أولا : المقدمة
يقول الله سبحانه وتعالى حاكيا على لسان أهل الصلاح من معاصرى قارون : " وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ."
ويقول الإمام البنا عن أهداف الإخوان السياسية : أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة الناس ، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعاً آثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادهم .
ومن العقوق للإنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولة تهتف بالمبادئ الظالمة وتنادي بالدعوات الغاشمة ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام.
وهذه القاعدة ترتكز على نشر تعاليم الإسلام داخل المجتمع ، يقول:
" نحن نريد الفرد المسلم،والبيت المسلم ، والشعب المسلم ، ولكنا نريد قبل ذلك أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في كل هذه الأوضاع وتصبغها بصبغة الإسلام ، وبدون ذلك لن نصل إلى شيء ، نريد أن نفكر تفكيراً استقلالياً يعتمد علي أساس الإسلام الحنيف لا علي أساس الفكرة التقليدية التي جعلتنا نتقيد بنظريات الغرب واتجاهاته في كل شيء ، نريد أن نتميز بمقوماتنا ومشخصات حياتنا كأمة عظيمة مجيدة تجر وراءها أقدم وأفضل ما عرف التاريخ من دلائل ومظاهر الفخار والمجد لهذا يدعوا الإخوان المسلمون إلى أن يكون الأساس الذي تعتمد علية نهضتنا هو توحيد مظاهر الحياة العملية في الأمة على أساس الإسلام وقواعده وبذلك تبنى مصر نفسها ، وتقدم للعالم كله أكمل نماذج الحياة الإنسانية الصحيحة."
وهذه القاعدة العامة التى يسير عليها الإخوان فى مشروعهم السياسى ، وفى كتب السياسة الشرعية أن هدف الحكم : ( حراسة الدين وسياسة الدنيا ) ، والمقصود بها : أن يحرص الحاكم على إقامة أحكام الإسلام ومبادئه ورعاية مصالح الشعب . وهذه القاعدة العامة فى الحكم التى ينشدها الإخوان المسلمون فى الحكومات بصفة عامة ويطالبون بها الحكومات ، وينتقدونها عند أى إخلال بها .
وهذا المبدأ العام التى تنتهجه الحكومات فى سياستها يختلف تمام الاختلاف مع منهج الإخوان المسلمين الذين يرون شمولية الإسلام لجميع نواحى الحياة ، فالإسلام دين ودولة ، ولا يمكن أن يُحكم المسلمون بعيدا عن دينهم.
يقول الإمام البنا : " فمن ظن أن الدين ـ أو بعبارة أدق الإسلام ـ لا يعرض للسياسة ، أو أن السياسة ليست من مباحثه ، فقد ظلم نفسه ، وظلم علمه بهذا الإسلام ..... فلا تقوم الدولة فى الإسلام إلا على أساس الدعوة،حتى تكون دولة الرسالة لا تشكيل إدارة ، ولا حكومة مادة جامدة صماء لا روح يها ، كما لا تقوم الدعوة إلا فى حماية دولة تحفظها وتنشرها وتبلغها وتقويها .
وأول خطئنا أننا نسينا هذا الأصل ففصلنا الدين عن السياسة عملياً. وإن كنا لن نستطيع أن نتنكر له نظرياً فنصصنا في دستورنا على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام. ولكن هذا النص لم يمنع رجال السياسة وزعماء الهيئات السياسية أن يفسدوا الذوق الإسلامي في الرؤوس ، والنظرة الإسلامية في النفوس.
والجمال الإسلامي في الأوضاع ، باعتقادهم وإعلانهم وعملهم على أن يباعدوا دائما بين توجيه الدين ومقتضيات السياسة ، وهذا أول الوهم و أصل الفساد وبلاء التقليد الغربى الذى لا خير فيه."
ثانيا : الإخوان والسياسة
ماذا يريد الإخوان من دخولهم المعترك السياسى ؟ سؤال يفرض نفسه ، إن أى حزب يمارس العمل السياسى يسعى للوصول إلى الحكم . وأى فرد يمارس العمل السياسى يسعى لتولى منصبا من المناصب فى الدولة .
ترى هل يريد الإخوان المسلمون الحكم، والمفترض فى الدعاة أنهم يزهدون فى المناصب ؟! ولماذا يمارس الإخوان العمل السياسى وهم يرفضون الحزبية ويعددون مفاسدها فى الربع الثانى من القرن العشرين ؟ هل هو تناقض فى المواقف وتخلى عن المبادىء ؟ هل يتخلى الإخوان عن دعوتهم ويركنون إلى العمل السياسى طمعا فى مغنم أم أنهم يمارسون الاثنين معا : الدعوة والسياسة ؟ تساؤلات كثيرة تثار وتحتاج إلى إجابة .
