05/02/2009
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... أما بعد:
فيقول الله تعالى: ( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) ( الأحزاب : 21 ) .
بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فجمع القبائل المتفرقة وأصلح بين المتخاصمين، وأذاب العداوة بين قبائلها، ووضع حداً للحروب التي كانت تقوم على أتفه الأسباب، وأرسى دعائم الأخلاق، وأتم مكارمها، وكون منها أمة أرست دعائم الحرية، وأقامت صرح الحق، والعدل والمساواة بين الناس دون تفرقة بينهم بلون أو جنس أو طبقة.. ولن يصلح آخر الأمة إلا بما صلح بها أولها، ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة إلا بالتأسي برسول اللهصلى الله عليه وسلم .
وإن على المسلمين أن يتعشقوا دراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيحملوا من معانيها ودروسها في نفوسهم ما يجعلهم قدوة للناس في استقامتهم وصلاح سيرتهم، وحسن هديهم في الدعوة إلى الإصلاح حتى يعود الرسولصلى الله عليه وسلم للمسلمين شمسا منيرة تبدد ظلمات حياتهم، وتمدهم بالحرارة والدفء في قلوبهم وعقولهم وسلوكهم، فيعود للمجتمع الإسلامي صفاؤه واستقامته ومثاليته التي تجعله من جديد في مكان الصدارة والقيادة لشعوب العالم، ويتحقق بذلك قول الله فينا نحن المسلمين مرة أخرى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) [آل عمران:111].
وإن من أخطر الأزمات القائمة أزمة وجود القدوة الحسنة القدوة الصالحة علي مستوى الشعوب والأمم، ليس على مستوى الأفراد، الحمد لله عندنا أفراد، ولكن مصير الأمم لا يتغير بالأفراد، مصير الأمم يحتاج في تحويله إلى مجهود جماعي، وإذا بقي هذا الفراغ طويلا فإنه ليس خطراً على الأمم التي امتحنت به، بل هي كارثة العالم كله، فتنهار هذه المدنية، وتنهار هذه النظم القائمة، ويطوي الله هذا البساط.
أيها الإخوان المسلمون ... أيها المسلمون
اتخذوا من الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة:
إن المسلمين اليوم في حاجة شديدة إلى أن يذكروا محمدا رسول الله، الذي احتمل الآلام، وصابر المشقات في سبيل بناء الإسلام، وإقامة صرحه الشامخ حتى يكون لهم أن يقتدوا به اقتداءاً عمليا، يزلزل الأوهام في نفوسهم، والاستبداد والظلم في أوطانهم. وإن الواجب على كل مسلم ومسلمة، أن يتأسى برسول الله e في كل جوانب حياتهم، فإن ذلك هو الطريق الوحيدة لنيل الأمن والسعادة في الدنيا، والفوز والنعيم في الآخرة..
والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في:
عبادته: فلقد كان أعلم الناس بالله، وأتقاهم له وأخشاهم ومع ذلك كان يصوم ويفطر، ويقوم ويرقد، ويأتي النساء، ولم يؤثر ذلك في كونه أعبد الناس.
في معاملة الجيران: وكان يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه». متفق عليه.
في معاملة الناس: فلقد باع واشترى، وكان سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، وسمحاً إذا قضى وسمحاً إذا اقتضى.
في الأخلاق والسلوك عامة: وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا وأدبًا وأكرمهم وأتقاهم معاملة، قال عنه ربه عز وجل مادحًا خلقَه الكريم صلى الله عليه وسلم : )وإنك لعلى خلق عظيم( القلم: 4.وعن عائشة رضي اللَّه عنها لما سُئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خُلقه القرآن». صحيح مسلم.
في السلم والحرب، واحترام العهود، والوفاء بها؛ لقد دخل صلى الله عليه وسلم المدينة رافعًا راية السلام، ودخل يقول: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».
وعندما دخل مكة المكرمة فاتحا منتصرا كان قوله لمن حاربوه وعادوه "اذهبوا فأنتم الطلقاء"
بأبي وأمي أنت يا رسول الله"ما أروع سيرتك، وما أعظم بركتك، إنها المدرسة الإلهية لكل قائد وكل زعيم، وكل رئيس، وكل حاكم، وكل سياسي، وكل معلم، وكل زوج، وكل أب، أنت المثل الإنساني الكامل لكل من أراد أن يقترب من الكمال في أروع صوره واتجاهاته ومظاهره فالحمد لله الذي أنعم بك علينا أولا، وعلى الإنسانية ثانيا.
