بقلم : د.جمال عبدالستار - الأستاذ بجامعة الآزهر

 بسم الله الرحمن الرحيم

معالم على الطريق (1)
 
ربما عصفت الأنواء والأجواء يوماً بالمجاهدين في مسيرتهم لنصرة الحق الذي يسعون لرفعته.
ولربما ساخت أقدامهم في رمال مسيرهم فأرهقت أجسادهم.
ولربما خذلهم البعض من أهلهم الذين ما خرجوا إلا لإسعادهم، وما بذلوا إلا لنجدتهم، وما ضحوا إلا لتحقيق رفعتهم، مبتغين بكل ذلك رضوان الله تعالى.
ولربما تداعت عليهم سهام الأعداء فأصابت صفوة من قادتهم، ومقدمة من ركبهم، واغتالت زهرة من صفوة شبابهم،وأسالت الكثير من دمائهم.
ولربما تضعضع بعض من في معسكرهم من مشقة الطريق وتبعته، وألم الجهاد وحرقته، ونار الصراع وضريبته.
وربما طال ليل الظلم حتى يئست بعض النفوس من طلوع الفجر، واشتدت الظلمة حتى تلاشى الحلم بفرحة الصبح، ونداوة البكور وإشراقة الشمس. 
ولربما قالت النفس للنفس علامَ كل هذا الجهد ؟  أما قد نصحت وبينت؟  أما قد بذلت وأسمعت؟ فلا عليك ما أصاب قومك، فهم لما يلاقونه على استحقاق، ولما يصيبهم على استعداد، وقد قابلوا إحسانك بالإساءة ، وتضحياتك بالاستهانة، ، بل وفرح بعضهم بسفك دمك الذي ضحيت به من أجل سعادتهم، وصفقوا لنهب مالك الذي يشهد القاصي والداني أنك ما حرمت منه فقيرهم، ولا بخلت به على مسكينهم!!
ولكن صوت الإيمان يصرخ في نفوس الصادقين بنبرة عالية، وهمة سامقة، ونصاعة حجة، وقوة برهان.
ليقول لها ولكل السالكين ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )
وليمسح على قلوب المكلومين : (ولئن قتلتم في سبيل الله أومتم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون)
وليتلقى دعوات المظلومين ( وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)
فما يزداد المجاهدون في ميدانهم إلا ثباتا، وما يزدادون بوعد ربهم إلا يقيناً، فهم للحق بذلوا، ولربهم سعوا واجتهدوا، لا يتطلعون إلى ساعة الخلاص من الطغاة بقدر ما يتطلعون إلى  ساعة الخلاص من هوى النفس ، وأدران الذنوب.  
لأنه بتخلصهم من تلك العقبات، وتحليهم بالصبر والثبات، يؤمنون مستقبلاً مشرقاً عند ربهم العظيم، ويحققون أمال أمتهم في العزة والتمكين ،ويتخلصون قطعاً من الطغاة المجرمين.
إن النفوس الكبار تتعالى على المحن والآلام لتمهد لأمتها سبيلاً للارتقاء والانتصار.  
وما هي إلا غفوة مؤلمة،  تتبعها يقيناً صحوة مشرقة، فمتى استوى عند الله الخبيث والطيب !!
ومتى أخلف الله مع أهله وعده!! ومتى أخلف مع عبيده سنته، ومتى تأخر عن محبيه عونه ونصره ومدده !!
متى ضاعت دعوات المظلومين سدى، وأنات المكلومين هباء !!
متى غفل الله عن الظالمين فلم يقصمهم، بعد أن استشرى شرهم ،واطمئنوا لقوتهم وعدتهم ومكرهم !!
أن انتصارا بغير الله ﻻحاجة لنا به ، وفتحاً لا يُنتصر فيه للإسلام ومنهجه وشريعته لا فائدة منه، وقلباً لا يثق في موعود الله لا إيمان فيه .

د/ جمال عبد الستار محمد
الأستاذ بجامعة الأزهر، والأمين العام لرابطة علماء أهل السنة