لم يطلق الشعب على السلطان سليمان لقب القانونى لوضعه القوانين، وإنما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة..
يعتبر السلطان سليمان القانوني بن سليم الأول، الخليفة العثماني، الذي تولى حكم الخلافة بين عامي 926 إلى 974 هجريًا، أقوى ملوك الخلافة، حتى أن الغرب وصفه بأنه «السلطان العظيم»، وكان يصف نفسه في رسائله لأعدائه بـ«سلطان السلاطين، برهان الخواقين، متوج الملوك، ظل الله في الأرضين».
الإسم كاملا :
سليمان الأول بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان غازي بن عثمان بن أرطغرل .
كانت الخلافة العثمانية في عهد سليمان القانوني أقوى دولة في العالم، وبلغت الدولة في عهده أقصى اتساعها ونهضت على مستوى التنظيم واستمرت في الفتوح في أوربا.
ويقول الدكتور علي الصلابي، في كتابة «الدولة العثمانية»: «السلطان سليمان القانوني قضى 46 عامًا على قمَّة السلطة في دولة الخلافة العثمانية، التي بلغت خلال حكمه قمَّة درجات القوَّة والسلطان، واتسعت أرجاؤها على نحوٍ لم تشهده من قبل، وبسطت سلطانها على كثير من دول العالم في قاراته الثلاث القديمة، وامتدَّت هيبتُها فشملت العالم كلَّه، وصارت سيدة العالم، تخطبُ ودَّهَا الدول والممالك، وارتقت فيها النظم والقوانين التي تُسَيِّرُ الحياة في دقَّة ونظام، دون أن تُخالف الشريعة الإسلامية التي حرص آل عثمان على احترامها والالتزام بها في كل أرجاء دولتهم».
واشتهر بسليمان القانوني، لأنه وضع نظمًا داخلية في كافة فروع الحكومة، فأدخل بعض تغييرات في نظام العلماء والمدرسين الذي وضعه محمد الفاتح، وجعل أكبر الوظائف العليا وظيفة المفتي، وأدخل التنظيمات على جيش الإنكشارية، وكانت كلها في ضوء الشريعة الإسلامية، ولم تكن مستمدة من القوانين الوضعية كما قد يتبادر إلى الأذهان.
ميادين القتال
تعددت ميادين القتال التي تحركت فيها الدولة العثمانية لبسط نفوذها في عهد سليمان فشملت أوروبا وآسيا وأفريقيا، فاستولى على بلغراد سنة 927هـ/1521م وجزيرة رودس سنة 929هـ، وحاصر فيينا سنة 935هـ/1529م لكنه لم يفلح في فتحها، وأعاد الكَرّة مرة أخرى ولم يكن نصيب تلك المحاولة بأفضل من الأولى. ضم إلى دولته أجزاء من المجر بما فيها عاصمتها بودابست، وجعلها ولاية عثمانية.
وفي إفريقيا، فتحت أراضي ليبيا والقسم الأعظم من تونس، وإريتريا، وجيبوتي والصومال ،وأصبحت تلك البلاد ضمن نفوذ الدولة العثمانية.
وأد تمرد حكام الشام ومصر:
ما إن وصل خبر موت السلطان سليم الأول إلى جانبرد الغزالي إلا وأعلن تمرده، وعرض على حاكم مصر أن يحذو حذوه فخدعه حاكم مصر بإبداء الموافقة، وفي نفس الوقت كان يطلع الخليفة سليمان على كل ما يرمى إليه حاكم الشام، وبدأ حاكم الشام في تنفيذ تمرده بمحاصرة حلب، ولكن بمجرد وصول الجيوش العثمانية إلى حلب، ولَّى حاكم الشام الأدبار ثم تحصن بدمشق وواجه الجيوش العثمانية فهزم، وحاول أن يفر متنكرًا فسلمه أحد أعوانه للعثمانيين فقتلوه.
في بلاد فارس (الدولة الصفوية)
في عام 941هـ دخل العثمانيون تبريز للمرة الثانية، ومنها اتجهوا إلى بغداد فضمت إلى أملاك الدولة العثمانية، وفي عام 954هـ طلب أخو الشاه الصفوي مساعدة السلطان ضد أخيه، فدخل العثمانيون تبريز للمرة الثالثة.