إن أى إنسان قبل أن يخطو خطوة تجاه عمل ما من المفترض أنه يعلم ماذا يريد ؟ وكيف يسعى لتحقيق هدفه ، والصعوبات التى يمكن أن تواجهه فى هذا الطريق والتضيحات التى يمكن أن يقدمها فى سبيل تحقيق ما تصبو إليه نفسه ، وكذلك الأمر بالنسبة للأحزاب أو الجماعات على حدِّ سواء .
والإخوان منذ نشأتهم يرفعون شعار: ( الله غايتنا ، والرسول قدوتنا ، والقرآن دستورنا ، والجهاد سبيلنا ، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا ) ؛ فالإخوان يسعون إلى إصلاح الدنيا بالدين . ويربطون جميع أعمال الإنسان بالإسلام مستندين بالآيات والأحاديث إلى إخلاص العمل لله ، قال تعالى : " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد"ٌ(ق : 18) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى " .
كذلك فإن عمارة الأرض من الأمور التى يجب على المسلم العمل من أجلها .ويسعى الإخوان إلى تربية الفرد على أسس إسلامية حتى يتربى المجتمع على تعاليم الإسلام ، فيكون الفرد المسلم والبيت المسلم والحكومة المسلمة ، وتنال الدول العربية والإسلامية وريادتها بين دول العالم .
وقبل أن نتطرق إلى الإجابة عن هذه التساؤلات يجدر بنا أن نتعرف على غاية الإخوان من دخول المعترك السياسى ، ماذا يريدون ؟ ويوضح ذلك الإمام البنا بقوله تحت عنوان : (الإخوان فكرة إصلاحية شاملة) :
" كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة ، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية ، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته ، والتقت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها ، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك
إن الإخوان المسلمين :
دعوة سلفية .... وطريقة سنية ..... وحقيقة صوفية : ...... وهيئة سياسية : لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج ، وتربية الشعب علي العزة والكرامة والحرص علي قوميته إلي أبعد حد..... وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلي ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعاً ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعاً ، ومن هنا كان كثير من مظاهر أعمال الإخوان يبدو أمام الناس متناقضاً وما هو بمتناقض" .
وإذا كان الإخوان يسعون إلى الإسلام بشموله ، فإن الإسلام لاتقام له قائمة إلا فى ظل سلطة تقوم على تنفيذ أحكامه وترعى مصالح الشعب ، ولذا فإن الإخوان المسلمين حددوا موقفهم من الحكومة بصفة عامة من أجل الحكومة المسلمة التى تطبق شرع الله وترعى مصالح الشعب وترفع عنه أثقال الحياة وأعبائها ، وتجعله سيدا بين الأمم.
والإخوان لا يقصون أحدا، ولا يعتبرون أنفسهم المطالبين بالإصلاح دون غيرهم ، وليس الإصلاح فى مجال دون آخر ، بل هو إصلاح شامل لجميع نواحى الحياة ، يقول الإمام البنا تحت عنوان (غاية الإخوان المسلمين ):
" أما الغاية الأولى المساهمة فى الخير العام أيا كان لونه ونوعه والخدمة الاجتماعية كلما سنحت الظروف ...أما الإصلاح الذى يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم فهو إصلاح شامل كامل تتعاون عليه قوى الأمة جميعا ، وتتجه نحوه الأمة جميعا ، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل ...
ويريدون بعث الأمة الإسلامية النموذجية التى تدين بالإسلام الحق ، فيكون هاديا وإماما ، وتعرف فى الناس بأنها دولة القرآن التى تصطبغ به ، والتى تذود عنه والتى تدعو إليه والتى تجاهد فى السبيل بالنفس والأموال ....والإخوان المسلمون يعملون لتأييد النظام بالإمام ، ولتحيا من جديد دولة الإسلام،ولتشمل بالنفاذ هذه الأحكام،ولتقوم بالناس حكومة مسلمة تؤيدها أمة مسلمة،تنتظم حياتها شريعة مسلمة.
وفى موضع آخر يوضح الإمام البنا أن للإخوان أهدافا عامة للوطن كله ، وأهدافا خاصة للمواطن يجب أن تحرص الحكومة عليها ، بقوله : دعوتنا دعوة للبعث والإنقاذ:
أهدافنا العامة: ماذا نريد أيها الإخوان ؟ أنريد جمع المال وهو ظل زائل ؟ أم سعة الجاه وهو عرض حائل ؟ أم نريد الجبروت في الأرض : إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده. ونحن نقرأ قول الله تبارك وتعالى : " تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" . (القصص:83.)
