06/04/2011
هبت رياح الحرية والتغيير على دول أوروبا الشرقية أواخر القرن الماضي، فثارت شعوبها، فتهاوت قلاع الديكتاتورية والاستبداد، واستعادت الشعوب سيادتها وحريتها وكرامتها.
وانتظرنا طويلاً حتى تحركت شعوبنا العربية فثارت على الأنظمة القمعية الإرهابية الفاسدة، فسقط النظامان التونسي والمصري، ولا يزال النظامان الليبي واليمني يقاومان السقوط المحتوم- بإذن الله- ويرتكبان جرائم الإبادة لشعبيهما، ولكنَّ إرادة الشعوب ستنتصر في النهاية لأنها من إرادة الله.
إن ما يحدث عندنا وحولنا يقطع بأن عصرنا هذا هو عصر حرية الشعوب وسيادتها، والعاقل من فهم هذا، واستجاب له.
إن الأنظمة الناجحة الثابتة المستقرة هي التي تستمد شرعيتها من شعوبها، وتتوحَّد إرادتها بإرادتها، وتستقوي بها، وتقيم العدل والقسط بينها، وتحترم حريتها وحقوقها، وتستجيب لتطلعاتها وأمانيها، وتلتزم بمبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، واستقلال القضاء، والمساواة بين المواطنين، وتؤمن بالتعددية دون إقصاء في إطار الجماعة الوطنية، وتحارب الفساد والمفسدين،، وعندئذٍ تحتضنها الشعوب وتدعمها وتؤيدها وتفتديها بالمهج والأرواح، فلا تخشى دولةً مهما أوتيت من قوة، وبهذا فقط يتحقق الأمن والأمان للشعب والحاكم.. "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر".
ونحن إذ نقدر موقف النظام السوري من المشروع الصهيوأمريكي، ورفضه التفريط في الحق والأرض، وتصديه لمشروع الشرق الأوسط الكبير ووقوفه منه موقف الممانعة، ودعمه للمقاومة والمقاومين، واحتضانه زعماء الفصائل الفلسطينية، وتأييده حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ودعمه أيضًا المقاومة اللبنانية؛ فإننا بنفس القدر نؤيد حق الشعب السوري في الحرية والحياة الكريمة والديمقراطية والتمتع بكل حقوق الإنسان التي أقرها الإسلام هبةً من الله، وأقرتها المواثيق الدولية، ونرفض تمامًا العدوان على أفراد الشعب الذين يعبِّرون عن أنفسهم بالتظاهر السلمي، كما ندين إراقة قطرة دم واحدة بغير حق، ناهيك عن قتل العشرات في المدن والقرى، وحسبنا أن القرآن الكريم جعل قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعًا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل نفس مؤمنة"، كما ندين اعتقال مواطن أو مواطنة ولو للحظة واحدة، فالظلم نذير الخراب، والظلم يعم: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (الأنفال: من الآية 25).
وإننا من منطلق حبنا لسوريا الشقيقة رفيقة الجهاد في التاريخ القديم والوسيط والحديث؛ ندعو إلى مصالحة عامة مع كل فصائل العمل الوطني السوري، والاستجابة لمطالب الشعب وتطلعاته إلى الحرية والكرامة والعدالة، وإنهاء حالة الطوارئ، ومحاكمة كل من ارتكب جرائم في حق الشعب وحقوقه، وانتهك دور العبادة وحرمتها، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، فالأنظمة لا تقوى بجيوشها وشرطتها، ولكن تقوى بشعوبها وأمتها، وهذا مقتضى الشرع والعقل والحكمة والوطنية.
كما أننا نحذر من القوى العالمية الظالمة المتربصة بالدول الرافضة للخضوع لسياستها من أن تستغل الأحداث الجارية في سوريا- وخصوصًا إذا زاد الصدام والتناحر وإراقة الدماء- أن تستدرج مجلس الأمن إلى قرار لحماية المدنيين وفق الباب السابع، ثم تذهب لتدمير الجيش السوري من البحر والجو لصالح العدو الصهيوني، الذي ينتظر هذه اللحظة دون أن يتكلف شيئًا.
وقى الله أمتنا من الشر الذي يراد بها، وهدانا إلى صراطه المستقيم.
الإخوان المسلمون
القاهرة في: 3 من جمادى الأولى 1432هـ /6 من أبريل 2011م