لا شك أن جماعة الإخوان المسلمين هي أشهر وأكبر حركة تنظيمية إسلامية في العالم في العصر الحديث، حيث تنتشر الجماعة في ما يقرب من 90 دولة حول العالم من شرقه لغربه.
ولا يختلف أحد على أن الجماعة تنظيما قويا ، يملك من الإمكانيات البشرية والمادية ما لا يملكه إلا القليل من التنظيمات والحركات الإسلامية، في العالم.
إلا أن هذا التنظيم بوصفه "بشريا" لا يمكن أن يخلو من العيوب والأخطاء والاختلافات في وجهات النظر وتعدد الآراء، وهذا بالطبع وفي كثير من الأحيان يعد أمرا صحيا بل ومطلوبا .
ولقد تعرضت دعوة الإخوان المسلمين منذ نشأتها لما تتعرض له الدعوات من اضطهاد وفتن وانشقاقات, وتلك حقيقة يحاول أعداء الإصلاح تجاهلها، وهي أن دعوة الإخوان المسلمين تتمثل في أفراد وهؤلاء الأفراد بشر يصيبون ويخطئون, لكن الأمر المهم هي أن دعوة الإخوان تقوم على وحدة المنهج التي يتبعونه وهو منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ولا شك أن الخلاف الأخير الذي دب في صفوف الإخوان المسلمين يعد الأصعب في عمر الجماعة، ولكن بالرغم من ذلك فإنه لم يكن الأوحد، فالخلافات الأخيرة بالجماعة لم تكن أول أزمة يواجهها الإخوان على مدار تاريخهم، -فطريقة فهم الدعوة، والخروج عن مجلس الشورى واللوائح الداخلية-، كلمات مفتاحية في تاريخ الانشقاقات والخلافات داخل الإخوان.. طالع ("حكم" الأستاذ "محمد الراشد" في أزمة الإخوان)
ولم تكن تلك الفتنة الوحيدة التي واجهتها الجماعة، فهناك كثير من الانشقاقات التي انتهت بخروج بعض الإخوان من الجماعة من قبل.
في هذا التقرير نرصد أبرز الخلافات التي شهدتها جماعة الإخوان، بدايةً من عصر مؤسسها حسن البنا إلى عهدنا الحالي.
عهد الإمام المؤسس "حسن البنا" *
"شباب محمد"
ففي عام 1937 م اعترض بعض الإخوان على مسلك الحركة إزاء بعض القضايا، وكان لهم وجهة نظر مخالفة تمام المخالفة لمنهج الإخوان, وهم الأستاذ محمد عزت حسني و حمد رفعت و صديق أمين و حسن السيد عثمان؛ حيث رأوا أن تتعامل الدعوة بالشدة مع الحكومة والنساء اللائي يخرجن سافرات بدلاً من اللين والدعوة بالحسنى, وأن يتوجه عدد من الإخوان للمشاركة فى الجهاد فى فلسطين, غير أن الأمور لم تكن تسير بهذه الطريقة، خاصةً أن الدعوة في مرحلة التعريف بها, وأن الأمور لا تؤخذ بالشدة في كل الأحيان, فما كان من هؤلاء النفر إلا أن أعلنوا عصيانهم وابتعدوا عن الجماعة, وكان من نتائج هذه الفتنة أن خرج هؤلاء الإخوان ومعهم مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية.
ولم ينته الأمر عند ذلك, بل انشق عدد من الإخوان بعد ذلك بسبب حماستهم الشديدة, ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا إثارة الشبهات حول قائد الدعوة ورجالها, فتم فصلهم بناءً على طلبهم, كما أنهم استأثروا بمجلة النذير لأنفسهم وكونوا جماعة شباب محمد.
الباقوري
لم يكن أزمة "شباب محمد" الانشقاق الأخير، فقد حدث أيضًا سنة 1953 م، حين خرج الشيخ أحمد حسن الباقوري من الإخوان لقبوله الوزارة فى الوقت الذى رفض فيه الإخوان الاشتراك فيها.
