15/11/2009
- قلبي مفتوح وعقلي منفتح للقاء أي مسئول والتفاهم مع أي إنسان لمصلحة مصر
- لست يائسًا من التغيير فحينما يستيقظ الشعب لن يوقفه أحد وسيحدث التغيير رغم أنف الأمريكان والصهاينة.
- العبء ثقيل والمطلوب منا كثير ولن يتحقق الأمل إلا بقوتنا وحبنا وتمسكنا لديننا وبمنهجنا.
أجرى الحوار- صلاح عبد المقصود:
نواصل نشر الجزء الثاني من الحوار الموسَّع مع المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف، الذي أوضح فيه تفسيراتٍ لمواقف وأقوال تمَّ اجتزاؤها من سياقها، ووضع بإجاباته النقاط على حروف منقوصة حاولت أذرع الإعلام الأمني في مصر ترويجها وتسويقها إلى الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي؛ بزعمها أن ثمةَ خلافًا وانقسامًا مشتعلاً في نسيج مكتب الإرشاد، أدَّى إلى استقالة المرشد العام.
ويتطرق في هذا الجزء إلى موضوعات مهمة تخص الإصلاح السياسي، وعلاقة الإخوان بالنظام الحاكم والقوى السياسية المصرية، وموقف الجماعة من حصار غزة والانتخابات التشريعية القادمة، وقضية توريث الحكم، وقضايا أخرى غيرها.. وإلى مزيد من التفاصيل في نص الحوار:
* فضيلة المرشد، أعلنت في عام 2004م مبادرة الإصلاح السياسي، وخرجت جماهير الإخوان في كل المحافظات، ثم ظهرت حركات احتجاج سياسية كبيرة، وأيضًا ظهرت حركة استقلال القضاء؛ إلا أن هذه الحركات- بما فيها الإخوان- تراجعت وهدأت؛ فهل هناك أمل في الإصلاح؟
** نعم: هناك أمل كبير.
* فلماذا تراجعت حركة استقلال القضاء مثلاً؟
** لا شيء اسمه "تراجعت"، هي موجودة وتغلي، والشارع المصري غالبيته يغلي.
* هل لديكم تفاؤل بشأن الإصلاح السياسي في مصر؟
** نعم.. وإنني حتى اليوم أقول هذا للإخوان، وحينما اجتمعتُ بالقادة السياسيين في مصر قلت لهم ذلك، وكلهم أيَّدوني.
* هل تراهن على الحركات السياسية في مصر؟
** أراهن على أنها تستطيع التغيير، بإذن الله، بالمخلصين من أبنائها؛ لأن وعي الشعب أهم بكثير من القيادات السياسية، فالشعب حينما يستيقظ لا أحد سيوقفه.. الإخوان المسلمون باعتراف الجميع هم قيادة الشعب، فلو أحسن الإخوان المسلمون قيادة الشعب لحصل على حريته ولَتَحقَّق ما يجب أن تكون عليه مصر.. اطمئن أنا لست يائسًا أبدًا، وسيحدث التغيير رغم أنف الجميع، رغم أنف الولايات المتحدة، ورغم أنف الصهاينة، ولا بد لمصر أن تتغير، فليس هذا موقع مصر، إن مصر عظيمة كما خبرتها على مدار السنوات الطويلة، وأبناء مصر لا يستحقون منا إلا التكريم والدفاع عنهم والوقوف بجانبهم؛ حتى نستخلص حريتنا من براثن هؤلاء المفسدين.
حصار غزة
* إخواننا في فلسطين محاصرون في قطاع غزة منذ ثلاث سنوات، فهل أنت راضٍ عن الأداء المبذول من أجل رفع الحصار عنهم، سواءٌ في مصر أو في الدول العربية، ولا سيما دول الطوق؟
** من الذي يقوم برفع الحصار؟ كل هذه الدول تُحكم الحصار! وهناك ثلاثة قرارات عالمية صدرت برفع الحصار من الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، ومع ذلك فالحصار موجود، وقد كنت أتوقَّع من مصر أن تستند إلى هذه القرارات ولكنها هي التي تُحكم الحصار! وأين الدول العربية كلها؟ لم يتقدم واحد لفك هذا الحصار.
