بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

درج الظالمون على اختلاق تهم يلصقونها بالمظلومين للإيهام بأنهم يعاقبونهم على ما اقترفت أيديهم ويتنصلون هم من وصف الظلم، كما في القصة الرمزية التي رواها القدماء عن الذئب الذي اتهم الحمل بتعكير الماء تمهيدًا لافتراسه، وقد حكى لنا القرآن الكريم أن فرعون الطاغية الظالم قال عن موسى عليه السلام: ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾، بل إن قوم لوط حينما أرادوا أن ينفوه من قريتهم تعللوا بأنه وآله أطهار يتعففون عن شذوذهم وقذارتهم ﴿فَمَا كَان جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آل لُوطٍ مِن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُم أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾. وفي العصر الحديث تذرعت بريطانيا بشجار وقع بين مواطن مصري وآخر مالطي في الإسكندرية لتحتل مصر كلها مدة 72 عامًا.

مكافحة الإرهاب ذريعة أم حقيقة؟:
وفي الأعوام الأخيرة رفع الغرب شعار (مكافحة الإرهاب) ذريعة للعدوان على العالم الإسلامي وتمزيقه واحتلال بلدانه، وفي نفس الوقت ستارًا لإخفاء حقيقة وطبيعة هذا العدوان، ولقد ظلت كلمة (الإرهاب) فضفاضة بدون تعريف محدد حتى الآن، وهكذا أصبحت تهمة (الإرهاب) هي التهمة الشائعة التي يلصقها الغرب بكل من لا يرضى عنه الغرب ومن يريد أن يشوه صورته أو يشن عليه حربًا لا هوادة فيها، وفي نفس الوقت هي الستار الذي يحارب من ورائه الإسلام والمسلمين.

هل يمكن أن يكون راعي الإرهاب الأول هو من يكافحه؟:
لقد أفلتت من لسان جورج بوش وهو يغزو أفغانستان مقولته: "إنها حملة صليبية مقدسة"، وفي لحظة صدق مع قومه كتب المفكر الأمريكي (فوكوياما) ما نصه: "إن الصراع الحالي ليس ببساطة ضد الإرهاب، ولكنه ضد العقيدة الإسلامية الأصولية التي تقف ضد الحداثة الغربية وضد الدولة العلمانية، وهذه الأيديولوجية تمثل خطرًا أكبر من الخطر الشيوعي، والمطلوب هو حرب داخل الإسلام حتى يقبل الحداثة الغربية والعلمانية والمبدأ المسيحي (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)".

والغريب أن أمريكا التي تدعي أنها أكثر الدول عداوة للإرهاب وحربًا عليه، هي أكثر الدول ظلمًا وصناعة للإرهاب منذ تأسست، فهي التي أبادت شعب (الهنود الحمر) ويبلغون عشرات الملايين، وهي الدولة الوحيدة التي استخدمت القنابل الذرية رغم أن اليابان كانت على وشك الاستسلام في الحرب، وهي التي احتلت فيتنام وأفغانستان والعراق وقتلت فيها الملايين، وهي التي قلبت أنظمة الحكم المدنية الشعبية بانقلابات عسكرية في كثير من الدول، وهي التي دعمت الأنظمة الديكتاتورية ضد شعوبها، وهي التي تدعم الاحتلال والإرهاب الصهيوني بلا حدود.

ومن ثم انطلقت أنظمة الحكم التي صنعها الغرب على عينه، ودعمتها أمريكا، ودانت لها بالتبعية والخضوع، تحذو حذوها، فتتهم بالإرهاب كل القوى الوطنية والإسلامية الحرة التي تعتز بكرامتها وترفض الخضوع والتبعية؛ لتستجلب تعاطف الغرب معها ودعمه لها، وفي نفس الوقت تخلق فزاعة للشعب في الداخل، فيتغاضى عن فسادها ومصائبها وديكتاتوريتها.

صناعة الإرهاب:
لا بد لهذه التهمة من أعمال في الظاهر تقنع الناس بأن هناك أعمال عنف وإرهاب تقع في أنحاء البلاد، هذه الأعمال صنعتها الأنظمة بواحدة من وسيلتين: الأولى: أن تبالغ في القمع والظلم والقتل والسجن والتعذيب وانتهاك الحرمات حتى ينفجر المتحمسون، لاسيما الشباب الصغير، فيقترف حادثة هنا وحادثة هناك تضخمها آلة الإعلام الجبارة في إقناع الناس، ومن ثم تنطلق السلطة في البطش والإرهاب الحكومي، حتى ينتشر الرعب والفزع فتختفي المعارضة، وتستبد السلطة بالأمر.

أما الوسيلة الثانية: فتقوم بها أجهزة الدولة الأمنية والاستخباراتية، بتشكيل مجموعات أو تنظيمات تابعة، لها تدربها وتمنحها السلاح والمتفجرات، وتحدد لها أعمال الإرهاب التي تقوم بها، ثم تخرج هذه الأجهزة وتنسبها للقوى الإسلامية التي لا تعرف إلا المنهج السلمي في دعوتها وحركتها وعملها.

تنظيمات غريبة وتحركات مريبة:
ولم يقف الأمر على صناعة المنظمات الإرهابية المحلية العميلة للسلطة، وإنما ظهرت في الآونة الأخيرة تنظيمات ضخمة عابرة للحدود، تمتلك أسلحة متقدمة وأموالاً كثيرة، وتجتذب شبابًا متحمسًا قليل الفقه والوعي، ترفع شعار الإسلام وتمارس أقصى ألوان التطرف والقسوة والوحشية، فتشوه بذلك صورة الإسلام، وتمنح أعداءه ذريعة لتدخل جديد في البلدان الإسلامية وتمزيقها وتخريبها وقتل أهلها، وهذا ما يحدث الآن مع ظهور تنظيم (داعش) في سوريا والعراق الذي اكتسح أمامه الجيوش النظامية بشكل مثير وغريب، واستولى على مساحات شاسعة من الأراضي والمدن في الدولتين، وراح يقتل خصومه بغير رحمة.

