بدأ الأسير الفلسطيني المحرر هلال جرادات (47 عاماً) اهتمامه بدراسة اللغات، حين رأى عجز أبناء مدينته الأُم "جنين" في الضفة المحتلة، عن التواصل مع سائح أمريكي زائر، سوى شخص واحد.

اعتقل الأسير جرادات على خلفية طعنه ثلاثة مستوطنين أقدموا على قتل شقيقيه في عام 1985، وحُكم عليه بالسجن 99 عاماً.

الفراغ الكبير الذي كان يملأ حياة الأسير جرادات في السجن، كان الدافع إلى شغله بدراسة اللغات، حتى أتقن 16 لغة.

كان وقع الحكم عليه سلبياً للغاية، فاعتراه الإحباط الشديد، لكنه امتلك الإرادة، وكسر وحدته بمجالسة الكتب، فكان يقرأ 10 ساعات في اليوم، ويمضي البقية بتعليم زملائه الأسرى.

قضى جرادات 27 عاماً داخل الأسر قبل أن يتم الإفراج عنه ضمن صفقة "وفاء الأحرار" التي وقعت عام 2011 بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي، برعاية مصرية، وأُبعد من مدينته جنين إلى قطاع غزة.

يروي الأسير جرادات لمراسل "الخليج أونلاين" في غزة حكايته مع تعلم اللغات، ويقول إن معرفته باللغة الإنجليزية كانت سطحية منذ بداياته في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، قبل أن يتقنها، وينتقل إلى دراسة اللغة الإسبانية.

إلا أنه كان مهتما كثيراً باللغة العبرية؛ من أجل مساعدته على قراءة الصحف العبرية وتصفحها، فضلاً عن حاجته لها في التواصل مع السجان الإسرائيلي والطبيب داخل السجن.

ومضى جرادات في تعلم اللغات، حتى أتقن الألمانية والفرنسية والإيطالية والروسية والتركية واليونانية والكرواتية والمندائية والآرامية والسريانية والسبئية والحميرية والصينية والبربرية.

يشير جرادات إلى أنه كان منذ صغره شغوفاً بالقراءة، فكان يواظب على شراء كتاب أو اثنين كل أسبوع، ويبادلها في أحيان كثيرة مع أصدقائه، حتى اكتظت مكتبته في منزله بجنين بنحو 6 آلاف كتاب. لكن هذه السهولة في اقتناء الكتب العلمية والثقافية، لم تكن موجودة داخل السجون الإسرائيلية، إنما كانت "مهمة شاقة"، على حد تعبيره.

ويضيف: "خضنا إضرابات من أجل إدخال الكتب، كان ثمن ذلك ارتقاء أسرى شهداء، وتردي صحة آخرين". ويوضح جرادات أن إدارة السجون بعد أن تذعن لمطالبهم، كانت تراوغ وتتحايل عليهم، بإقدامها على تحديد عدد الكتب لكل أسير، فضلاً عن نوعية هذه الكتب المسموح بإدخالها.

ويلفت إلى أن الكتب كان يجلبها لهم أهالي الأسرى واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مبيناً أن عائلته وفّرت له كتباً كثيرة وهو في الأسر؛ منها ما كانت تأتي به من القدس المحتلة، وبعضها من دول في الخارج مثل العراق وسوريا.

ويذكر أن كتب تعلّم اللغة الآرامية على سبيل المثال ليست متوفرة إلا في إيران والعراق، موضحاً في الوقت نفسه أنه كان يواجه صعوبات في تعلم هذه اللغة، لكن ليست بصعوبة اللغة الصينية، التي قال إنها معقدة وصعبة في النطق، إلى جانب اللغة البربرية التي وصفها بـ"أغرب اللغات"؛ لكونها تكتب بشكل عمودي وأفقي، ومن الشمال إلى اليمين والعكس.

وبعد إطلاق سراحه وإبعاده إلى غزة، توجه جرادات إلى دراسة الإعلام في إحدى مؤسسات التعليم العالي، ونال درجة البكالوريوس فيه. ويطمح جرادات إلى تدشين منبر إعلامي ناطق بعدة لغات؛ من أجل نصرة قضايا الشعب الفلسطيني، ومخاطبة العالم بلسانه وثقافاته.

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي اعتقال نحو خمسة آلاف أسير فلسطيني في سجونه؛ بينهم 450 أسيراً من قطاع غزة جلّهم من قدامى الأسرى وذوي الأحكام العالية.