07/01/2011

 أد/ محمد بديع 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وقدوتنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..

 

الإخوة الأحباب..

لقد تابعت على مدى الأيام الماضية تعليقاتكم الكريمة على مقالي "رسالتي إلى مسئولي العمل التربوي"، وأشكركم على آرائكم وأطروحاتكم التي هي محلُّ كل تقدير، داعيًا الله أن يزيدكم حرصًا على دينكم ودعوتكم، وأن يرزقنا جميعًا الإخلاص في القول والعمل، كما أدعو الله أن ينفعنا وكل القراء بما ورد في هذا المقال وتعليقاته، وأن يجعله في موازين حسناتنا أجمعين.

 

وأود التأكيد بدايةً على أن ما ورد في مقالي من معانٍ ونصائح وتوجيهات لإخواني وأحبابي مسئولي العمل التربوي؛ إنما كانت للتذكير والتوجيه بواجباتنا ومسئولياتنا جميعًا بلا استثناء؛ حيث إنها ثوابت تربوية لجماعة الإخوان المسلمين ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)﴾ (الذاريات)، كما أن ذكر بعض المشكلات لا يعني بالضرورة عمومها وتفشِّيها، ولكنه يعني التحذير منها حال عدم وجودها أو معالجتها والتغلب عليها إذا وُجدت.

 

كما أنَّ جميع التعليقات الواردة في المقال هي محلُّ اهتمام ومتابعة مني شخصيًّا، فقد قرأتها جميعًا، بل وقرأت بعضها أكثر من مرة، ونالت اهتمام جميع مؤسسات الإخوان، وبخاصةٍ التربوية منها، وسنبذل كل جهدنا لتحقيقها والاستفادة منها في أقرب وقت إن شاء الله، فهذه هي مهمتنا، وتلك هي رسالتنا ودعوتنا وأمانتنا أمام الله، ونحن نتعبَّد إليه سبحانه بهذه الأعمال، راجين منه القبول.

 

ومن هنا فإنني أذكِّر إخواني بضرورة تغليب العمل على القول، فما أسهل القول والتنظير والتأطير والنقد السلبي والتجريح، وما أصعب العمل والجهد والنقد البناء والمشاركة في العلاج!! وكذلك ضرورة أن يعذر بعضنا بعضًا إذا قصَّر في أداء مهمَّته، وأن نقدِّم النصح والتواصي لبعضنا مخلصين لله متجرِّدين له من كل هوى أو شهوة، فكل من يجد ثغرةً فعليه أن يتقدَّم ليسدَّها، كما تعلمنا في الصلاة أن نسد ثغرات الصفوف بأجسادنا وليس بكلامنا؛ حيث الكلام ممنوع. كما عليه أن يواظب بدأب على بيان رأيه وتوضيحه بأخلاقنا الإسلامية الجميلة، ولنتحرك بشعار: "أصلح نفسك وادع غيرك".

 

وأبواب الإخوان جميعًا- وبخاصة القادة منهم- مفتوحة للجميع، فكلنا عاملون لله ولدعوته، فلا يجوز أن نتحرَّج من إبداء الرأي والمشورة لبعضنا، مهما اختلفت مواقعنا، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في سماع الاقتراح عندما وضعه عنده جندي علم أن التفكير في الأفضل واجب والأجر يقع على الله عز وجل؛ فالله هو الغاية أولاً وأخيرًا، وليكن همنا جميعًا أن نُري الله من أنفسنا خيرًا.

 

ومن نعم الله علينا أن هذه المعاني الكريمة غير خاصة بدعوة دون غيرها، ولكنها صالحة لجميع العاملين لدين الله ولدعوته في كل مكان، بل وتتعدَّى ذلك لتشمل كلَّ من يريد التربية القويمة، فردًا كان أو مؤسسةً.

 

وهذا بفضل الله من خصائص دعوتنا المباركة ومبادئها الكريمة؛ حيث إنها قابلة للتطبيق العملي في مختلف البيئات، فدورنا في التربية ليس للإخوان فقط، ولكن للمجتمع كله، وهذه الأسس التي ذكرت صالحة لتربية وإصلاح هذا المجتمع.. وهذا مما تستهدفه جماعة الإخوان المسلمين من تربية أفرادها؛ ليصبحوا مواطنين مسلمين صالحين لخدمة أوطانهم ومواطنيهم في كل بلد من بلدان العالم يعيشون على أرضه.

 

أحبابي..

هناك بعض التعليقات التي تطالب بمتابعتي لها وعرضها عليَّ، وها أنا أؤكد متابعتي الكاملة لهذه التعليقات وغيرها ولحركة الإخوان بل وللمجتمع والعالم من حولنا؛ فهذه أمانتي، وأدعو الله أن يعينني عليها.. ومن هذا المنطلق فإنني أطمئن إخواني على متابعتي المستمرة، وأدعوهم جميعًا إلى ضرورة تحويل المقال والتوصيات إلى واقع ملموس خلقًا وسلوكًا وواقعًا معيشًا؛ ليحقِّق الخير لنا جميعًا، الذي نحمله لمصر وللعالم كما هو شعارنا قولاً وعملاً.