شهد الله أننا لا نريد شيئاً من هذا وما لهذا عملنا ولا إليه دعونا ، ولكن اذكروا دائما أن لكم هدفين أساسيين :
أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لكل إنسان ، لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر.
أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة الناس ، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعاً آثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادهم . ومن العقوق للإنسانية في هذه الظروف الحائرة أن تقوم فيها دولة تهتف بالمبادئ الظالمة وتنادي بالدعوات الغاشمة ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام.
نريد تحقيق هذين الهدفين في وادي النيل وفي بلاد العروبة وفي كل أرض أسعدها الله بعقيدة الإسلام : دين وجنسية وعقيدة توحد بين جميع المسلمين .
أهدافنا الخاصة : ولنا بعد هذين الهدفين أهداف خاصة لا يصير المجتمع إسلامياً كاملاً إلا بتحقيقها . فاذكروا أيها الإخوان أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان ، ولا يحصلون علي القوت إلا بشق النفس ، وأن مصر مهددة بمجاعة قاتلة ومعرضة لكثير من المشكلات الاقتصادية التي لا يعلم نتيجتها إلا الله ، وأن مصر بها أكثر من 230 شركة أجنبية تحتكر كل المرافق العامة وكل المنافع الهامة في جميع أنحاء البلاد ، وأن دولاب التجارة والصناعة والمنشآت الاقتصادية كلها في أيدي الأجانب المرابين ، وأن الثروة العقارية تنتقل بسرعة البرق من أيدي الوطنيين إلى أيدي هؤلاء.
وأن مصر أكثر بلاد العالم المتمدين أمراضاً وأوبئة وعاهات ، وان أكثر من 90% من الشعب المصري مهدد بضعف البنية وفقد الحواس ومختلف العلل و الأمراض ، وأن مصر لا زالت إلى الآن جاهلة لم يصل عدد المتعلمين فيها إلى الخمس بما في ذلك أكثر من مائة ألف شخص لا يتجاوز تعليمهم برامج مدارس الإلزام ، وأن الجرائم تتضاعف في مصر وتتكاثر بدرجة هائلة حتى أن السجون لتخرج أكثر مما تخرج المدارس ، وأن مصر لم تستطع إلى الآن أن تجهز فرقة واحدة في الجيش كاملة المعدات ، وأن هذه المعاني والصور تتراءى في كل بلد من بلدان العالم الإسلامي ، فمن أهدافكم أن تعملوا لإصلاح التعليم ومحاربة الفقر والجهل والمرض والجريمة وتكوين مجتمع نموذجي أن ينتسب إلى شريعة الإسلام.
وهكذا نجد أن الدولة المسلمة لا تتخلى عن مشكلات مواطنيها ، ولا تكون بمعزل عنها ، بل إنها ما قامت إلا من أجل رعايتهم والعمل على راحتهم ، وتيسير الحياة على الناس ، ورفع شأنهم بين الدول .
ويزيد الإمام البنا الحديث بيانا عن غاية الإخوان وأهدافهم بقوله : " يعمل الإخوان المسلمون لغايتين : غاية قريبة يبدو هدفها وتظهر ثمرتها لأول يوم ينضم فيه الفرد إلى الجماعة , أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام . وغاية بعيدة لابد فيها من ترقب الفرص وانتظار الزمن وحسن الإعداد وسبق التكوين .
فأما الغاية الأولى فهي مساهمة في الخير العام أيا كان لونه ونوعه,والخدمة الاجتماعية كلما سمحت بها الظروف .يتصل الأخ بالإخوان ؛ فيكون مطالبا بتطهير نفسه وتقويم مسلكه وإعداد روحه وعقله وجسمه للجهاد الطويل الذي ينتظره في مستقبل الأيام , ثم هو مطالب بأن يشيع هذه الروح في أسرته وأصدقائه وبيئته , فلا يكون الأخ أخا مسلما حقا حتى يطبق على نفسه أحكام الإسلام وأخلاق الإسلام , ويقف عند حدود الأمر والنهي التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه : " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا , فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا , قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا , وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " (الشمس:7-10) .
.... لقد جاء الإسلام نظاماً وإماماً ، ديناً ودولة ، تشريعاً وتنفيذاً ، فبقي النظام وزال الإمام ، واستمر الدين وضاعت الدولة ، وازدهر التشريع وذوي التنفيذ . أليس هذا هو الواقع أيها الإخوان ؟! وإلا فأين الحكم بما أنزل الله في الدماء والأموال والأعراض ؟ والله تبارك وتعالي يقول لنبيه" : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ" (المائدة:49) .
