بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين

في المؤتمر الصحفي للإعلان عن موقف الجماعة من انتخابات مجلس الشعب 2010م

"مشاركة لا مغالبة"

الإخوة والأخوات.. أيها الشعب المصري الكريم.. أيها الإخوان المسلمون..

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. وبعد..

ففي هذه اللحظات المهمة، التي تحياها مصرنا الحبيبة..

ونحن على أعتاب مرحلة مفصلية من تاريخنا الحديث..

ونحن على أبواب انتخابات برلمانية ينتظرها العالم كله..

ونحن أمام مسئولياتنا وواجباتنا تجاه وطننا الحبيب..

ونحن أمام حالة من الفساد والاضطراب غير مسبوقة في تاريخ مصر..

 

ولذا كان لا بد للإخوان المسلمين أن يعلنوا موقفهم من المشاركة في انتخابات مجلس الشعب القادمة؛ ذلك لأن الإخوان المسلمين لم يكونوا في يوم من الأيام ليتأخروا عن تلبية نداء مصر، باذلين لله في سبيلها كل ثمين وغالٍ، وفي التاريخ تأكيد وبرهان على ذلك، وهذا ليس ادِّعاءً ولا تزيدًا، ولكنه واقع ملموس يراه كل مخلص محبّ لهذا البلد، وكل قارئ محايد لتاريخ مصر؛ فالإخوان المسلمون جزءٌ من النسيج الوطني والقومي لمصر، لا يمكن تجاوزه أو إنكاره ولا المزايدة عليه.

 

الإخوة والأخوات..

تعظيمًا للمؤسسية والشورى التي تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين عبادةً وخلقًا، فقد تمَّ استطلاع آراء مجالس شورى الإخوان بالمحافظات، ومكاتبها الإدارية التي وافقت جميعها على المشاركة، وكذلك ذوي الرأي والفكر، ثم تم عرض الأمر على مجلس الشورى العام الذي اتخذ قرارًا بالمشاركة في انتخابات مجلس الشعب القادم 2010م في حدود 30% من المقاعد الكلية لمجلس الشعب؛ إعمالاً لحقنا الدستوري والقانوني والشعبي.

 

وسيقوم الإخوان بكل محافظة بإعلان تفاصيل المرشحين وأعدادهم، والدوائر التي سيدخلون الانتخابات بها، وفقًا لظروفهم المحلية، وتماشيًا مع قرار مجلس الشورى العام الذي نعلنه اليوم وهو كالآتي:

• وافق 98% من أعضاء مجلس الشورى العام على المشاركة في الانتخابات.

• وافق 86% من أعضاء مجلس الشورى العام على أن تكون نسبة المشاركة في حدود 30%  من إجمالي عدد المقاعد.

• وافق 96% من أعضاء مجلس الشورى العام الدخول في المنافسة على مقاعد المرأة. 

• وافق 88% من أعضاء مجلس الشورى العام على مشاركة كل المحافظات في الانتخابات.
وسوف يتم الإعلان عن الرقم النهائي للمرشحين بعد مرحلة الطعون؛ بما يحقق المصلحة العامة وبعد التنسيق مع الأحزاب والقوى السياسية والمستقلين.

 

الإخوة والأخوات..

إننا حين اتخذنا قرارنا بالمشاركة في هذه الانتخابات؛ فإننا أردنا بذلك إعلاء قيمة الإيجابية في المجتمع، وضرورة ممارسة الشعب لحقوقه الدستورية والقانونية، والتصدي للفاسدين والمفسدين، وعدم ترك الساحة السياسية مجالاً خصبًا لهم بدون حسيب ولا رقيب، وتعظيمًا للإرادة الشعبية للأمة، وترسيخًا لسنة التدافع ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.

 

ولقد تباينت الآراء وتعدَّدت الرؤى في المرحلة الأخيرة بين القوى الوطنية حول جدوى المشاركة في هذه الانتخابات، وبخاصة مع عدم تحقيق النظام الحدَّ الأدنى للمطالب التي دعت إليها جميع القوى السياسية، كضمان لنزاهة العملية الانتخابية، وهنا أودُّ تأكيد ضرورة احترام كل فصيل سياسي آراء وقرارات الفصيل الآخر، وألا ننسى دورَنا في مواجهة الفساد والمفسدين، وننساق نحو مهاجمة بعضنا بعضًا، وتفنيد سلبيات موقف كل قوة من القوى.

