتحانات الشهادة الثانوية ، وقوبلت زيارات الأهل لمركز الاعتقال التابع لأمن الدولة بتطمينات غامضة بأن أمورها جيدة، دون تقديم أي معلومات إليهم حول أسباب احتجازها.

وعلاوة على العديد من المحاولات المحبطة لرؤيتها في مركز اعتقال دمشق، كانت عائلة الملوحي قد تقدمت ـ بحلول نهايات سبتمبر 2010 ـ بثلاثة طلبات خطية لزيارتها في مكاتب جهاز أمن الدولة وبعثت بمناشدتين على شبكة الإنترنت إلى الرئيس بشار الأسد، تهيبان به بأن يتدخل من أجل إخلاء سبيلها.

في 4 مارس 2010 نشرت المنظمة الوطنية السورية لحقوق الإنسان (المجازة في سوريا) عن اعتقال الطالبة، داعية للإفراج عنها قبيل الامتحانات، ومتسائلة إذا ما كانت الفتاة "في صحة صحية ونفسية تسمح لها بأداء الامتحانات.

في أبريل 2010 علمت أسرة طل أن ابنتها تعرضت للتعذيب منذ اعتقالها وحتى نهاية فبراير 2010 على الأقل، ولم يتوقف التعذيب إلا بعد تدهور حالة الفتاة الصحية. نقلت طل إلى مقر المخابرات مرة واحدة على الأقل (في يونيو 2010) ولم تعلم الأسرة بوجودها في فرع التجسس سوى في يوليو .

في مطلع سبتمبر 2010 ناشدت والدة المدونة المحتجزة ـ في رسالة نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان ـ الرئيس السوري بشار الأسد التدخل للإفراج عن ابنتها المعتقلة، مؤكدة عدم صلة ابنتها "بأي تنظيم سوري معارض أو غير معارض"وأن ابنتها "لا تفقه شيئاً في السياسة"، كما أن جدها محمد ضيا الملوحي كان أحد رجال نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد، إذ شغل منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب في عهده ، كما كان عضواً بمجلس الأمة الاتحادي في زمن الوحدة المصرية السورية. وكانت والدة طل الملوحي قد تلقت وعداً من "إحدى الجهات الأمنية" بأن ابنتها سوف يفرج عنها قبل شهر رمضان ولكن الشهر انتهى دون أن يتحقق هذا الوعد. وانتشرت بعد أيام من نشر هذه الرسالة شائعات عن مصرع طل تحت وطأة التعذيب، وهو ما نفاه ناشطون سوريون وقتها.

في 20 سبتمبر 2010 نشر موقع "دي برس" الإخباري السوري أن طل الملوحي موجودة في سجن دوما للنساء (20 كم شمال غرب دمشق)، ولكن والدتها السيدة عهد الملوحي نفت ـ في اتصال مع مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم 22 سبتمبر ـ صحة هذا الخبر، قائلة إنها زارت سجن دوما ولكنهم أخبروها أن ابنتها لم تنقل إلى ذلك السجن .
ولا تعد حالة الملوحي هي الأولى من نوعها، إذ ألقي القبض على العديد من السوريين الذين اتجهوا إلى التدوين للتعبير عن آرائهم، وحكم على بعضهم بالسجن لمدد طويلة، مما دفع بعض المدونين السوريين إلى الكتابة تحت أسماء مستعارة، ولكن تظل معدلات قراءة هذه المواد السياسية قليلة، خوفاً من الرقابة المفروضة على الإنترنت، ، كما حظرت السلطات السورية ما يقدر بمائتي موقع على الإنترنت من بينها موقع فيس بوك وموقع بلوغ سبوت وموقع يوتيوب، غير أن بعض المستخدمين السوريين وجدوا سبلاً للالتفاف حول ذلك الحظر.

كانت طل الملوحي تنشر كتاباتها في ثلاث مدونات، إحداها ـ وهي مدونتها الرئيسة ـ تسمى "مدونتي"، ويرجح أن اعتقالها يرجع إلى مقال أو مقالات نشرت في هذه المدونة تحديداً، فالمدونة تضم قصائد ومقالات تؤيد القضية الفلسطينية وتنتقد الاتحاد من أجل المتوسط وهي مبادرة دبلوماسية فرنسية تجمع دولاً عربية وأوروبية بالإضافة إلى إسرائيل، إلى جانب صورة لغاندي مكتوباً فوقها "ستبقى مثلاً" وصور الشيخ رائد صلاح وأبناء محمود الزهار "الشهداء" وصور تيسير علوني وأردوغان، مع عبارة شكراً فنزويلا وصورة لجورج بوش على هيئة هتلر، وصورة في خلفيتها "لا للتعذيب". وقد نشرت طل آخر تدوينة في هذه المدونة بتاريخ 6 سبتمبر 2009، وكانت قصيدة بعنوان "القدس، سيدة المدائن"، ويلاحظ أن هذه القصيدة هي الشيء الوحيد الذي نشرته طل في مدوناتها في الفترة بين عودتها إلى سوريا من مصر واعتقالها.