ولم يعد هناك الآن دول طوق، إنما هناك المقاومة في دول الطوق، التي أصبحت هي الأمل لفك الحصار عن غزة، ولا ننسى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عندما صرَّح بقوة قائلاً: يجب على "إسرائيل" أن تفكَّ الحصار.
* هل ترى فضيلتك أن التيارات القومية والإخوان المسلمين قد بذلوا قصارى جهودهم في دعم غزة ورفع الحصار؟
** أعتقد أن كل مخلص في هذا البلد قد بذل جهده، فالطفل الذي يجمع نقودًا في "الحصَّالة"، والمرأة التي تبيع ذهبها لتتبرع لغزة، والرجل الذي يتقد حيويةً ونشاطًا ليعاون غزة ويعاون فلسطين؛ الأمل فيهم، وسيظلون يؤدون واجبهم.. لماذا هذه الاعتقالات في صفوف الإخوان المسلمين؟ أمن أجل أنهم يتعاطفون مع غزة ويعاونون الفلسطينيين المحاصرين هناك؟!
* أكان عقابًا على موقفهم؟
** نعم، فلا يزال 320 من قيادات الإخوان معتقلين؛ بسبب مواقفهم في مناصرة غزة، أليس كذلك؟!
إن هذا النظام لا يستحيي فيقوم بتصفية الحساب مع الجماعة؛ بسبب مواقفها المشرِّفة، والحمد لله رب العالمين، ونسأل الله للأمة أن يكشف عنها هذه الغمَّة قريبًا.
أما نحن- كإخوان مسلمين- فالعبء علينا ثقيل، والمطلوب منا كثير، ولن يتحقق الأمل إلا بقوتنا وحبِّنا وتمسُّكنا بديننا وبمنهجنا، لا نخاف فيه لومة لائم، وأنا متأكد أن النصر آتٍ، والمستقبل لنا بمشية الله.
الانتخابات القادمة
* فضيلة المرشد، في العام القادم ستُجرى انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان)، وفي المجس الحالي تمثِّل كتلة الإخوان المسلمين القوة الثانية (88 مقعدًا)؛ حيث يشكِّلون نسبة 20% من النواب، وأحزاب المعارضة مجتمعةً (24 حزبًا) لها 9 مقاعد فقط؛ فماذا تتوقعون للإخوان في الانتخابات القادمة؟
** أن نتوقع شيء وإرادتنا شيء آخر، فنحن نتوقع- إذا استمر الاستبداد والفساد بهذه الصورة- حدوث كارثة، كما حدث في الانتخابات المحلية الأخيرة، وكذلك انتخابات مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان).
أما إذا كان هناك نوعٌ من الممارسة العقلانية والمنطقية فسندخل الانتخابات ونحصد منها ما نستطيع، ولكن الواقع ينذر بأنه إذا استمرت الحال هكذا فستكون الانتخابات القادمة "كارثةً" بكل المقاييس.
* إذا كنتم تتوقَّعون تزوير الانتخابات فهل هناك جدوى من المشاركة فيها؟
** أنا لا أتخذ مثل هذه القرارات إلا بمشاورة جميع الإخوان في القطر.
* مشاورة جميع الإخوان؟
** نعم، في القطر كله.
* ليس أعضاء مكتب الإرشاد فقط ولا أعضاء مجلس الشورى فقط؟
** لا، لا بل جميع الإخوان.. كل الإخوان في المكاتب الإدارية بالمحافظات، وأعضاء مجلس الشورى، يجب أن أستشفَّ رؤيتهم قبل اتخاذ القرار.
* وفي النهاية استشفاف الرؤية هذا يكون ملزمًا لكم؟
** بالنسبة لنا أنا دائمًا أحترم رأيهم.
* رأي الأغلبية؟
** نعم.
ملف التوريث
* قضية توريث الحكم التي تسير بخطى متسارعة الآن؛ ألا ترون أن لها علاقةً مباشرةً بحملات الاعتقال المتكررة على الإخوان؟
** كلا، رأي الإخوان في التوريث أُعلن قبل شهور، بل قبل سنوات، وقد أعلنته مفصَّلاً حينما سألوني قبل تعديل المادة (76) من الدستور قلت لهم: إن نجل الرئيس من حقه كمواطن أن يرشِّح نفسه في انتخابات الرئاسة، وبعد تفصيل المادة (76) على مقاس "سيادته"، قلت لهم: "هذا مرفوض"؛ لأنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تفصَّل مواد الدستور من أجله!.