أزمة أحمد السكري
شن السكري هجوما فى مقاله فى صوت الأمة والكتلة بتاريخ 11/10/1947 م, ذكر فيه أنه عرف أن الأستاذ البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية والمصرية, وأنه نسى من ذكر له ذلك , أضف إلى ذلك أن الأستاذ البنا طالبه فى رد على خطابه باسم من أطلعه على ذلك فلم يستطع تقديم مايفيد ذلك.
كما أن الأستاذ السكري اتهم الأستاذ البنا بالاستبداد فى اتخاذ القرار و فصله دون الرجوع للهيئة التأسيسية, غير أن الأستاذ البنا رد على ذلك, حيث ذكر أن الهيئة التأسيسية انعقدت مرتين إحداهما بتاريخ 13 مارس 1947, وكان ذلك للمحاكمة,وظل انعقادها ما يقرب من ستة وثلاثين ساعة كامله, وتحدث فيها الأستاذ السكري نحو ستة ساعات, وبعدها جدد البيعة للأستاذ البنا, والثانية بتاريخ 9 يوليو ،1947 وقررت الهيئة توجيه اللوم للأستاذ السكري. كما فى الاتهام الذى جاء فى خطاب الأستاذ السكري وذكر فيه أنه عرف بالصدفة أن الإمام البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية والمصرية وأنه عرف من أحدهم ذلك فى7 فبراير 1947.
واندهش الإمام البنا لذلك من السبب الذى دفع الأستاذ أحمد السكري إلى إخفاء تلك المعلومات عن الإخوان وعن الهيئة التأسيسية طيلة هذا الوقت بالرغم من انعقادها فى 13 مارس 1947 فى اجتماعها الأول ثم اجتماعها ثانية بعد هذا الجتماع بأربعة شهور.
وتعجب أيضا من إخفاءه لتلك المعلومات الخطيرة كل هذا الوقت بالرغم من انعقاد مكتب الإرشاد كل أسبوع واعتبر هذا الصمت وهذا الكتمان خيانة للدعوة وللهيئة.
فصل السكري
هذه الأسباب لم تكن كل الأسباب بل ذكرت إحدى صحف الوفد عدة أسباب أخرى لم تكشفها صحف ولا نشرات الإخوان حتى لا تقطع الود مع الأستاذ السكري وكان من هذه الأسباب:
1- أن الأستاذ أحمد السكري كان يتجسس على مخاطبات ومكالمات الأستاذ البنا الخارجية والداخلية, وظهر ذلك أثناء التحقيق حيث قدم عامل التليفون تقريرا عن ذلك أثبت فيه أن الأستاذ السكري كلفه بذلك.
2- أخذه مبالغ من جهات مختلفة باسم جمعية الإخوان المسلمين, ولم يوصلها للجمعية.
هذا وقد أصدر المركز العام نشرة إخبارية تم توضيح فيها الأسباب التي دعت لفصل الأستاذ أحمد السكري, وذكر فيها أن ضمن هذه الأسباب :
1- التمرد حيث كانت أكثر تصرفاته سلسلة من التمرد على قرارات مكتب الإرشاد والهيئة.
2- بث الفتنة , حيث عمد إلى صحف الوفد وأذاع أخبار خاطئة كاذبة وحقائق محرفة عن المرشد العام وسياسة الإخوان, وأنه صاحب هذه الدعوة ، لكنه آثر الأستاذ البنا بها.
3- الاتصالات الضارة بمن ينوئون الدعوة ويريدون بها السوء, وإعطاؤه معلومات للصحف الوفدية كاذبة كخبر اللجنة السياسية ،وهى فكرة عرضت على بعض الشخصيات لتكوين لجنة استشارية فقهية قانونية .
ولقد استطاع فؤاد سراج الدين من استقطاب أحمد السكري بصفة داخل اللجنة,وحصل منه على تقارير سرية للإخوان, ونشرها في صحف الوفد, فجمع الأستاذ البنا الهيئة التأسيسية, وعرض الأمر عليهم وتبين أن الأستاذ أحمد السكري هو المتسبب في ذلك, فطالبته الهيئة بكتابة مقال يكذب ما ورد في الصحف الوفدية , غير أن أحمد السكريرفض ذلك, وأخذ في الهجوم على الجماعة من خل الجريدة صوت الأمة .
