شهد هذا الأسبوع حدثا تاريخيا بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، ألا وهو إجراء الانتخابات التكميلية لمكتب الإرشاد علانية أمام الإعلام الذى نقلها إلى العالم على الهواء مباشرة، وهذا الحدث له دلالاته، إضافة إلى حفل الإفطار العام الذى أقامته الجماعة لكل القوى الوطنية والسياسية والدينية والثقافية فى مصر، وهو أيضا حدث مفعم بالمعانى والمواقف، وتم الإعلان عن حركة المحافظين بتعيين عدد من المحافظين الجدد، إضافة لنقل عدد آخر من محافظاتهم إلى محافظات أخرى، وكذلك قرأنا خبر الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين والمحبوسين فى قضايا سياسية، إضافة لما نشر من عزوف إخواننا الصوفيين عن القيام بالمظاهرة التى سبق إعلانهم عنها .
أما على المستوى الإقليمى فيشكل استمرار اجتياح الجيش السورى للمدن والقرى وقتل الأهالى فى مجازر يومية بشعة تحديا لمشاعر شعوب العالم، الأمر الذى أدى لبعض التغير فى المواقف الدولية، إضافة لمواقف جيدة من بعض الدول العربية، وعلى المستوى الدولى فقد حدث ما تم التحذير منه وهو انتقال الأزمة المالية الأمريكية لدول أخرى بشكل يهدد الاستقرار العالمى .
ويوضح الإخوان المسلمون موقفهم من هذه الأحداث فيما يلى :

أولا الشأن الداخلي :

*** إن إجراء الانتخابات التكميلية لمكتب الإرشاد فى جماعة الإخوان المسلمين حدث صغير فى مبناه خطير فى معناه، فقد ظل الإخوان المسلمون ستة عشر عاما منذ سنة 1995 وحتى 2011 عاجزين عن عقد مجلس شوراهم المكون من 120 شخصا بكامل هيئته خشية اعتقالهم جميعا ومنذ 10 فبراير سنة 2011م تم عقده 4 مرات بكامل هيئته، مما يدل على ضخامة التغيير الذى حدث فى مصر بعد الثورة، كما أن إجراء الانتخابات فى فندق عام وأمام أجهزة الإعلام التى نقلت وقائعها على الهواء مباشرة إنما تدل على قيمة الشورى (الديمقراطية) ومكانتها فى البنية الأساسية (الفكرية والتنظيمية) لجماعة الإخوان المسلمين، كما تدل أيضا على استقلال الحزب عن الجماعة فى أـموره التنظيمية والمالية وقرارته، كما أن دعوة كل القوى والتيارات والأحزاب وعلماء الدين والكنيسة وأهل الفكر والرأى إلى حفل إفطار الجماعة الذى تم فى نفس اليوم ليدل على أن منهج الإخوان إنما هو منهج تجميعى يهدف إلى التوافق الوطنى والوحدة بين كل القوى من أجل حمل مسئولية إعادة بناء الوطن ونهضته .

*** إن حركة المحافظين وإن جاءت دون المستوى الذى يتطلع إليه الشعب، فقد كنا نرجو ألا تحوم أى شبهة من أى نوع حول أىٍ ممن تم تعيينهم، إلا أننا نعتقد أن من حق رئيس الوزارة أن يعين من يثق فيهم حتى يكون مسئولا عن أدائهم، ونحن ننتظر الإنجازات المطلوب منهم أن يحققوها، وعموما فالإخوان ينظرون إلى الحكومة والمحافظين باعتبارهم يديرون أمور الدولة فى الفترة الانتقالية ويمهدون الطريق لنقل سلمى وسليم للسلطة عن طريق إجراء الانتخابات التى يختار فيها الشعب ممثليه وحكامه بإرادته الحرة، ويمنح نفسه الدستور الذى يرتضيه .·   قرأنا أنه قد تم الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين والمسجونين السياسيين الذين أمضوا سنوات طويلة فى السجون وهى خطوة جيدة نرجو أن تكتمل بإغلاق ملف المسجونين السياسيين تماما، وأن تخلو جميع السجون منهم، وألا تعرف مصر بعد ذلك موضوع معاقبة الناس على آرائهم ومواقفهم السياسية .·   نُشر أن إخواننا الصوفيين قرروا صرف النظر عن المظاهرة المليونية التى كانوا ينوون القيام بها يوم الجمعة القادم فى ميدان التحرير ، وهذا قرار حكيم من شأنه أن يساعد على إعادة اللحمة بين كل القوى الوطنية والسياسية والدينية فى مصر ، الأمر الذى يقضى على الاستقطاب الذى يسعى إليه الكارهون للثورة الراغبون فى تعويقها أو إجهاضها .

