الإمام مسلم اسمه ولقبه:

مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري، أبو الحسين، (206 هـ - 25 رجب 261 هـ) / (822م - 6 يوليو 875م)، هو من أهم علماء الحديث النبوي عند أهل السنة والجماعة، وهو مصنف كتاب صحيح مسلم الذي يعتبر ثاني أصح كتب الحديث بعد صحيح البخاري، وهو أحد كبار الحفّاظ، ولد في نيسابور، وكان أول طلب الحديث صغيرًا، وكان أول سماع له سنة 218 هـ، وعمره آنذاك اثنتا عشرة سنة.

الإمام مسلم .. الطفولة والنشأة:

نشأ الإمام مسلم في بيت تقوى وصلاح وعلم، فقد كان والده حجاج بن مسلم القشيري أحد محبي العلم، وأحد من يعشقون حلقات العلماء، فتربى الإمام وترعرع في هذا الجوِّ الإيماني الرائع. وقد بدأ الإمام مسلم (رحمه الله) رحلته في طلب العلم مبكرًا، فلم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره حين بدأ في سماع الحديث؛ قال الذهبي: "وأول سماعه في سنة ثماني عشرة من يحيى بن يحيى التميمي، وحج في سنة عشرين وهو أمرد".

عاش مسلم بن الحجاج من كسب يده، فكان يعمل بالتجارة، وكان متجره بخان محمش، وكان يبيع فيه الأقمشة والثياب، فقال محمد بن عبد الوهاب الفراء: «وكان رحمه الله بزازًا»، وكانت له أملاك وضياع وثروة وكان يعيش منها مكنته من القيام بالرحلات الواسعة إلى الأئمة الأعلام الذين ينتشرون في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي. ولم تكن التجارة عائقا له عن طلب الحديث النبوي بل كان يحدث الناس في متجره، وذكر ذلك الحاكم النيسابوري فقال: «قال أبي: رأيت مسلم بن الحجاج يحدث بخان محمش»

صفاته:

وصفه الحاكم النيسابوري فقال عنه: «كان تام القامة أبيض الرأس واللحية يرخي طرف عمامته بين كتفيه»، ونقل الحاكم أيضًا عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: «رأيت شيخًا حسن الوجه والثياب، عليه رداء حسن وعمامة قد أرخاها بين كتفيه، فقيل: هذا مسلم. فتقدم أصحاب السلطان فقالوا: قد أمر أمير المؤمنين أن يكون مسلم بن الحجاج أمام المسلمين. فقدّموه في الجامع، فكبّر وصلى بالناس»، وكان كثير الإحسان والكرم حتى سماه الذهبي بـ "محسن نيسابور"، وقال عنه عبد العزيز الدهلوي في بستان المحدثين: «إنه ما اغتاب أحداً في حياته ولا ضرب ولا شتم».

شيوخ الإمام مسلم

للإمام مسلم رحمه الله شيوخ كثيرون، بلغ عددهم مائتين وعشرين رجلاً، وقد سمع بمكة من عبد الله بن مسلمة القعنبي، فهو أكبر شيخ له، وسمع بالكوفة والعراق والحرمين ومصر.

ومن أبرز هؤلاء الأئمة: يحيى بن يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، وسعيد بن منصور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأبو كريب محمد بن العلاء، وأبو موسى محمد بن المثنى، وهناد بن السري، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، وعبد الله الدَّارِمِي، وإسحاق الكوسج، وخلق سواهم.

علاقته بمحمد بن إسماعيل البخاري

كان مسلم من تلاميذ البخاري، وكان يُجله ويوقره، فيقول محمد بن يعقوب الحافظ: «رأيت مسلم بن الحجاج بين يدي البخاري يسأله سؤال الصبي»، فكان يذهب إليه ويُقبِّل ما بين عينيه، ويقول له: «دعني أقبِّل رجليك»، وكان مسلم يقول له: «لا يُبْغِضُكَ إِلا حَاسِدٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.»، وعندما زار البخاري نيسابور سنة 250 هـ؛ لازمه مسلم ولم يفارقه. وكان مسلم ملازمًا للبخاري في محنه أيًا، فقد خاصم مسلم محمد بن يحيى الذهلي بسبب ما وقع بينه وبين البخاري.

كما كان مسلم كثير الانتفاع بالبخاري، فيقول الدارقطني: «لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء.»، ويقول ابن تيمية: «اتفق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم في العلوم، وأعرف بصناعة الحديث، وأن مسلمًا تلميذه وخريجه، ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره.» حيث أن مسلم قفا طريق البخاري، ونظر في علمه وحذا حذوه، إلا أن مسلم لن يرو في صحيحه عن البخاري؛ لأنه لازمه بعد إتمامه صحيحه.

