بقلم / محمد عبد الرحمن صادق


- قال تعالى : " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {13} " ( الكهف 13 ) .   
- وقال تعالى : " قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ {60} " ( الأنبياء 60 ) .
- وقال تعالى : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً {12} " ( مريم 12 ) .
- قال ابن عباس رضي الله عنهما : " ما آتى الله عز وجل عبدًا عِلمًا إلا شابًّا ، والخيرُ كلُّه في الشباب " ثم تلا قوله عز وجل : " قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ {60} " ( الأنبياء 60 ) وقوله تعالى : " .... إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {13} " ( الكهف 13 ) ، وقوله تعالى :       " ...... وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً {12} " ( مريم 12 ) .
- عن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه :    " اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك " ( أخرجه الحاكم ) .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه مُعلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " ( متفق عليه ) . 
- جاء في تفسير سورة الأنفال للطبري رحمه الله : عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما كان يوم بدر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صنع كذا وكذا ، فله كذا وكذا " قال : فتسارع في ذلك شبان الرجال ، وبقيت الشيوخ تحت الرايات ....... " ( الحديث ) .
- جاء في مختصر تفسير ابن كثير للشيخ الصابوني - أطال الله في عمره - في تفسير قوله تعالى : " وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {198} " ( الأعراف 198 ) . قال : ..... كان ( معاذ بن عمرو بن الجموح ) و ( معاذ بن جبل ) رضي اللّه عنهما ، وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة ، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل ، ليعتبر قومهما بذلك ، ليرتأوا لأنفسهم ، فكان لعمرو بن الجموح ، وكان سيداً في قومه ، صنم يعبده ويُطيبه ، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ، ويلطخانه بالعذرة ، فيجيء ( عمرو بن الجموح ) فيرى ما صُنع به ، فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له : انتصر ، ثم يعودان لمثل ذلك ويعود إلى صنيعه أيضاً ، حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت ، ودلياه في حبل في بئر هناك ، فلما جاء عمرو بن الجموح ، ورأى ذلك نظر، فعلم ان ما كان عليه من الدين باطل ،  وقال : 
تاللّه لو كنت إلهاً مستدن                 لم تك والكلب جميعاً في قرن
ثم اسلم فحسن إسلامه ، وقتل يوم أحد شهيداً رضي اللّه عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه .
 
- هذه قطرة بسيطة من جيل كان كالمحيط الهادر ، والطوفان الجارف ، والسيل العارم ، الذي امتلأ  بالقوة ، والإرادة ، والعزيمة ، ولم يعرف المستحيل . فما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا شباباً قوي الإرادة ، عالي الهمة ، طموح الأفكار والرؤى .
- فهذا هو الصديق أبوبكر رضي الله عنه السابق إلى الإسلام كان عمره 37 سنة حينما دخل الإسلام .
- وهذا هو الفاروق عمر الذي كان ابن 26 سنة عندما أسلم .
- وهذا هو ذو النورين ، عثمان الذي بلغ من العمر عشرين ربيعاً عندما آمن بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم .
- والجميع يعلم أن الإمام علي رضي الله عنه دخل الإسلام صبياً .
- وهذا هو معاذ بن جبل رضي الله عنه ، الإمام الفقيه ، أعلم الأمة بأحكام الحلال والحرام ، أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة .
- وهذا هو سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتز لموته عرش الرحمن ، سيد الأوس ، وحامل لوائهم يوم بدر ، أحد أبطال الإسلام ، استشهد يوم الخندق وعمره سبع وثلاثون سنة وما قضى في الإسلام إلا خمس سنين .
- وهذا هو عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، حِبر الأمة ، وتُرجمان القرآن ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم 1660 حديثاً ، ولد قبل الهجرة بثلاثة أعوام وعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة . 
- وهذا هو أبو هريرة ، عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه ، أكثر الصحابة حِفظاً للحديث ورواية له ، أسلم سنة سبع للهجرة ، ولزم صُحبة النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه 5374 حديثاً ، وهو الذي لم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أربع سنوات .
- رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين من ذكرنا منهم ومن لم نذكر  .
- وهكذا جاء جيل الشباب من التابعين وتابعيهم ، بعد جيل شباب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، فكانوا على نفس الدرب ونهلوا من نفس المعين ، رافعين راية الإسلام عالية خفاقة ، لم يخور لهم عزم ولم تلين لهم قناة .
وأود أن أوجه كلمة لشباب الأمة اليوم
- الشباب الذي نشأ في طاعة الله .
- الشباب الذي تربى على مائدة القرآن .
- الشباب الذي يعتصر ألماً لحال أمته وما يُحاك لها من مؤامرات ، وما ألم بها من كبوات ومَلمات أثنتها عن الصدارة والريادة التي كانت عليها في كل عصورها .
- أيها الشباب الصالح : أحفاد ، خالد ، وعمار ، ومصعب ، وبلال ...... وغيرهم .
- أيتها الشابات الصالحات : حفيدات ، سُمية ، وأسماء ، ونُسيبة ....... وغيرهن .
- أيها الشباب المهموم بدينه ولدينه : اعلموا أنه لن ينصلح حال الأمة الآن إلا بما صلح به حال أولها .
 - أيها الشباب القابض على دينه : اعلموا أنكم بتقواكم ، وبصلاحكم ، وبتمسككم بشرع ربكم ، تسطرون التاريخ للأمة الإسلامية ، وتُعيدوا الأمة الإسلامية لسابق عهدها ، وتضعون معالم على الطريق لمن خلفكم ، فلا تدخروا وسعاً ولا تحقروا من المعروف شيئاً .
- أيها الشباب المعتدل فكراً وسلوكاً : إن ما يصيب  أعداء الأمة بالهوس منكم ، بل بالجنون ، هو ثباتكم على الحق في وجه الشهوات والمغريات والمنكرات . إنهم يودون أن يروا منكم تقاعساً وتخاذلاً وانحلالاً ، يودون أن يروا منكم انغماساً في الشهوات ، وفي وحل المنكرات . إنهم يودون أن يروا منكم  تهوراً وتصرفات غير مدروسة أو غير مسئولة ما أنزل الله بها من سلطان لكي تعطيهم المبرر ليقضوا على الأخضر واليابس في هذه الأمة . فهم لا يعرفون للإنسانية قدراً ولا للرجولة معنى .
 - أيها الشباب الواعي : إنه بفضل الله تعالى ثم بفضل ما تقدمونه من التزام وسطي مُعتدل ، وبذل مُنضبط ، وتضحيات مدروسة لن ينالوا منكم أبداً ، ولن يوقفوا طوفانكم الهادر . فالأنفس والقلوب  التى تفعل ذلك ، ما تفعله تُقية ، أو إيثاراً للسلامة ، أو لأن حيلتهم قد فرغت ، وصبرهم قد نفذ ، وجعبتهم قد نضبت ، ولكن يفعلون ذلك عقيدة ، وإيماناً ، ويقيناً .
 - أيها الشباب الثابت : إن أعدائكم في الداخل والخارج قد جربوا معكم كل الحيل والأساليب الشيطانية لكي يجردوكم من فهمكم الوسطي المعتدل ، وسمتكم الإسلامي الراقي ، وفرغت جعبتهم ونفذ صبرهم أمام ثباتكم وجلدكم وقبضكم على دينكم والعض عليه بالنواجذ . فلقد كانوا يظنون أنهم أمام صبية من السهل إغراقهم في الشهوات وإلهائهم بالمنكرات فما وجدوا إلا ليوثاً تزأر ، يلقنونهم دروساً في الرجولة والإيمان والثبات في زمن المُغريات . 
- أيها الشباب الصامد : اعلموا جيداً أن أعداء هذه الأمة يراهنون على تفريغ هذه الأمة من شبابها ، إنهم  يراهنون عليكم أنتم ، ويودون القضاء عليكم أنتم ، فأنتم الشوكة التي في حُلوقهم ، والكابوس الذي يُؤرق نومهم . إن ما يفعله أعداء هذه الأمة وأذنابهم ما هو إلا نقصاً ، وخيبة ، وحسرة  لأنهم يشعرون بالعجز والفشل أمامكم .