والإخوان المسلمون يعملون ليتأيد النظام بالحكام ، ولتحيا من جديد دولة الإسلام ، ولتشمل بالنفاذ هذه الأحكام ، ولتقوم في الناس حكومة مسلمة ، تؤيدها أمة مسلمة ، تنظم حياتها شريعة مسلمة أمر الله بها نبيه في كتابه حيث قال : " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُون , إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (الجاثـية :18-19) . "
ويوضح وسيلتهم فى تحقيق تلك الغاية بقوله " وسيلة الإخوان المسلمين : أما وسائلنا العامة:
فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان.
ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح.
ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية، وعلى هذا الأساس سيتقدم مرشحو الإخوان المسلمين حين يجيء الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها في الهيئات النيابية، ونحن واثقون بعون الله من النجاح مادمنا نبتغي بذلك وجه الله " وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " ( الحج:40).
أما سوي ذلك من الوسائل فلن نلجأ إليه إلا مكرهين ، ولن نستخدمه إلا مضطرين ، وسنكون حينئذ صرحاء شرفاء، لا نحجم عن إعلان موقفنا واضحاً لا لبس فيه ولا غموض معه ، ونحن علي استعداد تام لتحمل نتائج عملنا أياً كانت ، لا نلقي التبعة علي غيرنا ، ولا نتمسح بسوانا ، ونحن نعلم أن ما عند الله خير وأبقي ، وأن الفناء في الحق هو عين البقاء ، وأنه لا دعوة بغير جهاد ، ولا جهاد بغير اضطهاد ، وعندئذ تدنو ساعة النصر ويحين وقت الفوز ، ويتحقق قول الملك الحق المبين : " حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ". (يوسف:110) ". (7)
ثالثا : الإخوان والسعى للحكم
يظن كثيرون أن دعوة الإخوان بدأت دينية ثم دخلت المعترك السياسى بعد عشر سنوات ، وذلك تحديد خاطىء ينطلق من الفكرة العلمانية التى تفصل بين الدين والسياسة ، فبدأت دعوة الإخوان شاملة لجميع نواحى الحياة دون تقسيم للإسلام ، تقول د. آمال السبكى تحت عنوان (الدين والسياسة فى منهاج الإخوان قبل وبعد الحرب العالمية الثانية) :
ظل الإخوان المسلمون ولمدة عشر سنوات .. يعملون تحت ستار الدين وظلوا حريصين بالفعل على تأكيد الاتجاه ليأمونا شر معاداة الحكومات والأحزاب بل وحتى لا تلتفت اليهم العيون ...إذ كانت فى العدد الأول كانت تصور الإخوان آنذاك تمام التصور وكان ذلك فى حوالى عام 1938 .
وعلى أثر هذه الخطوة الجريئة التى رسمها البنا بحرص وذكاء شديدين بدأ يهاجم كل التيارات السياسية فى مصر ويعلن عداءه لكل من لا يسير على منهاجه من منطلق أن برنامج الإخوان هو الأمثل وهو الأصلح للبلاد , هذا الى جانب إيعازه المستميت للأعضاء على إظهار التخاصم مع السياسيين المصريين على اختلاف هويتهم , إلى جانب تبرئة نفسه مما يكال له من اتهامات بممالاة بعض القوى السياسية كالقصر وماهر باشا ." (8)
إن من يفصل بين الإسلام والسياسة يرى أن الإخوان جماعة دعوية لا شأن لها بالسياسة ، ولا يستطيع تفسير اهتمام الإخوان بالسياسة ، فكما يقول المستشار طارق البشرى:" الخلاف الحقيقى يغوص فى الأصول الفكرى التى تحدد مجال الرؤية مسارها وتتفرع عنها التفاريع ، وهو يقوم بين المنهج الإسلامى كما يراه الإخوان ، وبين المنهج العلمانى الذى وفد منطبعا به فى فكر الكثيرين من أبناء المؤسسات الحديثة فى بلدنا .
بالمنهج العلمانى يقول القائل لماذا تصل السياسة بالدين ؟ إن كنت تريد بهذا تحرير الوطن فهناك من يطالب بالاستقلال ويكافح من أجله ويفصل بين الدين والسياسة ...وبهذا النظر المتكامل نظر العلمانى الوطنى على حركة الإخوان على أساس من غربته الفكرية عنها ، وتغذت هذه الغربة بسوء الظن فى ضوء تجربة تاريخية عاشها لعلاقة الملك بالمؤسسات الدينية الرسمية .