وإزاء الاتهامات التى اتهم بها الأستاذ السكري فقد عقدت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين اجتماعها العادى الدورى الثالث يوم الخميس 14 من المحرم 1366هـ, الموافق 27 نوفمبر 1947 م, وكان من قراراتها:
الموافقة التامة على قرار المرشد العام بإعفاء الإخوان محمد عبدالسميع الغنيمي أفندي و سالم غيث أفندي و أحمد السكري أفندي من عضوية الجماعة بناءً على تفويض الهيئة السابقة لفضيلته ، ولما تعرفه الهيئة من تصرفات الأستاذ احمد السكري قبل الإعفاء وبعده فإنها تقرر بالإجماع اعتباره ناقضًا للعهد حانثًا باليمين خارجًا على الجماعة مُحاربًا للدعوة، وكذلك كل من اتصل به أو ناصره.
رد فعل السكري
وعلى إثر هذا القرار انقلب الأستاذ السكري على الجماعة ومرشدها وأخذ يهاجم المرشد العام وفتحت له جريدة صوت الأمة ذراعها للهجوم على المرشد العام وبث الفرقة وسط الإخوان ومحاولة زعزعة الثقة بين أفراد الإخوان وقيادتها.
حقيقة إن كثيرا ممن خرجوا من الإخوان لم يتجرءوا عليها ويجرحوا فيها وفى مؤسسها ويسوقوا التهم والأكاذيب مثلما فعل السكري ، ولا نقول أبدا إن الإخوان لا يخطئون ،ولكن إذا سيقت الأخطاء بالأدلة ،فإن ذلك أحرى لمناقشتها فى ضوء الظروف التى أحاطت بالموضوع ،أما أن تساق الاتهامات بلا دليل ،فهذا كذب وافتراء ، خاصة ممن تربوا فى ظل هذه الدعوة وكان من دعاتها.
أثر هذه الأزمة على الإخوان
يعتبر هذا الانشقاق من أكبر الانشقاقات التي حدثت في الجماعة, واستغل خصوم الإخوان ماحدث من فصل السكري ورفاقه، للنيل من الإخوان وإشاعة الفرقة بين صفوفهم ،ونشرت جريدة (صوت الأمة)الوفدية استقالات وهمية من الإخوان وأنهم يؤيدون الأستاذ أحمد السكري حتى كذبها الإخوان الذين نشرت أسماؤهم.
واتجه السكري ورفاقه إلى جريدة (صوت الأمة) التي فتحت لهم ذراعيها ليكيلوا للدعوة ومرشدها التهم والافتراءات.
ولم ينس الإمام البنا فضل الصحبة والعشرة الطويلة مع الأستاذ أحمد السكري فأرسل رسالة للإخوان عبر جريدة الإخوان اليومية يوصيهم فيها بعدم التعرض لشخص الأستاذ أحمد السكري أو النيل منه والقضاء على كل إشاعة.
وبعد أن خرج الأستاذ أحمد السكري من الجماعة كون جمعية أطلق عليها جمعية الإخوان المجاهدون الأحرار، واتخذ لها مقرا في ميدان الخديوي إسماعيل .
غير أن الجمعية لم تدم كثيرا, فانضم السكري لجماعة "مصر الفتاة" بعد أن يئس من تأييد الوفد المصري له تأييدا إيجابيا, وقد قدمه الأستاذ أحمد حسين رئيس الحزب إلى أعضاء الحزب على أن يكون وكيلا له, فعمل السكري على توتر العلاقة بين الإخوان المسلمين ومصر الفتاة.
وظل الأستاذ السكري يهاجم الإخوان ومرشدهم عبر صوت الأمة, حتى في أحلك الظروف ، غير أن هذه النبرة بدأت تخف خاصة بعد تخلى الوفد عن أحمد السكري, وتوارى السكري خلف الستار فلم يكن له أي دور يذكر بعد ذلك حتى توفى في 27 مارس 1991 م.