 

وإنه لمن الضروري أن تتوحَّد الجهود المخلصة لمواجهة كل فاسد والأخذ على يديه؛ لتحقيق ما فيه الخير لمصر والمصريين، وهذا لن يتحقق بالتناحر والتنابز، وإصرار كل صاحب رأي على رأيه ورفضه الآراء الأخرى، فلنتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، ولنغلِّب جميعًا الصالح العام، ولنعمل على نصرة وطننا وتقدِّم أمتنا، كلٌّ حسب مبادئه وآرائه وقرارات مؤسساته الشورية.

 

رسالة للقوى السياسية

إن المعركة الحقيقية للإصلاح بيننا جميعًا، كقوى سياسية وطنية، وبين المستبدين والمزورين، فلا نريد أن ننقل المعركة إلى تلاسن بيننا وتسابُق في نقد ودحْضِ كلٍّ منا مواقف الآخر.

 

ولقد أكدت لكل من التقيتهم- من ساسة وقادة أحزاب وقوى سياسية- ضرورة الرجوع إلى قواعدهم والنزول على رأيهم ومطالبهم، سواء بالمشاركة أو المقاطعة، وهذا هو جوهر المشاركة السياسية وحقيقتها.

 

إن توحُّدنا جميعًا كقوى سياسية في وجه الاستبداد الذي يستأثر بالعملية السياسية عنوة؛ هو أعظم طريق وسبيل لمواجهته، وفضح ممارساته، وإرغامه على احترام إرادة الأمة ونزوله على رأي الشارع المصري.

 

فلنجعل من يوم الانتخاب يومًا للإيجابية، ولنزرع في مواطنينا روح الإيجابية والتفاعل مع الأحداث والمحافظة على حقوقهم، وليخرج كل مواطن كي يقول رأيه بحرية تامة، وفقًا لما يمليه عليه ضميره، وليعلم قيمة صوته وأنه أمانة، فلا يتركه للمزوِّرين وأعوانهم ليتلاعبوا به.

 

رسالة للشعب المصري

إننا ندعو الشعب المصري الكريم إلى أن يقوم بدوره في اختيار مرشحيه وممثليه الشرعيين المصلحين من المسلمين والأقباط، الذين ينوبون عنه في السنوات المقبلة، بكل حرية، وألا يتركوا المجال لسماسرة الأصوات وأعوانهم؛ ليتلاعبوا بمصير الأمة، وعليهم أن يقفوا- وبكل قوة- أمام أية محاولة لتزوير الانتخابات لأي مرشح أو حزب أو هيئة كائنًا من كان.

 

كما أننا ندعو جميع المؤسسات الرسمية والأهلية والهيئات والأحزاب والمستقلين إلى أن تقف صفًّا واحدًا في مواجهة التزوير والمزورين بكل الوسائل السلمية المتاحة؛ حمايةً لإرادة الأمة ومستقبل أبنائها، وألا يتركوا الساحة للمنتفعين والمفسدين ليقرِّروا مصير البلاد والعباد.

 

إننا نثق في الشعب المصري الكريم، وفي كفايته لاختيار أفضل من يمثله، ويعبِّر عنه، وفي قدرته على حماية حقوقه ومكتسباته، وفي التصدي لكل من يحاول أن يزوِّر إرادته.

 

رسالة للنظام

كما أننا ندعو النظام الحاكم إلى أن يتحلَّى بأكبر قدر من المسئولية في إدارته للعملية الانتخابية، وأن يغلِّب مصلحة الوطن العليا على مصلحته الضيقة، وأن يعلم أن أية شائبة تشوب هذه الانتخابات النيابية ستلقِي بظلالها على كل انتخابات مقبلة، وهو ما يؤثر سلباً على المشروعية الدستورية والشعبية.

