22/09/2010
بقلم فضيلة أ.د.محمد بديع المرشد العام لللإخوان المسلمين
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. إخوتي وأخواتي وأحبابي في الله، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وهنيئًا لكم الصيام والقيام والصلاة والزكاة والاعتكاف وأداء الطاعات في شهر رمضان، وهنيئًا لكم فرحة العيد لكم ولبيوتكم ولأسركم وللأمة الإسلامية أجمعين؛ فرحة بأداء فريضة وبنزول رحمة الله عزَّ وجلَّ،- وبإذن الله- قبول الطاعات، وغفران الذنوب والسيئات ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾ (يونس).
ثم ما بعد رمضان هو الأهم؛ لأننا ما كنا نتدرب عليه في رمضان كي نقطعه أو ننساه أو نهمله بعد رمضان، وإلا فالأمر عندما يكون لله يدوم ويتصل، وإذا كان- والعياذ بالله- لغير الله ينقطع وينفصل، وقد حذَّرنا رسول الله أن نكون إمعات فقال: "لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أساءت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا..." هذه هي القضية الأولى؛ ولكنها بناء على ثوابت من دين الله وقرآن الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لأن الناس يفعلون ذلك، بدليل أنه عندما جاء الناس ليسألوا، قال صلى الله عليه وسلم: "وإن أساءوا أن تجنبوا إساءتهم"، هذا يدل على أنك تستمد هذه القواعد من دين الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من أعمال الناس، فإذا وافقك الناس على الخير، فبها ونعمت، وإلا فأنت تظل على الخير مستمسكًا به كما وصَّاك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي به لن تضل أبدًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أن تتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من علامات قبول الله للعبد هي الطاعة بعد الطاعة.. فأنت فرغت من عمل صالح، تمت به فرحتك برفعه إلى السماء وبعده، قال لك رب العزة: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)﴾ (الشرح).
الإنسان بطبيعته عندما يعمل عملاً ويفرح به ينسيه الشيطان ما يجب أن يخرج به من هذا العمل، أنت خرجت بكنز أنت وكل المسلمين والمسلمات، تُرى لو عندك كنز من المال ما الذي تفكر فيه كي تحافظ عليه؟ إما أن تنميه، وإما تضعه في خزينة؛ بحيث لا ينقص، أهم من أن يزيد وأهم من ألا ينقص ألا يضيع، وهناك لصوص للحسنات كما هناك لصوص للأموال، لص المال ينتهز لحظة غفلة منك ليسرق ما ادخرته وما جمعته، أما لص الحسنات فالشيطان فيه صاحب باع طويل، هناك شياطين أنس وجن هدفهم أن يجعلوك تغفل عن هذه الحسنات، وأن تغفل عما أعطاك الله من الأجر ﴿وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ﴾ (النساء: من الآية 102) هذه الغفلة تجعل أعداءك من شياطين الإنس والجن يميلون عليك ميلة واحدة، أنت خرجت من رمضان برصيد من الحسنات؛ بسبب الطاعات لا تضيعها مرة أخرى بالوقوع في المعاصي والآثام، وخاصةً في حقوق العباد، كما قال رسول الله: "أتدرون من المفلس؟" قالوا: يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا؛ فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار".
الجأ إلى هذه القواعد واحتفظ بها تمامًا، إياك وأن تأكل مال هذا، وتسفك دم هذا، أو تتحدث عن هذا بغيبة أو نميمة أو تقع في حقِّ عرض هذا، وبالتالي كل هذا من شتم وضرب وأكل مال أو إساءة أو سفك دم ستجعل كل الحسنات التي خَرَجْتَ بها هباءً ويضحك عليك عدوك ويسرقها منك، ويوقعك فيما سيجعلك مفلسًا يوم القيامة بعد أن خرجت بكلِّ هذه الحسنات، وما زلت أذّكر نفسي وإياكم بالوقوف على الأعراف من أجل مثقال ذرة حسنة ستمنع من دخول الجنة عندما تتساوى حسناتك بسيئاتك، فلا تزيد واحدة على الأخرى بمثقال ذرة فتقف على الأعراف؛ لهذا شياطين الإنس والجن يريدون منك ومنكِ بعد رمضان أن تفقدوا ما ادخرتموه من حسنات وطاعات، ثم أن يبغّضوكم في هذه الطاعات أو يجعلوكم تملونها، أما المسلم والمسلمة الصادق الذي كان يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله؛ فمن علامات أن يكون العمل لله أن يدوم ويتصل، وأحب عمل إلى الله عزَّ وجلَّ أدومه وإن قلَّ، فأديموا الأعمال الصالحة التي كانت معنا في رمضان بعد رمضان، وبالتالي فأنت عندما تبدأ بصيام ستة من شوال فأنت تكمل هذا العام كله صيامًا بـ10 أشهر حسنات و6 أيام بـ60 يومًا حسنات، وبالتالي تجمع كل ذلك فتصير (سنة كاملة) عامًا كاملاً، دهرًا كاملاً.
