كتب - السعيد الخميسي :
* يتهم أصحاب النار أنفسهم يوم القيامة بأنهم لم يكونوا يعقلون أو يسمعون . وهذا اعتراف رسمي منهم بنفي صفة العقل عن تصرفاتهم . وهذه التهمة لوكان وجهها أحد إليهم في حياتهم الدنيا لأقاموا ضدهم قضايا فورية فى المحاكم الدولية . حيث قال القرآن عنهم بلسانهم " وقالوا لوكنا نسمع أو نعقل ماكنا فى أصحاب السعير " . إن من ابتلاه الله بمرض في بدنه يشعر به فورا ويسارع إلى كل الأطباء ليشخصوا له الداء ويصفوا له العلاج . أما الذين ابتلوا فى عقولهم بقلة الفهم وسوء التقدير وقلب الموازين , فقد لايشعرون بمصيبتهم التي أحلت بهم , بل ويدعون أن قولهم هو الحق وان مادونه هو الباطل . وهذا بداية السقوط العقلي والانحراف الأخلاقي فى بئر الغواية والغرور . قال أحد البلغاء الحكماء : العقل زينة الرجال والذهب زينة النساء . وقيل : لأشرف إلا شرف العقل ولاغني إلا غنى النفس. وقيل : يعيش العاقل بعقله حيث كان كما يعيش الأسد بقوته حيث كان والعاقل كالجبل لايتزحزح وإن اشتدت عليه الريح والجاهل الأحمق تبطره أدنى منزلة كالحشيش يحركه أدنى ريح .
* وإن تعجب فعجب قول القرآن أن هناك فصيلا بشريا خلقه الله يسمع بلسانه ويفكر بلسانه بدلا من عقله . يقول عز وجل في سورة النور في معرض الحديث عن حادث الإفك الذي نال فيه المنافقون والطبالون والآكلون على كل الموائد والطابور الخامس من عرض السيدة عائشة أم المؤمنين , حيث يقول عز وجل " إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ماليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم" . وكأن القول يتلقفه لسان عن لسان دون أن يمر بالأذان أو تفكر فيه العقول والأفهام .. أين المدارك ؟ أين العقول ؟ أين البصائر؟ أين البصيرة ؟ أين الأفهام؟ الكل تلاشى واختفى واندثر . إنها الحماقة , إنها الرعونة . إنها السخافة , إنه قمة التخلف أن يسمع الإنسان بلسانه ويفهم بلسانه ويعقل بلسانه . أما العقل ففي أجازة اعتيادية ولا وجود له على الإطلاق . هولاء هم أعداء العقول في كل مكان وزمان .
* إن غياب العقل وضعف المنطق وهشاشة الرأي والحجة فى رؤوس هولاء القوم جعلهم ينهشون فى أعراض خلق الله الأبرياء ويأكلون لحومهم وهم أحياء بل ويحلون دماءهم بلا سند من شرع أو قانون أو دستور . حقا إنهم يمرون بأزمة عقلية أخلاقية لاعلاج لها ولا دواء لها على المدى القريب العاجل . تبتلع الحسرات وتتنفس الآهات ويختلج فى صدرك الزفرات وتنحبس فى جنبات نفسك كل المآسي والنكسات , كل ذلك وأكثر من ذلك وأنت تسمع إعلاميين ومذيعين ومذيعات ومحللين وخبراء وسياسيين وهم يبررون بل ويحلون دماء المصريين الذين يخالفونهم فى الرأى . بل إن بعضهم يشجع آلة الجيش الصهيوني فى قتل ومحو كل ماهو عربي واسلامى من أرض فلسطين , وكأن أحفاد القردة والخنازير أقرب إليهم مودة من أبناء الشعب العربي المسلم فى فلسطين .
* قال بعض الحكماء : احذروا أعداء العقول ولصوص المودات , إذا سرق اللصوص المتاع سرقوا هم المودات . إنهم مروجو الكذب والفتن والشائعات الذين لاعقل لهم ولادين ولاضمير. إن الشجرة قد تقطع فتنبت من جديد ويقطع السيف اللحم فيندمل أما لسان هولاء فلا يندمل جرحه لأنه عميق في أعماق النفس البشرية لاينفع معه دواء الطبيب ولإبكاء الحبيب . إن السموم التي تنساب من أفواه هولاء لاتقرب مودة إلا أفسدتها ولا عداوة إلا جددتها ولا جماعة إلا بددتها , في وجوههم ألف عين وفى أفواههم ألف لسان وفى رؤوسهم ألف أذن . إذا فقد المرء عقله , فقد كل شئ بل إن شئت فقل تجرد من بشريته وإنسانيته التي ميزه الله عز وجل بها عن الحيوان الذي لايعى ولا يعقل ولاينطق .
* هولاء هم الطابور الخامس يملكون وسائل الإعلام , يملكون المال , يملكون الصحف والمجلات , يملكون الفضائيات , يملكون كل وسائل تجريف العقول وتزييف الوعي وتغييب إرادة الأمة, يتكلمون بألسنتهم ويسمعون بألسنتهم ويفكرون بألسنتهم . خربت نفوسهم وضلت عقولهم وعميت عيونهم وضاقت صدورهم, يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون . لقد حرمهم الله من نعمة العقل فصاروا كجذوع نخل خاوية لاطائل منها ولافائدة فيها ولاخير يرجى منها . لاينفع معهم عتاب , ولايجدى معهم نقاش , لأن العقل الذي هو مناط التكليف قد شوهوه ولوثوه بل وعطلوه عامدين متعمدين .
* هل هولاء انحرفت بوصلتهم عن سواء السبيل وأحلوا ماحرم الله وتجاوزا كل خطوط العقل والمنطق لأنهم عطلوا عقولهم ..؟ أم لأنهم فقدوا ضميرهم..؟ أم لأنهم لادين لهم..؟ أم لأنهم لاوطن لهم..؟ أم لأنهم لاخير فيهم ..؟ أم كل ماسبق ذكره..!؟. إن الصدمة تنشب مخالبها فى عقل وقلب المرء السوي عندما تسمع وتشاهد هولاء وهم يحرضون بنى صهيون على قتل أطفال ونساء وشباب المسلمين فى فلسطين وخاصة غزة . تصاب بحالة غثيان وهم يصرخون فى الفضائيات , يحرضون تجار الحرب وسماسرة السلاح فى تل أبيب بقتل الأبرياء الذين يدافعون عن شرف الأمة وعرضها , وكأنهم صاروا أكثر صهينة منهم ولاحول ولاقوة إلا بالله . هولاء لايسمعون ولا يعقلون بنص القران الكريم , فماذا عساك أن تقول فى قوم فقدوا حاستي السمع والعقل بل وأصابهم مرض الشذوذ العقلي الذي يجردهم من الانتماء لجنس البشر ...!؟.