وهنا قامت أمريكا تدعو لتحالف دولي ضد هذا التنظيم، فاجتمعت لها أربعون دولة، وعقد وزير خارجيتها مؤتمرًا في جدة حضرته تسع دول عربية وتركيا للتصدي لهذا الإرهاب الخطير، ونحن شعوب المنطقة لا ندري من الذي يقف وراء هذا التنظيم ويدعمه ويحرضه، وما الذي يراد منه، إلا أننا نرى نذر حرب ضروس يساق لخوضها عرب مسلمون ضد عرب مسلمين، ونرى ضحايا بالآلاف، وأموالاً تهدر بالمليارات، وخرابًا يعم المنطقة، ونخشى تفتيتًا وتقسيمًا جديدًا للمنطقة حسب خطط شياطين السياسة الكبار.
 
سفاح مصر يسعى لركوب الموجة:
ومما يلفت النظر أن الإرهابي الأكبر في مصر قائد الانقلاب العسكري الدموي الذي قتل الآلاف من السلميين العزل من شعبه وحرق بعضهم أحياءً وأمواتًا، وأصاب أضعافهم، واعتقل عشرات الآلاف، وأصبح جديرًا بالمحاكمة كمجرم حرب، استغل هذه الظروف وخرج يطالب العالم بالوقوف معه في حربه المزعومة ضد الإرهاب، للإيهام بأن في مصر إرهابًا غير إرهابه المباشر، أو المصنوع بأجهزته الأمنية، وهو يقصد في ادعائه جماعة الإخوان المسلمين التي صنفها جماعة إرهابية بغير دليل أو شبهة دليل، هذه الجماعة التي ربت أفرادها على حرمة الدماء وحرمة الاعتداء على الحياة، بحكم الإسلام قبل أن يكون بحكم الحقوق الإنسانية والقانون، وهي التي نشرت الإسلام الصحيح في ربوع البلاد، وهي التي أوصلت الخير لملايين المحتاجين في صورة دعم مالي وعيني وصحي وتعليمي وثقافي، وهي التي ترشحت في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية ونوادي أعضاء هيئة التدريس والمجالس المحلية فنجحت باكتساح بفضل الله، فأدارتها ونهضت بها نهضة شهد بها الجميع، وهي التي تصدت للفكر المنحرف باسم الإسلام، مثل فكر التكفير واستخدام العنف، وعصم الله بدعوتها مئات الآلاف من الشباب من الوقوع فيه، وبذلك حمت مصر من خطر عظيم، وهي التي اعتقل منها 50 ألفًا في عهد مبارك ظلمًا وعدوانًا فلم يستخدم أحد منهم قوة في الدفاع عن نفسه، ولا استخدام عنفًا ولا أحرز سلاحًا، وهي التي خاضت خمسة انتخابات برلمانية ورئاسية في فترة ما بعد ثورة 25 يناير 2011 ففازت بأغلبية نسبية أو مطلقة فيها جميعًا، وانتخب واحد منها (الدكتور محمد مرسي) كأول رئيس مدني لمصر، وهي التي قتل منها الآلاف وسجن عشرات الآلاف ولا تزال تتمسك بالسلمية نهجًا لعودة الشرعية والمسار الديمقراطي، وحسبنا قول مرشدها: "ثورتنا سلمية، وستظل سلمية، سلميتنا أقوى من الرصاص"..

هذا كله تجاوزه السفاح قائد الانقلاب الإرهابي وراح يرميها بجرائمه حسب المثل العربي (رمتني بدائها وانسلت).

ولم يكتف السفاح الدموي بالمؤسسات المصرية (الجيش والشرطة والإعلام والقضاء) إضافة إلى البلطجية، التي يستخدمها، ليس لإرهاب الإخوان فقط وإنما لإرهاب الشعب المصري كله، وضد المعارضين السلميين العزل؛ فراح يطلب من العالم أن يدعمه في جرائمه ضد الشعب، وهي الجرائم التي أدانته بسببها تقارير المنظمات الحقوقية الدولية وطالبت بمحاكمته مع زبانيته.

ثورتنا السلمية مستمرة حتى تحقق أهدافها:

إذا كان السفاح الدموي يهدف من وراء ذلك إلى الهروب من هذه الملاحقات، واكتساب نوع من الشرعية من الخارج، وإشاعة مزيد من الخوف والإرهاب لدى الشعب، فليعلم أن الذين يعتصمون بالله ويستمسكون بالحق ويتوقون إلى الحرية لن يهزهم تهديد أو وعيد ولو اجتمع عليه إرهابيو العالم، فالله أكبر منهم، والشعب أصبر وأقدر على الوصول لأهدافه والقضاء بإذن الله على أعدائه ﴿الَّذِين َقَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُم ْفَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾.

فهم في ثورتهم الحرة ماضون، وبسلميتها المبدعة الرائعة متمسكون، وعلى طريق الحق سائرون، وفي سبيل تحقيق أهداف ثورتهم مناضلون، ولراية سيادة الشعب رافعون ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِن َّأَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

والله أكبر ولله الحمد.
في 20 ذي القعدة 1435هـ،