*** تتجه الحكومة المصرية لإتباع سياسة مالية لخفض العجز المالي، وهي سياسة تقوم علي خفض الإنفاق العام وتمويل العجز في الموازنة العامة من الموارد المحلية، ويتوقف نجاح هذه السياسة علي  وجود خطة مالية واضحة تتلاقي وأولويات الحاجات الاقتصادية والمعيشية، وتكمن أهمية هذا التوجه في أنه يقلل من أثر التقلبات الخارجية في النظام الاقتصادي العالمي علي السوق المحلية المصرية، خاصة وأن التقلبات الاقتصادية صارت تشكل تهديداً للأوضاع المالية والاقتصادية في العالم، ومن ثم فإن ما تسعي إليه السياسة المالية للحكومة يعد من سياسات التحوط لمواجهة أزمة عالمية متوقعة أو مؤكدة، كما يري الإخوان المسلمون أن الاعتماد علي الموارد المحلية يتوافق مع تطلعات الثورة في التخلص من التبعية الاقتصادية وخفض الفجوة بين الصادرات والواردات، وهي سياسة تتطلب تضامن المجتمع المصري معها.

ثانياً: الشأن الإقليمي

***استمر النظام السوري وجيشه في شن حملة تصفية وحشية ضد الاحتجاجات السلمية للمواطنين السوريين، بحيث صارت ثمة صعوبة في التمييز بين تصرفات الجيش السوري وعدوان جيوش الاحتلال، وذلك من حيث التدمير الواسع للمدن والطابع الدموي للحرب ضد المدنيين علي مرأى ومسمع من العالم والقتل والتشريد، وإزاء هذه الانتهاكات اتخذت بعض الدول (السعودية – وبعض دول الخليج) مواقف سحب سفرائها من سوريا ، وهو إجراء جيد لإشعار هذا النظام بأنه نظام منبوذ على المستوى العربى والإسلامى فإننا ننتظر من مصر فى ظل وضعها الجديد موقفا يليق بها لمساندة الشعب السورى فى ثورته ضد الطغيان والفساد والاستبداد لا يقل عن موقف هذه الدول إن لم يزيد، وذلك للحيلولة دون التدخلات الدولية، ومن ثم فإن دول الجوار عليها المشاركة في وضع صيغة لتسوية الأزمة الداخلية في سوريا لتجنب اشتعال حرب إقليمية، وعلي إيران أن توقف دعمها للنظام السوري فى الجرائم التي يقترفها ضد شعبه .

*** يجتمع فى القاهرة ممثلون عن حركتى فتح وحماس لتنفيذ بنود المصالحة التى تم توقيعها منذ شهور، وبرغم التصريحات الوردية التى نسمعها من هنا وهناك، إلا أن الواقع يشهد بأن المصالحة لن تتم إلا إذا تحررت حركة فتح من هيمنة أمريكا والكيان الصهيونى على إرادتها، فكم هى المصالحات التى وقعت من قبل وأفشلتها (كونداليزا رايس) وحتى المصالحة الأخيرة (صرح أوباما) بمجرد توقيعها أن هذه المصالحة تضر بالسلام، وكأن هناك سلاما حقيقيا بين الفلسطينيين والصهاينة، لذلك يدعو الإخوان المسلمون جميع الفصائل الفلسطينية إلى تقديم المصالح العليا للوطن على المصالح الفئوية والحزبية والحركية، وإتمام المصالحة والعودة إلى روح الأخوة والتضحية، والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية .

ثالثاً: الشأن الدولي

*** يشهد العالم موجة انخفاض حاد في الأسواق المالية العالمية، وبشكل يهدد بكارثة اقتصادية تؤدي لعدم استقرار السياسات المالية لكثير من بلدان العالم، وتأتي هذه الموجه في سياق تدهور النظام المالي في أمريكا وتداعياته السلبية علي أوربا ومنطقة شرق آسيا، وقد يعبر انتقال عدوي المشكلات المالية الأمريكية لدول أخري عن محاولات لتصدير الأزمة الأمريكية للعالم، وهذا ما يعكس واحدة من عيوب النظام الرأسمالي حيث يتحمل الآخرون نتائج سياسات لم يشاركوا في صنعها، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالدول النامية والاقتصادات الضعيفة والتي لا تقوي علي المنافسة أو النهوض الذاتي، ومن ثم يري الإخوان المسلمون أنه بعد الأزمات المتتالية التي شهدها القرن العشرون، يصير من الضروري التفكير في نظام اقتصادي جديد يقوم علي العدالة في توزيع المكاسب والمغارم ولا يقوم علي نقل الأعباء إلي الغير.