09/12/2010
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه... أما بعد:
فيقول الله تعالى: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)﴾ (التوبة).
أيها المسلمون:
تمرُّ بنا في هذه الأيام ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم والعالم يعيش حالةً من الصراع والظلم والاضطراب بسبب البعد عن الحقِّ والعدل، ولا يزال هذا العالم يحلم بالسلام والحرية، ولكن كيف السبيل إلى ذلك، وكثير من النظم والحكومات تسير في اتجاه معاكس لاتجاه شعوبهم، وتتحكم القوى الكبرى في مُقدَّرات الشعوب وتكيل بعدة مكاييل، والصهاينة يحتلون أرض فلسطين أرض العروبة والإسلام، والأمريكان وأعوانهم يحتلون أرض العراق وأفغانستان ويعيثون فيهما فسادًا، والشعوب تقاوم الظلم والعدوان، ومهما كان هذا الطغيان، ومهما طال زمن الظلم فلن يكون في الكون إلا إرادة العزيز الجبار.
والهجرة ليست مجرَّد أحداث وقصص تُروى، وإنما هي وحي التاريخ الحي للأمم التي تريد الحياة.. وهي قضية اليوم قبل الأمس؛ لأنها قضية البطولة والرجولة، وحديث الإيمان والفداء والحرية والإخاء، وما أحوجنا إلى كل ذلك؛ لتدعيم حياتنا في الحاضر والمستقبل.
والدروس في الهجرة أكثر من أن تحصى أو تعد، وسوف نقف على بعضها ويتصدر تلك الدروس:
- حب الرسول- صلى الله عليه وسلم- للمؤمنين وحرصه على راحتهم:
لقد أحب الرسول- صلى الله عليه وسلم- مَن آمن بالله وبما جاء به حبًّا كثيرًا، وكان كما قال الله في وصفه: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)﴾ (التوبة: 128).
وتجلى حرصه على أمن أصحابه وراحتهم، حين أمرهم بالهجرة إلى الحبشة؛ لأن بها حاكمًا عادلاً، والعدل هو سر الأمان، وقد قيل لعمر- رضي الله عنه-: "حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر.." لقد أرسلهم- صلى الله عليه وسلم- إلى المكان الآمن، وبقي هو بمكة يواجه الأذى والعنت من قريش، وهو يدعوهم إلى الله العزيز الغفار..
فهل يستفيد حكامنا وحكام العالم من هذا الدرس العظيم، فيعدلوا بين رعيتهم حتى يخيم الأمن على الأوطان، وينعم به الحكام قبل شعوبهم.. ويعلموا أن العدل أعظم سياج للأمن، ويغنيهم عن ما يحيطون به أنفسهم من جند.
وهل يتعلمون أن من واجبهم أن يتعبوا لتستريح شعوبهم، ويسهروا لينام المواطن آمنًا مطمئنًا، وأن مهمتهم الكبرى أن يحققوا الأمن للشعوب والراحة للمواطنين، قبل أن يهنئوا هم بذلك.
ولقد عبَّر عن ذلك الإمام البنا- رحمه الله- بقوله: "ونحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيبٌ إلى هذه النفوس أن تذهب فداءً لعزتهم، إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم، إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا، وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا- جد عزيز- أن نرى ما يحيط بقومنا، ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام، ولسنا نمتن بشيء ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلاً، وإنما نعتقد قول الله تعالى: ﴿بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (الحجرات: من الآية 17).
وكم نتمنى- لو تنفع المنى- أن تتفتح هذه القلوب على مرأى ومسمع من أمتنا، فينظر إخواننا:
هل يرون فيها إلا حب الخير لهم، والإشفاق عليهم، والتفاني في صالحهم؟
وهل يجدون إلا ألمًا مضنيًا من هذا الحال التي وصلنا إليها؟
ولكن حسبنا أن الله يعلم ذلك كله، وهو وحده الكفيل بالتأييد، الموفق للتسديد، بيده أزمة القلوب ومفاتيحها، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له وهو حسبنا ونعم الوكيل: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ (الزمر: من الآية 36).
- المسلم عظيم الحب للوطن:
أيها المسلمون: إن في الهجرة درسًا عظيمًا في حب الوطن، والتعلق به والحنين إليه، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَبَّ الْبِلادِ إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَكَّةُ, وَلَوْلا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ".
