تشهد الساحة السياسية تطورات مهمة، فعلى المستوى الداخلي يتطلب نجاح الانتخابات توافر الثقة بين كل الأطراف، وعلى المستوي الإقليمي تمت المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين، كما وضعت الجامعة العربية تصورها للملف السوري، أما على المستوى الدولي فيمكن تناول السياسة الأمريكية تجاه الربيع العربي.
 
ويوضح الإخوان المسلمون موقفهم من هذه الأحداث كما يلي:
 
أولاً: الشأن الداخلي
 
مع بدء عجلة الانتخابات في الدوران، توضح الممارسات الحزبية أن تجربة التعددية الحزبية في عهد الثورة لا تزال تحتاج المزيد من الجهد؛ لتحقيق الإصلاح السياسي الشامل، ونقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار والتنمية، فقد أثبتت تجربة التحالفات السياسية تواضع العمل المشترك، وهذا ما يعد أمرًا طبيعيًّا في المرحلة الحالية، ولكنه بالنظر لتحديات المرحلة المقبلة لا بد من النظر باهتمام لبلورة علاقات مستقرة وواضحة فيما بين الأحزاب السياسية.
 
ويرى الإخوان المسلمون أن الانتخابات يجب أن تشكل بيئةً مناسبةً لرفع مستوى الثقة المتبادلة، وهذا ما يمكن تحقيقه، من خلال وضع ميثاق شرف يشكل أساسًا للدعاية الانتخابية؛ بحيث تكون الانتخابات ساحةً لطرح المبادرات والرؤى والسياسات التي تهدف لإصلاح أوضاع البلاد، وتتباعد عن التجريح والدعاية الهدامة.
 
جاء لقاء فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين مع مجموعة من الشباب والشابات المسلمين والمسيحيين، وفي هذا التوقيت، ليمثل معلمًا بارزًا لسياسة الإخوان تجاه إخواننا الأقباط منذ نشأة الجماعة منذ أكثر من ثمانين عامًا، والتي تمثلت في علاقة المودة والتعاون التي حدت بالإمام المؤسس حسن البنا– رحمه الله– إلى اتخاذ مستشاريْن سياسيين له من الأقباط، إضافةً إلى أن وكيله في دائرة الطور الانتخابية في سيناء إبان ترشحه لمجلس النواب عن الإسماعيلية كان مسيحيًّا، وظلت هذه العلاقة مستمرة ومطردة على مدى الزمن، ومن ثم لم تنشأ مشكلة قط بين الإخوان والأقباط، وهذه السياسة ليست سياسة مبتدعة، وإنما هي منهج الإسلام في التعامل مع أهل الكتاب في المجتمعات الإسلامية.
 
ولذلك لم يكن غريبًا أن يلتقي الدكتور محمد بديع، المرشد العام الحالي، هذه المجموعة ويدعوهم إلى المشاركة مع إخوانهم من شباب المسلمين في القيام بالمشروعات الخيرية لخدمة المواطنين المصريين المحتاجين إليها، كما حضَّهم على أن يكونوا يدًا واحدةً، وأن يستصحبوا روح ميدان التحرير على الدوام، وأن يحذروا من كل من يسعى بالدسائس بين المسلمين والمسيحيين؛ فمجتمعنا نسيج واحد، لا يجوز أن نسمح لأحد أن يمزقه.
 
 كما أجاب فضيلته على عدد من تساؤلات الشباب والشابات المسلمين والمسيحيين، ووعد بإجابات مكتوبة على ما لم يتسع الوقت للإجابة عنه، والإخوان يتمنون أن تسود هذه الروح بين كل فصائل وطوائف المجتمع السياسية والدينية والفئوية؛ ليسود السلام والأمن والمحبة ربوع الوطن ويتفرغ سائر المواطنين للعمل والبناء والنهضة والتقدم.
 
ثانيًا: الشأن الإقليمي
 
بعد نضال وجهود استمرت لخمس سنوات، تمكنت حركة حماس من إنجاز صفقة مشرفة لتبادل الأسرى مع الكيان الصهيوني وبرعاية مصرية ثورية خالصة، ومع تنفيذ المرحلة الأولى بالإفراج عن 477 أسيرًا فلسطينيًّا، ترتفع مصداقية الوسيط المصري وقدرته على التصدي للمعضلات السياسية، وإذا كان إنجاز الصفقة نتيجة تعاون وثيق بين حركة حماس ومصر، فإن ظروف الثورة والتحولات التي تشهدها المنطقة العربية شكلت ساحةً خلفيةً ساهمت في دعم المفاوض الفلسطيني للحصول على أكبر مكاسب ممكنة، ولقد عززت هذه النتيجة مكانة مصر كشقيقة عربية كبرى، إضافةً إلى كونها بدايةً لاستعادة مكانتها الإقليمية.
 
ولا يفوت الإخوان المسلمين أن ينوِّهوا بالدور الوطني والقومي الكبير الذي قام به جهاز المخابرات المصرية في تحقيق هذه الصفقة.
 
ويرى الإخوان المسلمون أن النظر للمستقبل يتطلب الأخذ في الاعتبار أمرين مهمين؛ هما: التقدم باتجاه المصالحة الفلسطينية، وعدم التباطؤ فيها؛ وذلك لإنعاش وتقوية المؤسسات الفلسطينية، والسعي لإعادة القضية الفلسطينية للإطار العربي والإسلامي كبديل عن المفاوضات التي حرفت كثيرًا من الأمور عن نصابها الطبيعي.
 
دعا مجلس جامعة الدول العربية، والذي انعقد هذا الأسبوع لوقف العنف ودخول النظام السوري والمجلس الوطني الذي يمثل المعارضة السورية في حوار من أجل الإصلاح، وأمهل النظام السوري خمسة عشر يومًا لتحقيق ذلك، ورغم عدم واقعية قرار الجامعة العربية بعد شلال الدماء التي سالت على التراب السوري وآلاف القتلى والجرحى والمعذبين والمفقودين، فإن النظام رفض قرار الجامعة العربية فور صدوره، وهكذا يصبح على مجلس الجامعة العربية أن يتخذ قرارًا فوريًّا بتجميد عضوية الحكومة السورية في جامعة الدول العربية، وقطع العلاقات معها، والاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلاً للشعب السوري دون انتظار مهملة الخمسة عشر يومًا الممنوحة للنظام.
 
ثالثًا: الشأن الدولي
 
فيما تبدو محاولات أمريكية لاستكشاف فرصها السياسية في ظل الربيع العربي، تناقلت وسائل الإعلام أخبارًا عن تفاهم أمريكي سوري؛ لإبطاء التسارع نحو الحرية، ولو كان ذلك على حساب دماء وانتهاك حقوق الإنسان، وهو أمر ندينه إن كان الخبر صحيحًا، كما تسعى الولايات المتحدة بهمة عالية لطرح حزمة من السياسات على الثورة الليبية، مع استمرار الحظر الجوي الأطلسي (كما يتضح من زيارة وزيرة الخارجية المفاجئة)، وذلك حتى تضمن ترسيخ نفوذها في ليبيا، وهي تتبع ذات السياسة مع مصر.
 
ويرى الإخوان أنه يمكن إقامة علاقات إيجابية بين الدول العربية والولايات المتحدة، في ظل الاحترام المتبادل والتخلي عن مساندة النظم المستبدة، واحترام إرادة الشعوب، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول العربية، سواء التي ما زالت تثور على الاستبداد أو تلك التي تسعى للإتيان بحكومات تعبر عن تطلعاتها.