في بلاد العرب:
احتدم الخطر الإسباني والبرتغالي الصليبي على المسلمين، فبعدما استولوا على آخر معاقل المسلمين في بلاد الأندلس، وعاهدوا المسلمين على أن يكفلوا لهم الحرية الدينية وممارسة الشعائر، لكنهم سرعان ما أخلفوا العهود ونقضوا المواثيق، فأخذت محاولات التنصير الضارية تنهمر على المسلمين في الأندلس، مستعملين في ذلك كل الوسائل من إبادة وتشريد وهتك للأعراض واستعباد، وغيرها من الوسائل التي يعجز القلم عن وصفها، فهام المسلمون في الأندلس على وجوههم، منهم من لحقته الإبادة، ومنهم من ذاب في المجتمع النصراني، ومنهم من استطاع أن يفر بدينه ليهاجر للأمصار الإسلامية.
ولم يكتف الأسبان والبرتغاليون بالأندلس، فبعد أن استتب لهم الأمر فيها اتجه الأسبان نحو الأمصار الإسلامية الأخرى ليعيدوا المأساة فيها، واحتلوا بعض المراكز في شمال إفريقيا مثل طرابلس والجزائر وبنزرت ووهران وغيرها. فأرادت الدولة العثمانية تحرير شمال إفريقيا من الأسبان، ثم الاتجاه للأندلس ولم شمل المسلمين.
التطور الحضاري
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا كتب قصائده تحت الاسم الأدبي "مُحبّي" وخطاطًا يجيد الكتابة، وملمًا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة، مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى فشيد المعاقل والحصون في رودس وبلغراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة، وبخاصة في دمشق ومكة وبغداد، غير ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة.
القانون والإدارة
نقش غائر لسليمان يزين مجلس النواب الأمريكي. وهو واحد من النقوش الثلاثة والعشرين التي تكرم ساني القوانين عبر التاريخ.
غير أن الذي اشتهر به واقترن باسمه هو وضعه للقوانين التي تنظم الحياة في دولته الكبيرة. حيث كان القانون السائد في الإمبراطورية هو الشريعة الإسلامية وكان تغييرها خارج صلاحيات السلطان. حتى ظهر قانون سليمان الذي غطى مجالات القانون الجنائي وحيازة الأراضي والجبايات . جمع فيه جميع الأحكام التي صدرت من قبل السلاطين العثمانيين التسعة الذين سبقوه. وبعد القضاء على الازدواجية والاختيار بين التصريحات المتناقضة، أصدر مدونة قانونية واحدة، وراعى فيها الظروف الخاصة لأقطار دولته، وحرص على أن تتفق مع الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية،
كانت هذه الإصلاحات في إطار سعي سليمان، بدعم من المفتي أبو السعود أفندي، إلى إصلاح التشريع للتكيف مع تغيير الإمبراطورية السريع. حينما وصل القانون إلى شكله النهائي سمي القانون العثماني (بالتركية: 'kanun‐i Osmani') أو قانون السلطان سليمان (بالتركية العثمانية: قانون نامه سلطان سليمان) وبقي جاريا العمل به قرابة ثلاثمئة سنة أي حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري - التاسع عشر الميلادي، كما جعل أكبر الوظائف العلمية وظيفة مفتي، وقسم جيش الانكشارية إلى ثلاث رتب بحسب سنين خدمتهم.
ولم يطلق الشعب على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين، وإنما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة، ولهذا يعد العثمانيون الألقاب التي أطلقها الأوروبيون على سليمان في عصره مثل: الكبير، والعظيم، قليلة الأهمية والأثر إذا ما قورنت بلقب القانوني الذي يمثّل العدالة.
وفاته
توفي سليمان القانوني أثناء حصار مدينة سيكتوار في ٧ سبتمبر، ١٥٦٦ سبتمبر لأسباب طبيعية إلا أن الجنود لم يريدوا أن يخبروا أحدا حتى العودة إلى العاصمة