قمة الصالحات .. الايام العشر .. حيث تزدان الارض بوفود الحجيج ، وتتجمل السماء بنور الملأ الاعلي ،
وتتألق الكعبة في سرة الارض وفي وسط الدنيا يطوف بها العباد فيزدادون ايمانا ويتالقون احسانا ويتخففون ذنوبا وآثاما ...!!
 السباق الي الخيرات سباق الي جنات اعدها رب الارض والسموات ...!! 
انها قمة تجمع بين الفروض كلها فيها انفاق وزكاة  وفيها صلاة وفيها صوم حتي عن الكلام وفيها الشهادتين فضلا عن التهليل والذكر والتكبير ..
وتجمع بين الاخلاق ففيها هجرة الي الله وفيها اخلاص لله وفيها تضحية وفداء وفيها عفو وصفاء وفيها تسامح وتصالح وتصافح ...!!
جهاد لاشوكة فيه وغني لافقر معه ونداء لا لبس فيه " واذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلي كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم "
تتسارع الايام وتمر الاعوام ، تتوالي الليالي وينقضي الزمن ، ، والليالي من الزمان حبالي مثقلات يلدن كل  عجيب !!     
في هذه الابام العشر يكثر التهليل والتكبير والدعاء
 علي المسلم ان ينظف صفحاته ويطهر سجلاتهف وينقي عباراته ويغض نظراته ويرشد خطواته قبل ان يلقي حتفه ويقابل ربه فيعرض عليه اعماله " يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية " الحاقة ،لذلك يجب ان يقف الانسان مع نفسه، يأخذ العبرة، ويسترشد المعني، ويستلهم الدرس، ليجد د في قلبه النشاط، ويثير فيه الحماس، ويزرع فيه الامل، ويحثه علي العمل، ينير له الطريق، ويبعث فيه روح الفريق،       
كل يوم يمر علينا من
لقاء الله خطوة ولا ندري كم بقي من أعمارنا، بعض خطوة، أم خطوة، أم خطوات " يقول الحسن البصري رضي الله عنه : إنما أنت أيها الإنسان أيام مجموعة، فاذا ذهب يومك فقد ذهب بعضك ... إذا مر يوم من حياتك فقد وقعت ورقة من شجرتك، وطويت صفحة من صفحاتك، وهوي جدار من بنيانك..!! ويقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ..نعم الليل والنهار يعملان فيك كيف؟.! يقربان كل بعيد، ويبليان كل جديد، ويفلان كل حديد ...! " اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وغناك  فقرك .   " 
حديث صحيح     ،
واشد لحظات العتاب مع النفس واقوي لحظات اللوم للانسان واشد
 ساعات الندم حين يُقابِل  بصحيفة عمله، في
َرى فيها الخزْيَ والعار؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 23 - 24]، وقال تعالى: ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56]، فالعاقل مَن ندِم اليومَ حيث يَنفعه الندم، واستقبل لحَظات عمره، فعمَّرها قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم.  
هذه مواسم طاعة واسواق اخلاق ومصانع ارزاق  فيها تلبية لنداء الله " لبيك اللهم لبيك " وفيها اكتساب اخلاق " الحج اشهر معلموات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج "  وفيه زيادة في الارزاق " الحج والعمرة ينفيان الفقركما ينفي الكير خبث الحديد الذهب والفضة ...
انه مزرعة للاخلاق الحسنة والقيم العالية والاداب الرفيعة حيث يتادب الحاج مع الشجر فلا يقطع ومع الطير فلا يقتل ومع الانسان فلا يشتم ومع البيت فلا يلحد "ومن يرد فيه لالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم "  فيحرص علي كل لحظة طائعا لله مهتما باخراه زاهدا في دنياه ...!!
كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول: "إذا أمسيت فلا تَنتظِر الصَّباح، وإذا أصبحتَ فلا تَنتظِر المساء، ويقول الحسن البصري - رضي الله عنه -: "يا بن آدم، نهارُك ضيفُك؛ فأحسن إليه؛ فإنك إن أحسنتَ إليه ارتحَل بحمدِك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك،    أنت بين يوم مشهود، ويوم موعود؛ فقدِّم لليومينِ، واعمل للدارين؛
انه موسم تجارة  وسوق عبادة  " يجبي اليه من ثمرات كل شئ " فهو قوة روحية بالذكر والدعاء وقوة اقتصادية بالبيع والشراء وقوة اجتماعية بالحب والاخاء وقوة سياسية بالتشاور وبحث الاراء ..!!
أمر الله تعالى المؤمنين الصالحين بالمسارعة إلىلقد  الصالحات والمسابقة في عمل الخيرات , قال سبحانه : " وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "  سورة البقرة .
ووصف عز وجل المؤمنين المتقين بأنهم هم الذين يسارعون في الخيرات ويتسابقون إلى فعلها , قال تعالى : " وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ " .
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة والمسارعة في عمل الخير  قبل أن تتغير النفوس وتتقلب القلوب ،  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا وَيُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا.
أخرجه أحمد
ثم سباق الي الجنات
" سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " الحديد
انها اسواق الحسنات وقمة الصالحات يهاجر المسلم الي ربه تاركا دياره واولاده وعشيرته لسان حاله يقول " اني ذاهب الي ربي سيهدين "  وهناك يطوف كما طاف اسماعيل ويسعي كما سعت هاجر ويقبل كما قبل عمر ويقف بعرفة كما وقف محمد بن عبد الله ويضحي كما ضحي ابراهيم عليهم وعلي نبينا افضل الصلاة والسلام...
المؤمن في مواسم الطاعة يسمو فوق الماديات، ويعلو علي الشهوات، ينشط الذهن ويتألق، وتصفو الروح وتحلق، انه يزهد فيما عند الناس ويرغب فيما عند الله، انه يتخفف من أثقال الدنيا و جواذب الأرض، وينطلق صوب الآخرة في سعادة غامرة، لسان حاله يهتف: وافرحتاه غدا سألقي الأحبة محمدا وصحبه...!!، فيعمل لمعاده كما يعمل لمعاشه، ويعمل لغده كما يعمل ليومه، ويعمل لأخرته كما يعمل لدنياه ﴿فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 148]... يعلمون أن متاع الدنيا مهما طال فإنه قصير، ومهما كثر فانه قليل... ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [النساء: 77].... يعرفون أن الآخرة هي الخالدة..هي الباقية ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: 16-17].. لذلك يتحركون في الأرض بهذا الفهم، ويعيشون في الدنيا بهذا الفقه، تبقي الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، فيجعلونها مزرعة لأخرتهم، و مرضاة لربهم لقد وعي الصحابة ذلك جيدا فلم يعملوا من اجل مصلحة شخصية ولا منفعة مادية، ولا شهوة حسية، وإنما يعملون، من اجل إعمار الحياة، حبا لذات الله، وإتباعا لرسول الله ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31
اللهم ارزقنا حجا مبروا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا ...


خميس النقيب