 

فلا توجد حواجز بيني وبين إخواني، ولا يوجد بفضل الله "الحُجَّاب" كما ذكر البعض، فكيف توضع حواجز بيني وبين أصحاب الحقوق عليَّ؟! ولكم يسعدني أن ألتقي جميع الإخوان، وبخاصةٍ من يريد مقابلتي، فأنا أشدُّ حرصًا على مقابلته، ولكنها المهامُّ والواجبات التي هي أكثر من الأوقات، وأعتقد أنكم تتفقون معي أنه لو فُتح باب المقابلات الشخصية على مصراعيه، فلن يبقى وقت لأداء المهام الملقاة على عاتقي، ومع ذلك فكل من يريد مقابلتي فعليه أن يذهب إلى إخوانه، ويطلب منهم ذلك، ويعرِض عليهم وعلى قادتهم ما يريد، وإن لم يحققوا له ما يريد، أو يوضِّحوا له ما التبس عليه فليطلب منهم ضرورة مقابلتي، وهم سيرتبون ذلك له معي بإذن الله. وهذا هو "إيميلي" الخاص لمن يريد أن يرسل إليَّ رسالة خاصة [email protected] 

 

فأنا وإخوانكم في مكتب الإرشاد لا نعيش بعيدًا عنكم، فنحن بكم وأنتم بنا، حتى إذا شغلتنا المشاغل، فأنتم أحبَّة القلوب ومهجة الفؤاد وطريقنا إلى جنة الله؛ فكيف يتبادر إلى ذهن البعض أننا ننشغل عنكم أو توضع حواجز بيننا وبينكم؟!

أحبتي..

 نحن بفضل الله دعوة ربانية نسعى لإصلاح الدنيا بالدين، وبالتالي فلا يوجد لدينا ما نخفيه أو نخجل منه، ولا يوجد لدينا "غسيل" نخشى من عرضه على الناس، ولكن ليس من المقبول عرض المداولات أو إشاعة الخلافات، وهذا لا يعني أننا معصومون ولكننا بشر نصيب ونخطئ، والتشخيص السليم للوضع العام- سواء داخل الصف أو خارجه- بشفافية وتجرد هو بداية العلاج والإصلاح، وهذا هو النهج النبوي في الإصلاح والتغيير، وهو ما نسعى إلى تحقيقه بإصلاح أنفسنا ومجتمعنا.

 

ويتحدث البعض عن فصل "السياسي" عن "الدعوي"، وإن من يدعو إلى ذلك يكون كمن يريد أن تكون السياسة خاليةً من المنظومة الأخلاقية والإيمانية، فهو يريد تحويل السياسة إلى عمل لا أخلاقي، فالجماعة ترى أن الإسلام يتميَّز بأنه نظام شامل، ينتظم مظاهر الحياة جميعًا؛ فيه السياسة والاقتصاد، والاجتماع والثقافة، فهو كلٌّ لا يتجزَّأ، وقد يكون هناك تخصيصٌ؛ فهذا يعمل في مجال السياسة، وهذا في المجال الاقتصادي، وآخر في المجال التربوي، وهكذا.. لكنَّ الأصل الذي تنبع منه كلٌّ من هذه المجالات هو منظومةُ القيم الأخلاقية التي تصبغ العمل، فنحن نتعبَّد إلى الله بالسياسة والدعوة على حدٍّ سواء، ولا فرق عندنا بين الاثنين، وهذه النظرة الشاملة أحد أهم خصائص دعوة الإخوان المسلمين. ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)﴾ (الأنعام)، فما معنى محياي وليس حياتي، ابحثوا عن الفرق؟!.

 

كما تساءل البعض عن القصور التربوي، وأودُّ هنا أن أوضِّح أنه لا يوجد عمل كامل خالٍ من الأخطاء، ولا يمكن أن ندَّعي الكمال في أعمالنا؛ فالكمال غاية لا تُدرك، ولكننا نريد أن نبذل الجهد جميعًا لإصلاح الخلل حال وجوده، وأن يبذل كل منا جهده لسدِّ الثغرة التي يراها، وإخوانكم- سواء في التربية أو غيرها- يبذلون كل جهد لتطوير أدائهم، ونحن نتابعهم وندعمهم؛ لأننا جميعًا بحاجة ماسَّة لتضافر الجهود لتقديم العمل بأفضل صورة ترضي ربنا عز وجل الذي قال لنا: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)﴾ (الملك)، وليس أكثر عملاً.