المسلم يحتفي برسول الله كل يوم:
إن احتفاءنا برسول الله صلى الله عليه وسلمليس يوما من شهر وإنما احتفاؤنا به في كل بوم، وليس مرة واحدة في اليوم، وإنما عشرات المرات، مع كل نداء وإقامة للصلاة الدنيا كلها تتجاوب وتردد مع المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله… ومع كل تشهد في الصلاة يكون للمسلم لقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجه فيه بالسلام عليه: السلام عليك أيها النبي؛ معبرا به عن زيارة معنوية له صلى الله عليه وسلم ولقاء معه، ومرحبا ومهنئا إياه.
البشرية تنحدر إلى الهلاك:
وإن المتأمل في الواقع العالمي يرى البشرية تنحدر إلى هوة سحيقة تكاد تأتي على الأخضر واليابس، وانقسم العالم الآن إلى فريقين:
- قوي يريد بأنيابه أن يهيمن على الآخرين، ويفرض عليهم ما يريد من قيود تكبلهم، ومعاهدات تستنزف خيراتهم، وتجعل من نفسها وصياً عليها، وبالتالي فهي تحول بينهم وبين الحرية والسيادة على أرضهم، وحرية التصرف في مقدراتهم.. وتوقد نيران الحروب بما اصطلحوا عليه من ضربات استباقية، لتأمين مصالحها، وكبح جماح المواطنين الأحرار الذين تسول لهم أنفسهم مقاومة الظلم، واسترداد الحقوق والحريات، ومقاومة المحتل، ثم هي لا تكتفي بذلك بل تشعل الحروب بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد حتى يستنصروا بهم ويتعلقوا بحبالهم..
- وأما الفريق الآخر فضعيف أذله الفقر، وأعجزه الجهل، وأعياه المرض، وزاد من ضعفه الفرقة، وفوق ذلك ابتلي بحكومات مستبدة تقيد حرياته، وتنزل به ألواناً من الظلم، وتغلق وجوه الكسب أمامه، وتأبى إلا أن تظل قابعة على ظهره، مسلطة على مقدراته، تمتص ما بقي من دمائه، ويصل بهم الطغيان إلى أقصى مدى حين يحولون بين هذا الشعب المظلوم المكبوت المقهور، وبين صرخة ألم أو صيحة إنقاذ...
لقد أصبح السواد الأعظم من أبناء الأمة الإسلامية في كل أنحاء العالم يحيون في مستويات دون الحد الأدنى من الفقر.. وضربت البطالة بأطنابها في كل فئات المجتمع.. وتفشت الأمراض، وعز الدواء، وإذا وجد فلا يقدر على شرائه، وحل الفساد بالتعليم، وانتشرت الرشوة والمحسوبية، والأثرة والأنانية، وسرت الجريمة في كثير من طبقات المجتمع وعجزت الدولة عن التصدي لها، وخيم الفساد في كل الوزارات والمؤسسات، ولم تبادر الحكومات بأي محاولة لوقف سريانها..
وجاء زلزال الانهيار العالمي الاقتصادي الذي لم يسلم منه أحد، وكل يوم يشرق ينبئ عن مزيد من التردي والدمار والهلاك..
ومما زاد الطين بلة، أن حكومات كثير من الدول الإسلامية مشغولة بشعوبها، مشغولة بالصحوة الدينية التي ظهرت في هذه البلاد، إنها في شغل شاغل، إن همها الوحيد أن تقضي على البقية الباقية من الجمرة الإيمانية في هذه الشعوب، فهي لا تجد فرصة، ولا تجد مجالا لأن تبرز في الميدان الحقيقي، وتتحدي القوة الأجنبية المحاربة للإسلام، كالصهيونية المجرمين أو من حالفها أو أعانها أو سلحها، أو أن تنهض للانتصار لقضية إسلامية من قضايا الشعوب الإسلامية المضطهدة.