 

وكان الأولى بالنظام أن يوافق على إصدار مشروع قانون ممارسة الحقوق السياسية الذي تقدم به أكثر من مائة من أعضاء مجلس الشعب، وعليه فإننا نطالبه بضرورة تحقيق الضمانات الحقيقية لنزاهة العملية الانتخابية، من ضبط للجداول الانتخابية، ووضع قواعد واضحة للعملية الانتخابية بجميع مراحلها، وضرورة إبعاد وزارة الداخلية والسلطة التنفيذية عن العملية الانتخابية، واقتصار دورها على تأمين إجراء العملية الانتخابية فقط، وضرورة تفعيل الإشراف القضائي بتعيين قاضٍ على الأقل بكل مجمع انتخابي.

 

وكذا تمكين المرشحين ووكلائهم ومنظمات المجتمع المدني من حضور جميع مراحل العملية الانتخابية، منذ فتح باب الترشيح وحتى الفرز وإعلان النتيجة، وتجريم استخدام مؤسسات الدولة في الدعاية الانتخابية.

 

رسالة إلى منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام

كما ندعو منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية ووسائل الإعلام المصرية والدولية إلى أن تضطلع بدورها المأمول في مراقبة الانتخابات في جميع مراحلها، من داخل لجان الاقتراع والفرز وخارجها وإعلان النتائج، وأداء دورهم المنوط بهم في توفير أكبر قدر من الحماية للمرشحين والناخبين على حد سواء، والتصدي للتزوير والمزورين، وملاحقة من يثبت في حقه اقتراف هذه الجريمة النكراء، أيًّا كان منصبه أو مكانته.

 

وفي النهاية أتوجه إلى الإخوان المسلمين والأخوات المسلمات: إن الآمال معقودة عليكم، وعلى ما ستقومون به في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ مصر، فلتقدِّموا من أنفسكم القدوة الصالحة لأمتكم وشعبكم، واحرصوا على وحدة الأمة، وجمِّعوا ولا تفرِّقوا، وابذلوا من أنفسكم طائعين غير مكرهين طاعةً لله، ثم حبًّا لوطنكم ولشعبكم.

 

تحركوا بكل قوة بين الناس، ناشرين بينهم الخير، وعارضين لمشروعكم الإصلاحي ولمبادئ دعوتكم المباركة ورافعين شعار "الإسلام هو الحل" وساعين لجعله واقعًا ملموسًا بين الناس، ولا تجرحوا أحدًا، وتذرعوا بالصبر أمام من يفتري عليكم زورًا وبهتانًا، وفي ذات الوقت لا تعطوا الدنيَّة من أمركم، وتصدُّوا لمحاولات تزوير إرادة الأمة، وكونوا لها بالمرصاد، ولاحِقوا المزورين وأعوانهم بكل الوسائل السلمية المتاحة لكم، واعلموا أنكم أصحاب دعوة ورسالة، فاعملوا على هذا الأساس كدعاة مصلحين حريصين على الأمة ومغلِّبين مصالحها العامَّة.

 

ولا يفوتني أن أتقدم باسم الإخوان المسلمين بخالص الشكر والتقدير والامتنان لنوابنا الكرام على أدائهم المتميز في الدورة السابقة وعلى ما قاموا به من جهود مخلصة لخدمة الوطن والمواطنين.

 

أيها الإخوان المسلمون:

لنجعل من يوم الانتخابات يومَ فخر حقيقي للحرية بكل مشتملاتها، ولنجعله نقطةً فارقةً في تاريخ مصرنا الحبيبة، وهو كذلك بالفعل، ولنترك للشعب الحرية الكاملة في اختيار ممثليه، ولنحترم جميعًا إرادته وخياراته، ولننزل على كلمته، ولنتعاون جميعًا في توفير المناخ المناسب لكل هذا، ولنحرص على ألا يلوث هذا اليوم المنتظر بالأفعال السيئة التي اعتاد عليها البعض في السابق؛ رحمةً بالبلاد ومستقبلها.

 

حفظ الله مصرنا الحبيبة من كل سوء ومن دعاة الفتنة وأعاننا جميعًا على خدمة ديننا ووطننا، مُعلِينَ راية الحق والعدل والحرية، مغلِّبين مصلحة الوطن على كل ما عداها.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل..

والله أكبر ولله الحمد.

القاهرة في: 1 من ذي القعدة 1431هـ الموافق 9 أكتوبر 2010م