وفضلا عن هذا السبب التاريخى فثمة خلاف عميق بين كل من العلمانية والإخوان ، وتصور كل منهما لنموذج النهضة التى يريد يبناؤها فى البلاد وللمواد الحضارية التى تستعمل فى هذا البناء مما يضرب بينهما حاجزا من الظلمة وعدم الفهم .وبهذا النظر يمكن قراءة الفصلين الواردين بهذا الكتاب عن الإخوان . " (9)
والفهم الصحيح للإسلام لا يرى تناقضا ،يقول الإمام البنا :
" وأما أننا سياسيون بمعنى أننا نهتم بشئون أمتنا ، ونعتقد أن القوة التنفيذية جزء من تعاليم الإسلام تدخل في نطاقه وتندرج تحت أحكامه ، وأن الحرية السياسية والعزة القومية ركن من أركانه وفريضة من فرائضه ، وأننا نعمل جاهدين لاستكمال الحرية ولإصلاح الأداة التنفيذية فنحن كذلك ، ونعتقد أننا لم نأت فيه بشيء جديد ، فهذا المعروف عن كل مسلم درس الإسلام دراسة صحيحة ونحن لا نعلم دعوتنا ولانتصور معنى لوجودنا إلا تحقيق هذه الأهداف.
ولم نخرج بذلك قيد شعرة عن الدعوة إلى الإسلام ، والإسلام لا يكتفي من المسلم بالوعظ والإرشاد ولكنه يحدوه دائما إلى الكفاح والجهاد " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت:69)."(10)
الإخوان لايسعون إلى الحكم ولا يطلبونه لذاته ، وإذا وجدوا من يقوم على المشروع الإسلامى وتطبيقه ، هم جنوده وأعوانه.
يقول الإمام البنا : " ويتساءل فريق آخر من الناس : هل في منهاج الإخوان المسلمين أن يكونوا حكومة وأن يطالبوا بالحكم ؟ وما وسيلتهم إلى ذلك ؟ ... ولا أدع هؤلاء المتسائلين أيضاً في حيرة ، ولا نبخل عليهم بالجواب .
فالإخوان المسلمون يسيرون في جميع خطواتهم وآمالهم وأعمالهم علي هدي الإسلام الحنيف كما فهموه ، وكما أبانوا عن فهمهم هذا في أول هذه الكلمة . وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركنا من أركانه ، ويعتمد علي التنفيذ كما يعتمد علي الإرشاد ، وقديماً قال الخليفة الثالث رضي الله عنه : (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) . وقد جعل النبي صلي الله عليه وسلم الحكم عروة من عري الإسلام" .
والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول ، لا من الفقهيات والفروع ،فالإسلام حكم وتنفيذ ، كما هو تشريع وتعليم ، كما هو قانون وقضاء ، لا ينفك واحد منها عن الآخر . والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيهاً مرشداً يقرر الأحكام ويرتل التعاليم ويسرد الفروع والأصول ، وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله ويحملونها بقوة التنفيذ علي مخالفة أوامره ، فان النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد ونفخة في رماد كما يقولون .
قد يكون مفهوما أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ و الإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله و تنفيذا لأحكامه و إيصالا لآياته و لأحاديث نبيه , وأما الحال كما نرى : التشريع الإسلامي في واد و التشريع الفعلي في واد آخر , فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف .
هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا , ولكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف ، وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم ، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه ، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله .
وعلى هذا فالإخوان المسلمون أعقل و أحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم و نفوس الأمة على هذا الحال , فلابد من فترة تنتشر فيها مبادئ الإخوان و تسود,و يتعلم فيها الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
وكلمة لابد أن نقولها في هذا الموقف : هي أن الإخوان المسلمين لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها ـ ولا الحكومة القائمة و لا الحكومة السابقة , و لا غيرهما من الحكومات الحزبية ـ من ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية ، فلتعلم الأمة ذلك , و لتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية ، وليعمل الإخوان المسلمون . (11)
ويتضح بجلاء موقف الإخوان المسلمين من الحكم في هذه الكلمات التي تحدِّد أن غاية الإخوان هي تحكيم الشريعة لا الحكم ذاته ، ويعتبر الإخوان المسلمون أنفسهم دعاة إلى الله- تعالى- بالحكمة والموعظة الحسنة، ويستهدفون من خلال دعوتهم تطبيق شرع الله كما أمر، وذلك من خلال الوسائل السلمية المتاحة وعبر المؤسسات الدستورية القائمة، ولا يسعى الإخوان إلى الحكم طلبًا له وأملاً فيه. (12)