* يعني الرفض منطلق من أنه ليس هناك تكافؤ فرص؟
** لا، توجد أسباب أخرى؛ فقد وجدت أنه رئيس "لجنة السياسات"، وهي المسئولة عن المحاكم العسكرية، والقبض على الإخوان، والتضييق عليهم في كل المجالات، وفي كل المناسبات.. وجدت سياسته خطيرةً جدًّا، يجب الوقوف في وجهها؛ فهو لا يصلح أن يكون حتى سياسيًّا مصريًّا فضلاً عن أن يكون رئيس جمهورية، فرفضته رفضًا باتًّا.
* لماذا؟
** لكونه رئيس لجنة السياسات التي أباحت الظلم والفساد والاستبداد، كما أنه لا يصلح أيضًا لأنه ابن الرئيس، فالتوريث سيكون له آثار ضارة بالبلد.
شرعية شعبية
* فضيلة المرشد، في الأسابيع الأخيرة أصرَّ الإخوان على إجراء الانتخابات في الشُّعَب والمناطق والمكاتب الإدارية، رغم إقدام سلطات الأمن على اعتقال العديد من قيادات الإخوان بالجملة، ففي محافظات القاهرة الكبرى مثلاً اعتقل الستة المسئولون.
** نعم، كل المكاتب الإدارية، وطلع الصف الثاني فقبضوا عليه، وطلع الصف الثالث فقبضوا عليه أيضًا، ثم طلع الصف الرابع!!..
* وأنتم مصرُّون؟!
** ونحن مصرُّون، فنحن لا نتغيَّر إطلاقًا بحال من الأحوال مهما استبدوا.
* لماذا؟
** لأننا منتصرون في النهاية بإذن الله.
* أترون أن لكم شرعيةً شعبيةً، رغم أنكم حركة محظورة كما يردِّدون؟
** نحن الجماعة الشرعية الوحيدة.. من الذي يعطي الشرعية؟ الشعب هو الذي يمنحها؛ بدليل أن جميع القوى السياسية في الداخل والخارج يقولون إن القوة المنظَّمة الوحيدة في مصر هي الإخوان المسلمون، فالشعب هو الذي أعطانا الشرعية، أما هم فليست لديهم شرعية، لا رئيس الجمهورية لديه شرعية، ولا النظام لديه شرعية، فالشرعية لا بد أن تأخذها من الشعب، وليس بالتزوير ولا بالقمع والاستبداد.
* لكنْ ألا ترون أن مثل هذه الممارسات من الإخوان، من إجراء انتخابات وغيرها؛ تعدُّ رسائل مستفزة للنظام وتعطيهم فرصةً لقمع الإخوان؟
** النظام أصلاً مستفَزٌّ، لا يخضع لمنطق ولا لعقل ولا لقانون ولا لحوار، بل يخضع لقوى أخرى تسخِّره لمصلحتها.
أكاذيب أحمد رائف
* اسمح لي بمناسبة الحوار، قيل على لسان أحمد رائف إنه حضر لفضيلتكم وعرض عليكم عرضًا يقضي بالهدنة بين الإخوان والنظام لمدة عشر سنوات.. ما حقيقة الأزمة؟
** هذا الرجل كل ما قاله كذب.
* أليس من قيادات الإخوان كما ادَّعى؟!
** لم يكن من الإخوان في يوم من الأيام، وحين كتب "البوابة السوداء" تعاطف الإخوان معه، ولكنه تاجر بهذا الكتاب تجارةً نسأل الله أن يغفر لنا وله، وهناك كثيرون يعرفون من هو أحمد زائف.
جاءني ذات يوم وجلس "هنا"، وقال: لقد أتيتك من عند شخصية نافذة في النظام، وهو يعرض عليك ألا تشاركوا في الانتخابات عام 2010م، ولو فعلتم هذا فسيعطيكم كل ما تريدون، وتُلغى المحاكم العسكرية، وتُلغى الاعتقالات، وتُفتح لكم المساجد، وتُفتح لكم مقرَّاتكم، قلت له: يا أخ أحمد هذا العرض سخيٌّ، ومن حيث المبدأ أنا- كمرشد عام- موافق، لكنْ عليك أن تأتي بهذه الشخصية لنجلس معًا مع أعضاء مكتب الإرشاد وترى ماذا سنفعل.