عهد الأستاذ مصطفى مشهور
أبوالعلا ماضي
في يناير عام 1996 وقع انشقاق آخر في الجماعة، حينما رفضت فكرة تأسيس حزب يمثلها سياسيًا، وهو ما كان ينادى به بعض أعضائها الذين أصروا على تنفيذ مطلبهم حينها؛ حيث تقدم أبو العلا ماضي، عضو مجلس شورى الجماعة حينها، بطلبٍ للجنة شؤون الأحزاب لإنشاء "حزب الوسط"، وكافح لتحقيق ذلك 15 عامًا باحثًا عن رخصة لتكون لسان حال الإخوان المسلمين، ولكن تلك الفكرة كانت مرفوضة لدى الإخوان حينها؛ فحاولت الجماعة من خلال وسطاء كالدكتور يوسف القرضاوي إقصاء ماضي عن فكرة الحزب وسحب الأوراق، إلا أنه رفض ذلك واستقال هو وعدد من أعضاء الجماعة من بينهم الأستاذ عصام سلطان، ليؤسسوا حزب الوسط بعد 15 عامٍ من الصراع مع السلطة.
عهد المستشار مأمون الهضيبي
ثروت الخرباوي
في عام 2000 كان ثروت الخرباوي الذي بدأ حياته السياسية في حزب الوفد ثم انضم للإخوان المسلمين ليصبح أحد أعضائها وممثلا لها داخل نقابة المحامين، ومسئولاً عن انتخابات النقابة.
ولكن الخرباوي خالف أمر جماعة الإخوان حينها وقام بترشيح سامح عاشور على منصب النقيب، ما ترتب عليه بداية خلاف الخرباوي مع الإخوان، وتحويله إلى محاكمة داخل الجماعة أدت في النهاية إلى إعلان انفصاله عنها عام 2002.
ومنذ فصله، دأب الخرباوي على رواية القصص والحكايات الكاذبة عن الجماعة، فضلا عن تأييده للانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي.
عهد الدكتور محمد بديع
في عامي 2011-2012 وبعد ثورة 25 يناير، شهدت جماعة الإخوان المسلمين أبرز وأكبر حالات فصل واستقالات لأعضائها، كان اللافت هو أن من بين المفصولين عدد من القيادات التاريخية للجماعة؛ لأسباب متعددة تختلف من حالة إلى أخرى، نرصدها فيما يلي.
محمد حبيب
في 26 يناير 2010، أي قبل عام من اندلاع الثورة، فاز الدكتور محمد بديع بمنصب المرشد العام للإخوان المسلمين، في أول انتخابات علنية على هذا المنصب،.
لكن محمد حبيب، نائب الأستاذ مهدي عاكف المرشد الأسبق، أصر أن يسير عكس التيار، ورفض نتائج الانتخابات وعلى خطى الخرباوي دأب أيضا في ترويج الكاذيب عن الجماعة، خاصة بعد الانقلاب العسكري.
عبدالمنعم أبوالفتوح
في يوينو 2011 أصدر الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين قرارًا بفصل الدكتور عبدالمنعم أبوالمفتوح، كان ذلك على خلفية إعلان جماعة الإخوان المسلمين عقب الثورة أنها لن تدفع بمرشحٍ رئاسي، وهو القرار الذي لم يلتزم به أبوالفتوح.
وقالت جماعة الإخوان حينها فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي التاريخي للجماعة؛ بأنه جاء بسبب مخالفته لقرار مجلس شورى الجماعة في فبراير 2011 والمؤكد في جلسة أخرى في أبريل 2011، والقاضي بعدم ترشح أي عضو منتسب لجماعة الإخوان في انتخابات رئاسة الجمهورية، ما استلزم زوال عضويته من الجماعة بعد التحقيق معه بمعرفة لجان التحقيق الدائمة والمنتخبة.
وبعد هذا العرض، نرى أن أزمات الجماعة -الداخلية- ليست أمرا جديدا عليها، ولم تكن يوما سببا في انهيار الإخوان.
وختاما .. وكما ذكرنا تأتي الخلافات في النهاية كأمر طبيعي يحدث في أي تجمع بشري، ولا ننسى ما وقع بين أصحاب رسول الله ﷺ، وهم خير الناس بعده، من شقاق بل واقتتال، وفي أصحاب رسول الله ﷺ أيضا، من وصفهم الله تبارك وتعالى بـ"منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة".
* إخوان ويكي