ومصر وكل بلاد العرب والمسلمين هي أوطاننا الحبيبة، مكانتها رفيعة، وعزها عزنا، ومن ثَمَّ فنحن نفتديها بأرواحنا، وندافع عنها بكل ما نملك، ولتسمع الدنيا ما وصف به البنا- رحمه الله- مصر (على سبيل المقال): "إننا نعيش في أخصب بقاع الأرض، وأعذبها ماءً، وأعدلها هواءً، وأيسرها رزقًا، وأكثرها خيرًا، وأوسطها دارًا، وأقدمها مدنيةً وحضارةً وعلمًا ومعرفةً، وأحفلها بآثار العمران الروحي والمادي والعملي والفني، وفي بلدنا المواد الأولية، والخامات الصناعية، والخيرات الزراعية، وكل ما تحتاج إليه أمة قوية، تريد أن تستغني بنفسها، وتسوق الخير إلى غيرها، وما من أجنبي هبط هذا البلد الأمين، إلا صح بعد مرض، واغتنى بعد فاقة، وعز بعد ذلة، وأترف بعد البؤس والشقاء..".
إن بلدًا هذا شأنه، جديرٌ بأن يجعلنا أشد تفانيًا في إصلاحها، واجتثاث الفساد من أكنافها، وكشف المفسدين والتصدي لهم ولفسادهم حتى لا يستمر نزيف تبديد خيرات الوطن، وليعلم قومنا أننا ماضون في عملنا الإصلاحي، ولن يوقفنا ما يلحقنا من عنت، أو ينزل بنا من أذى، أو يحيط بنا من ضرر.. فالوطن والمواطنين أحب إلينا من أنفسنا، وإننا لنضحي بكل ما نملك من أجل تنمية واستقرار الوطن.
- الهجرة كانت بعد تعميق الإيمان:
إن الإيمان سرٌّ من أسرار القوة، لا يدركه إلا المؤمنون الصادقون، وإذا فُقد الإيمان فهل تغني أسلحة المادة جميعًا عن أهلها شيئًا؟.
ومن أجل ذلك نجد أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ظلَّ ثلاثة عشر عامًا يوطد دعائم الإيمان في النفوس، ويسمو بالقلوب لتكون محبة الله ورسوله هي المتربعة على عرش القلوب: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)﴾ (التوبة).
فالإيمان وحده هو الذي يدفع المسلم؛ لأن يضحي بماله، بل وفعل كل شيء ويغادر وطنه من أجل عقيدته.. ومن أجل الاستمرار في بناء الإيمان وتثبيته في النفوس المسلمة- مهاجرين وأنصار- كان أول عمل قام به النبي- صلى الله عليه وسلم- حين وصل إلى المدينة هو بناء المسجد الذي يصل الأرض بالسماء، وفيه تتنزل السكينة والرحمات، وفيه تلتقي الأفئدة المؤمنة لمناجاة ربها.
ولو أن الأمة كلها- حكامًا ومحكومين- لامس الإيمان شغاف قلوبهم، وتمكن من أفئدتهم، لَما صار حالُنا إلى ما نحن فيه، ولو أنهم اعتصموا بالله وأخلصوا له وارتكنوا إليه، لعادت إليهم عزتهم، ولَمَكَّنَ الله لهم في أوطانهم، ولَخَلَّص الأمة من أهم عوامل الفساد والإفساد لحياة هذا الشعب المصري وغيره من الشعوب العربية والإسلامية، والمتمثل في أمرين:
* التدخل والتحكم الأجنبي الذي أفقدنا عزتنا، ووجهنا غير وجهتنا.
* الضعف المتناهي من هذه الحكومات، التي جعلت من نفسها أداةً طيعةً، إن لم تكن مسرعةً في يد الأجنبي، يتحكم بها في رقاب الناس كما يشاء، وينفذ بها مطالبه وخططه كما يريد سافرًا أو مستترًا.
- الشدائد تقوي اليقين:
لقد سبقت الهجرة بشدائد متوالية أحاطت بالرسول- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، كحصار المسلمين في شعب أبي طالب، وموت أبي طالب، والسيدة خديجة، مما جعل أهل مكة يؤذون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالقول والفعل، فخرج الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف يبحث عن الناصر والمعين، فأغروا بها السفهاء يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه.
ولقد كان لتلك الشدائد دور عظيم في زيادة إيمانهم، وشدة يقينهم بأنهم أصحاب الحق، وأن المستقبل لهم، وأن ما يلحقهم من أذى وعذاب، عذب سائغ ما دام في سبيل الله، وأنه لا يفقدهم الأمل، بل يتحققون من قرب بزوغ الفجر، وأن استخلافهم في الأرض آتٍ لا محالة: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ (النور: من الآية 55).
كما أن إتمام أمر هذا الدين، ونشر الأمن في ربوع العالمين أمر لا شك فيه، كما وعدهم الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقال: "وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أو الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
فاصبروا أيها المسلمون وصابروا وجاهدوا في الله حق جهاده، فكما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا".