 

فمن له رؤية أو وجهة نظر لتطوير العمل- أي عمل- فعليه التقدم بها إلى إخوانه وأحبابه، عارضًا إياها بصورة مكتملة وواضحة وقابلة للتنفيذ، ولنقتدي بالمصطفى صلى الله عليه وسلم القائل "وأنا عليَّ جمع الحطب"، وهذا أصعب الأدوار وأشقها، فليس المطلوب توزيع المسئوليات أو تقديم الاقتراحات فقط، ولكن مع ذلك أيضًا عرض المشاركة الجادة والحثيثة للتنفيذ.. فها هو الحباب بن المنذر رضي الله عنه اقترح وشارك في فك الخيام كلها وإعادة نصبها بعد بئر بدر، وكان اقتراحه بفضل الله سبب النصر.. وهذا تشريع إلهي وتطبيق نبوي شريف.. فالنهوض بالعمل مسئولية الجميع ونتيجة حتمية لتضافر الجهود وتوحيد الصفوف، لا بالاستعلاء ولا بتصيُّد الأخطاء.

 

أحبابي الكرام..

وذكر البعض بأن له مشكلاتٍ خاصةً في بعض الأماكن، فعليه أن يعرض مشكلته بكل وضوح وأمانة على إخوانه ويصعِّدها إلى قيادته، ويبيِّن وجهة نظره، متحليًا بآداب الإسلام وأخلاقه في تقديم النصحية وقبولها غير مجرِّح، وبكل حب وأخوَّة ومودة ورحمة.

 

إن أخشى ما أخشاه أن يكون مَن لديه مشكلة غير متحلٍّ بالقوة اللازمة لعرض فكرته وبيانها أمام إخوانه ويتخفَّى وراء الفضاء الإلكتروني في عرض آرائه خشية عدم المواجهة، فنحن نعمل لله ونتقرب إليه بأعمالنا كلها، فلا مجال إذًا للتردُّد في عرض وجهة نظرنا أمام إخواننا والدفاع عنها، ومن ثم القبول برأي القيادة الناتج من الشورى بعدئذٍ.

 

ولَكَم أحزنني من قال إنه ترك الدعوة من أجل أشخاص ومعاملتهم غير السويَّة، فهل الدعوة بهذه المكانة عند البعض ليتركها لممارسات مختلف عليها أو حتى غير سوية؟! فنحن جميعًا أصحاب دعوة، ولا يوجد أحد أحرص من أحد على الدعوة، فكلنا يجب أن نكون على نفس الدرجة من الحرص، فنحن ارتبطنا بالدعوة، وبايعنا عليها طاعةً لله، وليس لشخص، مهما علا قدره ومكانته، فلنعرف الرجال بالحق وليس الحق بالرجال.

 

كما ينبغي التحلي بالأدب النبوي الكريم في الخلاف والاختلاف وعدم النَّيل من النيَّات.. فلقد أمرنا رب العزة بإحسان الظن ووصفنا بــ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (المائدة: من الآية 54)، وأوصانا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله "لينوا في أيدي إخوانكم".. بل وبشرنا بقوله: "ألا أخبركم على من يحرم عليه النار؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "على كل هين لين سهل قريب".. فلْنَلِنْ في أيدي بعض، ولنجعل من الاختلاف دافعًا للعمل لا معوِّقًا له، وإياكم واختلاف النفوس؛ فهي بداية الخطر الحقيقي، ولنتسابق إلى العمل باذلين غاية الجهد والوسع، وكما قال بعض السلف: "أعظم الناس وسعًا أعظمهم إيمانًا".

 

كما طالب بعض الأحباب بضرورة التركيز على العلم الشرعي، وهذا موجودٌ بالفعل في مدارس الدعاة المنتشرة في القطر كله، بخلاف العلماء وطلبة العلم الشرعي، وهم كثر بفضل الله عزَّ وجلَّ.. ونحاول جاهدين الاستفادة منه فهو نهر لا يشبع شاربوه.

 

وكم أسعدني من قال إنه سجَّل بعض الملاحظات والتوصيات الواردة، ووعد بوضع جدول لتنفيذها، ووصَّى إخوانه وأحبابه بذلك، ومن قال إنها للتنفيذ وليست للقراءة، فهذه هي الروح التي نريدها، فلا بد من تحويل النصائح والتوصيات إلى خطوات عملية ووضعها موضع التنفيذ؛ ليعمَّ النفع بها بإذن الله.

 

أحبتي..

لنتسابق إلى الله في البذل والنصح والتضحية، ولنكن قوما عمليين.. ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾ (المطففين)، ولنعظِّم القيم التربوية في نفوسنا ونرفع منسوبها في المجتمع كله، وإياكم أن تقعوا فيما تحذِّرون الناس منه.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)﴾ (الصف)، ولنُشِعْ روح الحب والمودة والألفة والإخاء بيننا، ففيها الفوز والنجاة وفي مناخها تقل المشاكل، ولتحرصوا على نصرة الله في نفوسكم وفي واقع حياتكم ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز﴾ (الحج: من الآية 40)، واللهَ أسأل أن يتم علينا نعمته وفضله ومنَّه؛ وهو حسبنا ونعم الوكيل.


وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد.

ــــــ

* المرشد العام للإخوان المسلمين