العدو يخشى جذوة الإيمان:
ومن المؤسف أن قادة البلاد الأجنبية يعرفون هذه الحقيقة وهذا الوضع، أحسن، وأكثر مما يعرفه المسلمون، وعندهم تفاصيل دقيقة، ودراسات عميقة لواقع العالم الإسلامي اليوم، وهم يعرفون أن الجمرة الإيمانية التي كانت تخشي في الزمن القديم وهو الاستهانة بالحياة والحنين إلى الشهادة، قد انطفأت في صدور المسلمين أو كادت تنطفيء، وكان هؤلاء القادة الأجانب يعرفون أن المسلمين يندفعون لهتاف الإيمان؟ ولا يفهمون إلا لغة القرآن والدين، وإنهم لا يندفعون إلا لما فيه أجر الآخرة، ولما فيه رضا الله تبارك وتعالى، ويعلمون أن كسب المسلمين للمعركة وتغلبها على عدوها لا يكون إلا بفضل الهتاف بالشهادة في سبيل الله. والهتاف بالجهاد في سبيل الله، لذا كان أول ما تحاول عمله وتصرف جهودها إليه هو القضاء على هذه الجمرة الإيمانية، إلى الآن لا تزال الصلة الأقوى التي تربط المسلمين بصدر القوة التي تأتي بالمعجزات، هي الصلة بالله تبارك وتعالى، وبرسوله، ولا تزال روائح الجنة تفوح مهما حاول السياسيون، ولا تزال الجمرة الإيمانية كامنة في الرماد، لكن أكثر قادة البلاد عادوا، لا يربطهم رباط بهذه اللغة الإيمانية والحمية الإسلامية، وقد ضعفت الصلة بينهم وبين مصادر الإيمان إنه جيل قد نشأ في أحضان الحضارة الأوربية.. ومن ثم يفتح الباب على مصراعيه لتدخل الآخرين في شؤونه، ويسمع لنصحهم مع أن فيه الهلاك، ويصم أذنيه عن صوت أبناء البلد المخلصين لوطنهم، والذين يسعون لرفعته وعزته، ويقدمون دمائهم رخيصة في سبيل تطهيره من المحتل الغاصب، ويضحون بكل ما يملكون لإصلاحه، وتنقيته من الفساد والمفسدين، ورفع الظلم عن المظلومين..
الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين:
لقد بعث الله عز وجل رحمة للعالمين: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) الأنبياء: 107. وقال صلى الله عليه وسلم "إنما بُعثْتُ رحمة".
فمن تبعه كان له رحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يتبعه عُوفِي مما كان يبتلى به سائر الأمم من الخسف والقذف.
وفي ظل شريعة رسول الله r ينعم البشر جميعا بالحرية والعدل والمساواة وترحم البشرية من الجور والشقاء والخوف والرعب الذي جره عليهم عنادهم ليس برفض الرحمة المهداة، ولكن بأبعد من ذلك بإعلان الحرب على شريعة السماء والتطاول والنيل من الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير.. ألا ما أتعس البشرية.. وما أشد ما ينتظرها من شقاء ونكد وضنك لو بقيت على ما هي عليه ولم تستجب لله ورسوله.. ( ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى ) طه: 124.
أصلح نفسك وادع غيرك:
إن من واجبنا - نحن المسلمين - وفي أيدينا شعلة النور وقارورة الدواء أن نتقدم لنصلح أنفسنا وندعو غيرنا، وإن الإخوان المسلمين يقصدون أول ما يقصدون إلى تربية النفوس وتجديد الأرواح وتقوية الأخلاق وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس الأمة، ويعتقدون أن ذلك هو الأساس الأول الذي تبنى عليه نهضات الأمم والشعوب. فإن نجحنا فذاك، وإلا فحسبنا أن نكون قد بلغنا الرسالة، وأدينا الأمانة، وأردنا الخير للناس، ولا يصح أبداً أن نقطع الأمل في الإصلاح، أو يوقفنا عن نشر رسالة الرسول e ضعف الأثر الملموس، مع كثرة التضحيات والدماء، فحسب الذين يحملون الرسالات ويقومون بالدعوات من عوامل النجاح أن يكونوا بها مؤمنين ولها مخلصين وفي سبيلها مجاهدين وأن يكون الزمن ينتظرها والعالم يترقبها ...
دماء الشهداء تمنح الأمة العافية:
أيها المسلمون لا تحسبوا أن الدماء التي تراق في سبيل نصرة الحق ومقاومة المحتل تضيع، وأن التضحيات التي تبذل لوقف الفساد الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي.. تكلفة عالية، وثمن باهظ،.
لا والله إن ذلك لا يضيع أولا عند الله وما عند الله خير وأبقى، ولا يضيع في الدنيا، فالأمة الإسلامية كانت تحتضر فكانت الشهادة حياة للشهداء: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين ما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ) آل عمران:169- 171.
وكانت الشهادة حياة للأمة، أحيا الله بهم موات الأمة، وكأن تلك الدماء الغالية العزيزة سرت في عروقنا، فأحيتها من موات، وأيقظتها من غفلة، وأدركت أن حقها لن يسترد بالتفاوض، وأن ما ينصحنا به الأعداء لن يزيدنا إلا ذلا ومهانة..
في نفس الوقت أيقنت الأمة أن طريق عزتها مرهون بالسير في الطريق التي ترسمه دماء الشهداء.. وأن أولى الأمم بحق الحياة أبذلها لحياتها في الحق، وقديما قالها خالد: احرص على الموت توهب لك الحياة، وشعار المسلم الموت في سبيل الله أسمى أمانينا..
فالجهاد الجهاد أيها المسلمون إنه لتجارة منجية من عذاب الله، ومقربة لنعيم الله، ومحققة لنصر الله: ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم . تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم . وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين ) الصف: 10 - 13.