09/08/2010

بقلم فضيلة أ.د محمد بديع .. المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.. فاللهم أجزه عنا خير ما جازيت به نبيًّا عن أمته، واحشرنا اللهم في زمرته وتحت لوائه، يوم يحشر الناس فريق في الجنة وفريق في السعير..

 إخوتي وأخواتي وأحبابي في الله، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، حديث من القلب إلى القلوب، في مناسبة محببة إلى كل القلوب؛ ألا وهي رمضان واستقبال رمضان.

نحن الآن في النصف الأخير من شهر شعبان، لا أقول نتشوق لهذا الضيف العزيز الغالي، بل إن رسول الله كان يتشوَّق له من شهر رجب، فكان يقول في دعائه: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".

 ترى لماذا كان يتشوَّق رسول الله لرمضان؟ ولماذا كان الرعيل الأول ينتظرونه بفارغ الصبر؟، ترى هل كان ينتظرونه ليزداد ملؤهم لمعدتهم بالطعام والشراب وألوان الأكلات واللهو واللعب وقضاء الأوقات، لا أقول فيما لا ينفع، بل فيما يضر.

إنه موسم من مواسم التجارة للذين يتاجرون مع الله عز وجل، الفريضة فيه بسبعين فريضة، والنافلة فيه بأجر فريضة فيما سواه.

"إن لله في أيام دهركم نفحات؛ ألا فتعرضوا لها"، كيف نتعرَّض لها؟، ها أنتم ترون أن الذين يريدون أن تتبعوا الشهوات يعدُّون لرمضان عدةًًً بمسلسلات وأفلام وملاهٍ، قبل أن تسلسل الشياطين في رمضان، بل قبل رمضان بعدة أشهر، لهذا رب العزة يحذرنا (وَاللهُ يُريدُ أنْ يتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِيْنَ يتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أنْ تَمِيْلُوا مَيْلاً عَظِيْمًا) (النساء: ).

إن جاز حتى أن نقضي وقتًا في الترفيه فليس رمضان وقته، بل إن الدقائق الغالية في رمضان بعمر الإنسان كله، هذا الشهر الكريم فيه ليلة خير من ألف شهر، وزِّعت على الشهر في بعض الأقوال، فكيف سنتعرض لها ونحن نقضي ليلنا في لهو ولعب، إن لم يكن في شيء يضيّع العمر والوقت؟ والوقت ليس من ذهب، الوقت هو الحياة، هكذا ستسأل عن وقتك وعمرك وشبابك فيما أفنيته وفيما أبليته.

إن رمضان شهر القرآن، ولا يُعقل في دقائق رمضان وساعاته وأيامه الغالية أن نتدرَّب فيه كيفية التعامل مع القرآن، سأضرب لكم مثلاًًً بسيطًا، عندما يكون عندك قماشة ثمينة غالية، فهل يجوز أن تتعلم فيها التفصيل لتتلف بعضها وأنت تتدرَّب أم أنك تتدرَّب على شيء أقل في القيمة؛ حتى إذا ما دخلت على هذه القماشة الغالية كان الموقف فيها دقيقًا ولا يوجد فيها خسارة ولو لبضعة سنتيمترات من هذا القماش الغالي الذي يعزُّ عليك أن تضيِّع منه شيئًا.

هكذا رمضان.. هل يُعقل أن نتدرَّب على تلاوة القرآن في رمضان؟، هل يُعقل أن نتدرَّب على فهم القرآن في رمضان؟، هل يُعقل أن نتدرَّب على تنفيذ القرآن في رمضان، أم أن نتدرَّب على ذلك كله قبل رمضان، حتى إذا ما دخلنا على رمضان كُتبنا مع السفرة الكرام البررة؟!!
لفظ "يتلو" القرآن الكريم في اللغة العربية يعني ليس فقط قراءته، ولا حتى تلاوته بأحكام التلاوة، إنما قراءته بأحكام التلاوة ثم اتباع ما فيه خطوة بخطوة، كما قال العلماء في اللغة العربية، تقول جاء فلان وتلاه فلان، تلاه أي تبعه واقتفى أثره، وسار بخطواته خلف خطواته، هل أنت تتبع القرآن الكريم؟ هل أنت تتلو القرآن الكريم كما قال لنا ربك عز وجل (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) (البقرة: من الآية ).

نريد أن نتلوه حق تلاوته ونستعد له بما يليق به من الحفاوة التي تليق لضيف عزيز غالٍ تقام له احتفالات ليس في الأرض بل في السماء، ليست احتفالات شكلية ولا مظهرية، إنها احتفالات حقيقية روحانية إيمانية، ملائكة يتعاقبون علينا، يحفظونها ينقلون عنا الخير إلى رب السماء وهو أعلم بنا وبهم، وشياطين تصفَّد كي تفتح أبواب الخير والجنان، وتغلق أبواب النيران، فهل نحن مستعدون للشهر كما يليق به؟!

نريد أن نغسل قلوبنا قبل حضور رمضان؛ لتكون هذه القلوب محلاًّ لنزول القرآن عليها؛ لتنتفع بها، نجلو صدأها، نطهر ما فيها من نكت سوداء نُكتت خلال شهور العام الماضي، حتى إذا جاء رمضان وجد قلبًا صافيًا نقيًّا أبيض، مثل الصفا، أزيلت كل النكت السوداء من الأعمال السيئة السابقة بتوبة نصوح وعهد جديد مع الله عز وجل، نوفي بعهدنا مع الله ليوفي ربنا بعهده معنا (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعَِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيْمُ) (التوبة: ).

اللهم بلغنا رمضان، وأن نعدَّ قلوبنا لاستقبال رمضان بما يليق به، وأن نكون روحًا تتلقى القرآن.. الذي جاء به الروح الأمين، روحًا من أمرنا، نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله، حتى إذا ما نزل على قلوبنا ترك فيها أثرًا يدوم ولا ينقضي بانتهاء رمضان، ثم نكون نحن بعد أن نتحول إلى هذه الروح الطيبة التي تتلاقى مع روح القرآن مع روح جبريل مع الحبيب المصطفى؛ لنكون روحًا كما وصفنا الأستاذ البنا- رحمة الله عليه- "روحًا يسري في جسد هذه الأمة" ننطلق بين خلايا هذه الأمة، لنحييها من جديد بهذه الروح.

 بالقرآن الكريم الذي نُشهد الله عز وجل أن يكون هو ورمضان شاهدين لنا بالحسنات لا شاهديْن علينا بالسيئات، وأن يتقبل منا صالح الأعمال ويتجاوز بفضله عن سيئها، ويجعل رمضان والقرآن أنيسين لنا في قبورنا وجليسين لنا في قبورنا، وشاهدين لنا في قبورنا.

والسلام عليم ورحمة الله وبركاته.