- أيها المسلم اعلم أنك أنت الأعلى بفضل الله:
وإياكم أيها المسلمون أن ترضوا بالدنية في دينكم، أو دنياكم، فليس ذلك من صفات من اعتز بالله، وارتكن إليه، وتوكل عليه، والعاقبة لكم إن شاء الله، فالمسلم بإيمانه الصادق وعمله الخالص، كتب الله له العلو، وكيف لا؟ وقد قال تعالى بصدد الحديث عن الهجرة: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾، وإذا كانت كلمة الله لها العلو، فإن مَن يحمل لا إله إلا الله، ويعمل بمقتضاها، ويجاهد في سبيلها.. من كان هذا شأنه، فإنه الأعلى، ووجب عليه ألا يرضى بالهوان، وألا يقبل بالاستسلام، فالله معه، ولن يضيع عمله: ﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)﴾ (محمد: من الآية 35).
- الأخوة الإسلامية رباط مقدس:
لقد كان التآخي بين المهاجرين والأنصار من أهم الأعمال التي قام بها النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة، تحقيقًا لقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ (الحجرات: من الآية 10)، ولقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "وكونوا عباد الله إخوانا".
وكذلك فهم المسلمون الأولون من الإسلام هذا المعنى الأخوي، وأملت عليهم عقيدتهم في دين الله أخلد عواطف الحب والتآلف، وأنبل مظاهر الأخوة والتعارف، فكانوا رجلاً واحدًا، وقلبًا واحدًا، ويدًا واحدةً: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)ْ﴾ (الأنفال: 63).
وإن ذلك المهاجر الذي كان يترك أهله، ويفارق أرضه في مكة، ويفر بدينه، كان يجد الأنصار ينتظرونه، وكلهم شوق إليه، وحب له وسرور بمقدمه، وما دفعتهم إليه غاية أو منفعة، وإنما هي عقيدة الإسلام، جعلتهم يحنون إليه، ويتصلون به، ويعدونه جزءًا من أنفسهم، وشقيقًا لأرواحهم، وما هو إلا أن يصل المسجد، حتى يلتفون من حوله كلهم يدعوه إلى بيته، ويؤثره على نفسه، ويفديه بروحه وعياله، ويتشبث بمطلبه هذا، حتى يؤول الأمر إلى الاقتراع، حتى روى الإمام البخاري ما معناه: (ما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة)، وحتى خلد القرآن للأنصار ذلك الفضل أبد الدهر: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾ (الحشر).
أيها المسلمون:
إن الهجرة تحمل في طياتها هذه الدروس وغيرها: كتمام التوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب، وحسن التخطيط والتنظيم، والسرية والكتمان، والتضحية والفداء، وبين يدي ذلك كله قيادة استطاعت أن تُنشئ مجتمعًا شعاره التوحيد، ودثاره الوحدة.
وكل ذلك كان المنطلق لبناء دولة الإسلام العظيمة التي استطاعت في ربع قرن أن تكون لها السيادة والريادة، وصارت الدولة العظمى التي خلصت العباد من عبادة العباد، وأقامت العدل والمساواة بين الناس دون تفرقة باللون أو الجنس أو الطبقة، ونشرت الرحمة على العالمين، حتى وصلت إلى الحيوان، فمن سقى كلبًا غفر الله له، وأدخله الجنة، ومن حبست هرة "قطة" دخلت النار.
أين هذه الرحمة من قسوة الحكام والنظم التي تكبل الإنسان وتحديد وتصادر حريته وإرادته، وتحرمه من كل حقوقه، وما فعل الصهاينة- بدعم أمريكا- في أهل فلسطين عنا ببعيد.
فهل يتعلم المسلمون من دروس الهجرة العظيمة، فيفروا إلى الله، ويهاجروا إليه، ويقيموا شرع الإسلام على أرضهم؛ لينعموا بالحرية والأمن والأمان.. وينطلقوا بالعمل ليستردوا ما اغتصب منهم، ويحرروا ما احتل من أرضهم ومقدساتهم.. ويخلصوها من دنس الصهاينة وغيرهم، وينعم الحكام بحب شعوبهم، وتسعد الشعوب بعدل حكامهم، وتعم المودة والتعاطف والتراحم فيما بينهم، فيعيش الجميع في أمان ولا يغتصب حق أحد، ولا تصادر له حرية ولا ينزل ظلم بأحد.. وما ذلك عنا ببعيد، وما ذلك على الله بعزيز: ﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ (التوبة: من الآية 105).
والله أكبر ولله الحمد.