* وهل ذكر اسم هذه الشخصية النافذة في النظام؟
** لا، لم يذكرها، وهذا ما قلته له بالضبط، وأخذ كلامي وقام ومشى، ولم يعد، ويا ليته لم يعد فقط!، بل إنه وجَّه لي سبابًا وكلماتٍ بذيئةً، ولكني تجاهلته تمامًا.
الحوار مع النظام
* لكن ألم تكن هناك اتصالاتٌ بينكم وبين النظام في أي وقت من الأوقات؟
** عندما تولَّيت منصب المرشد العام كانوا يتصلون بنا.
* على المستوى السياسي أم الأمني؟
** الأمني؛ فليس هناك حوار على المستوى السياسي.
* أيعني هذا أن الحوار السياسي مغلق مع الإخوان؟
** يعني أن السياسيين حين يقابلونني في ندوة أو مؤتمر أو عزاء أو أي واجب اجتماعي يقولون لي: أهلاً وسهلاً فقط.
* هل لديكم مانع من التواصل السياسي مع بعض رموز الحكم؟ وهل أبوابكم مفتوحة للحوار؟
** منذ أول يوم تولَّيت فيه منصب المرشد العام قلت لهم إن قلبي مفتوح وعقلي منفتح للقاء أي شخص أو أي مسئول والتفاهم مع أي إنسان لمصلحة مصر.
* يعني أنتم تمدون أيديكم للحوار؟
** نعم، ولم ولن أنزعها، ذات مرة قابلني أحد المسئولين المقرَّبين من الرئيس مبارك، وقال لي: يا أستاذ مهدي عاكف، أنتم عملتم ما عليكم فهل تسمح لي أن أقوم بدور بينكم وبينه؟ قلت له: يا سيدي معك تفويض كامل مني.
* وهل فوَّضته بالفعل؟
** فوَّضته، فذهب ولم يعد، وعندما رأيته مرةً أخرى، قلت له: ما الأخبار يا فلان؟ قال: لي كل شيء عندهم مغلق وبدون أسباب!.
مكتب الإرشاد
* فضيلة المرشد، بعض الأقلام وبعض التقارير الإعلامية تقول إن الجماعة بها محافظون وإصلاحيون.. صقور وحمائم.. منغلقون وانفتاحيون.. ماذا تقول بعد خبرتك الطويلة في صفوف الإخوان؟
** كل هذه الأوصاف من خيالهم، ليس لها وجود في صفوف الإخوان، فكلنا أبناء دعوة واحدة، وتربينا على مائدة واحدة، ولكن أهذا يمنع أن يكون لكل واحد رأيه الشخصي؟! فالأبناء يعيشون في بيت واحد، ويكونون مولودين من أب واحد وأم واحدة، ويأكلون في طبق واحد، ولكن كل واحد له رأيٌ، ويفكِّر بطريقته، وأنا سعيد بهذا أن يكون في الإخوان هذا التنوُّع في الآراء والفكر والأسلوب.
* أيسعدك اختلاف الرأي في مكتب الإرشاد ولا يغضبك؟
** نعم، وعندما أجدهم كلهم على قلب رجل واحد أقول: قف، هناك شيء خطأ، وفي موضوع د. عصام العريان لما وجدتهم كلهم مجتمعين قلت: قف يوجد خلل هنا.
* هل أنت مع تنوُّع الآراء واختلاف الأفكار لإفراز أفضل رأي ممكن؟
** نعم، إنما حين أجد إجماعًا، حتى لو كان فيه مصلحة، أشك في الأمر وأقول: قف، وأعيد فيه النظر.
* هناك ما يثار عن وجود تربيطات وتكتلات داخل مكتب الإرشاد، وأن أمين عام الجماعة د. محمود عزت يسيطر ويهيمن على الأمور.. فما تعليقك؟!
** لا، هذا ليس صحيحًا؛ لأن د. محمود رجل طيِّب وعاقل، وأحسبه من المخلصين.
ــــــــــــــــــــــــ
* يُنشر بالاتفاق مع مجلة (المجتمع) الكويتية.