أول ما يجب أن نحرص عليه، حِرْصِنَا على صلاة الفجر التي كنا نحرص عليها من أجل أن السحور يتأخر، فنضطر أن نبقى حتى نصلي الفجر، فهل يُعقل بعد، ألا يكون هناك سحور أن نعود إلى حياتنا الطبيعية ونهمل صلاة الفجر، وكأننا لم نكن نفعلها إلا لأن السحور يتأخر فنظل نأكل ونشرب حتى يؤذن للفجر لنتمتع بالطيبات من الطاعات، ثم نأتي لنشكر الله عز وجل على هذه الطاعات بأن نمتنع عن صلاة الفجر جماعة في المسجد، بعد أن كنا نؤديها يوميًّا في رمضان، هل يعقل أن يكون هذا ما نخرج به من رمضان؟
هل يعقل أن نهجر القرآن بعد أن ظللنا نسمعه يوميًّا حتى ختمه البعض منَّا عدة مرات في رمضان أو على الأقل سمعه مرة واحدة كاملة؟، هل يعقل بعد هذا أن يكون هذا حالنا مع القرآن!!.
قد رأيتم من يريد أن يهين القرآن بأن يحرق نسخة منه، بالله عليكم هل نحن عندما نهجر القرآن نساعد في أن نقف في وجه هذا الفعل الشائن؟ هل هذا حالنا مع القرآن الذي نغضب من أجله عندما يحرقه جاهل؟ يقول رب العزة: ﴿لَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (الأنعام: من الآية 108)، ويقول رب العزة: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) ﴾ (العنكبوت)، ويقول رب العزة: ﴿هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 119).
هذا حالنا وهذا موقفنا وقد أُمرنا بحماية مقدسات غيرنا: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ (الحج: من الآية40)، نحن مأمورون أن نحافظ على مقدساتهم، ولا نسمح لأي إنسان أن يمس ما يعتقدون أنه مقدس، ونحافظ نحن على دور عبادتهم وندافع عنها كما ندافع عن دور عبادتنا هذا حال المسلمين، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جار يهوديّ يؤذيه يوميًّا، فما كان منه أن توقف يومًا إلا أن ذهب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسأل عنه ليطمئن على حاله، فهكذا سنكون مع من يؤذينا إلا أننا ننبه إلى أن احترام المقدسات واجب جميع الدول وجميع الحكومات أن تحافظ على كل المقدسات؛ لأن هذه فتنة عظمى، تُشعل نيران الفتنة بين أصحاب الكتاب السماوي القرآن والإنجيل والتوراة، هكذا يكون أهل الكتاب مع المسلمين، وهذا يجب أن يكون حالنا مع أهل الكتاب أم هؤلاء عندما يبغونها فتنة فنحن يجب أن نقف في وجههم نطالب العقلاء منهم أن يمنعوا باب الفتنة وأن يسدوها؟ أما الأهم من ذلك أن نتمسك نحن بكتاب ربنا، كما سمعتم من أخيكم إسماعيل هنية أكرمه الله وإخوانه "إن أحرق هؤلاء نسخة من القرآن الكريم فنحن سنجعل 60 ألفًا من حفظة القرآن الجدد يردون عليهم".
قال لنا رب العزة: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ (الفتح: من الآية 28)، هذه الصفة مثلكم في التوراة مذكورة في التوراة صفتكم هذه ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح: من الآية 29).
يا من تريد أن تغيظ الكفار ازرع هذه الزرعة وهذه النبتة وهذه الشجرة، وازرع هذا الزهر الإسلامي في كل مكان؛ ليرى الناس بهجته ويشم الناس رائحته، حتى يعلموا أنك مؤمن تسعى بالخير والرحمة في كلِّ ربوع الدنيا، ولا تتعاون أبدًا على إثم أو عدوان، ولكن نتعاون على البر والتقوى، هكذا يجب أن يكون حالنا مع القرآن أن نعود إليه، ونستمر في تلاوته، وأن نرجع إليه في كل أحكامه، والله سبحانه وتعالى بإذن الله ناصر دينه ومعز دعوته وعباده الصالحين؛ لأنه قال عز من قائل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)﴾ (الصف).
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا بعد رمضان على نفس المستوى إن لم نزد على ما كنا عليه في رمضان، وأن يديم علينا خير رمضان بعد رمضان، وأن يديم علينا علاقتنا بقرآن ربنا وكتاب ربنا بعد رمضان حتى نكون من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته الذين يتلونه حق تلاوته الذين يتلونه ويتبعونه ويسيرون على نهجه حتى يشهد لنا هو ورمضان، بل وكل شهور السنة يوم أن نلقى ربنا كي يكونوا لنا شفعاء عند ربنا عزَّ وجلَّ، حتى نلاقي الله وهو راضٍ عنا رضًا لا يسخط به علينا بعده أبدًا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.