تلاميذ الإمام مسلم

علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي، وهو أكبر منه، ومحمد بن عبد الوهاب الفرَّاء شيخه، ولكن ما أخرج عنه في (صحيحه)، والحسين بن محمد القباني، وأبو بكر محمد بن النضر بن سلمة الجارودي، وعلي بن الحسين بن الجنيد الرازي، وصالح بن محمد جزرة، وأبو عيسى الترمذي في (جامعه)، وأحمد بن المبارك المُسْتَمْلِي، وعبد الله بن يحيى السرخسي القاضي، ونصر بن أحمد بن نصر الحافظ، وغيرهم كثير.

مؤلفات الإمام مسلم
للإمام مسلم رحمه الله مؤلفات كثيرة، منها ما وُجد، ومنها ما فُقد؛ ومن هذه المؤلفات:

- كتابه الصحيح، وهو أشهر كتبه.
- كتاب التمييز.
- كتاب العلل.
- كتاب الوُحْدَان.
- كتاب الأفراد.
- كتاب الأَقْران.
- كتاب سؤالاته أحمد بن حنبل.
- كتاب عمرو بن شعيب.
- كتاب الانتفاع بأُهُبِ السِّباع.
- كتاب مشايخ مالك.
- كتاب مشايخ الثوري.
- كتاب مشايخ شعبة.
- كتاب من ليس له إلا راوٍ واحد.
- كتاب المخضرمين.
- كتاب أولاد الصحابة.
- كتاب أوهام المحدثين.
- كتاب الطبقات.
- كتاب أفراد الشاميين.

منهج الإمام مسلم في الحديث

كتب الإمام مالك رحمه الله كتاب الموطأ، أودعه أصول الأحكام من الصحيح المتفق عليه، ورتبه على أبواب الفقه، ثم عُني الحفاظ بمعرفة طرق الأحاديث وأسانيده المختلفة، وربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن رواة مختلفين، وقد يقع الحديث أيضًا في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها.

وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين في عصره، فخرَّج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين والشاميين، واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه، وكرَّر الأحاديث يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث، فتكررت لذلك أحاديثه حتى يقال: إنه اشتمل على تسعة آلاف حديث ومائتين، منها ثلاثة آلاف متكررة، وفرَّق الطرق والأسانيد عليها مختلفة في كل باب.

ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري (رحمه الله)، فألَّف مسنده الصحيح، حذا فيه حذو البخاري في نقل المجمع عليه، وحذف المتكرر منها، وجمع الطرق والأسانيد، وبوَّبه على أبواب الفقه وتراجمه، ومع ذلك فلم يستوعب الصحيح كله، وقد استدرك الناس عليه وعلى البخاري في ذلك. قال الحسين بن محمد الماسرجسي: سمعت أبي يقول: سمعت مسلمًا يقول: "صنَّفت هذا - المسند الصحيح - من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة".

وقد استغرقت مدة تأليفه لهذا الكتاب خمسة عشر عامًا، قال أحمد بن سلمة: "كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة". وقد ألَّفه في بلده، كما ذكر ابن حجر في مقدمة فتح الباري حيث قال: "إن مسلمًا صنف كتابه في بلده، بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق".

ثناء العلماء على الإمام مسلم

قال أبو قريش الحافظ: سمعت محمد بن بشار يقول: "حُفَّاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله الدَّارِمِي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى".

ونقل أبو عبد الله الحاكم أن محمد بن عبد الوهاب الفراء قال: "كان مسلم بن الحجاج من علماء الناس، ومن أوعية العلم".

وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: "ما تحت أديم السماء أصحُّ من كتاب مسلم في علم الحديث".

وقال عنه صاحب أبجد العلوم (صديق بن حسن القنوجي): "والإمام مسلم بن الحجاج القشيري البغدادي أحد الأئمة الحفاظ، وأعلم المحدثين، إمام خراسان في الحديث بعد البخاري".

وقال أحمد بن سلمة: "رأيتُ أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان (مسلمًا) في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما".

من كلمات الإمام مسلم الخالدة

- قوله للإمام البخاري: "دعني أُقبِّلْ رجليك يا أستاذ الأُسْتَاذِينَ، وسيِّد المحدثين، وطبيب الحديث في علله".

وفاة الإمام مسلم

عاش الإمام مسلم 55 سنة، وتُوفِّي ودفن في مدينة نيسابور سنةَ 261هـ/ 875م. رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.

المراجع
- الذهبي: سير أعلام النبلاء.
- ابن حجر: تهذيب التهذيب.
- القنوجي: أبجد العلوم.
- عبد الرحمن السديس: التعريف بالإمام مسلم وكتابه الصحيح.