 - أيها الشباب الوفي : إن من سبقوكم مروا بما هو أشد من ذلك فصبروا وصمدوا وما لانت لهم قناة وأنتم غذاء هذه الشجرة المباركة بل روح هذه الشجرة المباركة التي يود أعدائكم أن يجتثونها من جذورها . فهم لم يدركوا أن هذه الشجرة من غرس الله تعالى وأن قادة هذه الأمة لو كانوا يطمحون لدنيا أو منصب أو جاه لرضخوا ، وفرطوا ، وانتكسوا ، وباعوا قضيتهم ولكنهم كانوا طلاباً للآخرة  فقط . فلقد كان قادة هذه الأمة ينظرون لكل مسألة من مختلف زواياها ، ويرون الميدان بعمقه ، فلا يتسرعون في إحراز الأهداف طالما أن قوتهم مُوزعة توزيعاً واعياً مدروساً على زمن المواجهة مع الباطل وجنوده حتى سلموا الراية لمن بعدهم ، غير مُبدلين ولا مُغيرين  .
- أيها الشباب الغيور : إننا نعلم مدى يقينكم  بأن الهوية الإسلامية تستحق التضحيات مهما علت ومهما غلت .  لذلك نعلنها للعالم أجمع عالية مُدوية نسمع بها الدنيا وكلنا بكم ثقة ... لا تراهنوا على شباب الأمة الإسلامية الواعي الذي يفهم أبعاد قضيته ويفهم هدف عدوه جيداً ، فشباب الأمة لن يبتلع طعم الإغراءات التي هي من حطام الدنيا الزائلة ، فشباب الأمة يركز على الأهداف المدروسة وتحقيق المصالح العليا للأمة ولا يلتفتون لغير ذلك من ترهات صبيانية بل يحتسبون كل جهد وكل تضحية عند الله تعالى ويصبروا لينالوا إحدى الحُسنيين . قال تعالى : وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {24} " ( السجدة ) .
- أيها الشباب المنضبط : إننا نشعر بمدى الحزن الذي يعتصر قلوبكم ، ومدى الغضب الذي يملأ صدروكم ، ومدى الغصة التي في حلوقكم ، وفوران الدماء الذكية في عروقكم لما يحدث من تمزيق أوصال الأمة ، واغتصاب حريتها وإرادتها ، ونعلم جيداً مدى قدرتكم على الرد المزلزل للباطل وجنده فأنتم أهل الجهاد والتضحية وأنتم فرسان الحلبة وروادها بفضل الله تعالى ولا نزكي على الله أحداً . ولكن اعلموا أن كل الدماء التى تسيل لن تذهب هدرًا ، واعلموا أن مُخطط أعداء الأمة  هو جر البلاد إلى حروب وفتن  واقتتال تضيع معهم الحقائق والحقوق ويفلت معها الجناة ، ولكن هيهات هيهات أن يفلحوا في ذلك . قال تعالى : " ... وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ {10} " ( فاطر ) .
- اعلموا أيها الشباب أن الله تعالى جعل النصر على ثلاثة أحوال :-
- نصر استحقاق : عندما يقوى الإيمان وتتكافأ العُدة مع الأعداء مثلما حدث في فتح مكة .
- نصر تفضل : عندما يقوى الإيمان وتقل العُدة مثلما حدث في بدر .
 - نصر مبدأ وعقيدة  : عندما يقوى الإيمان وتقل الحيلة فلا يكون للفرد المُستضعف سوى عقيدته وإيمانه ويقينه في ربه سبحانه وتعالى مثلما حدث لأصحاب الأخدود ، وسحرة فرعون ، وبلال ، وعمار ، وأحمد ابن حنبل ، وكل من سار على دربهم إلى يوم القيامة فسنة الله لا تتبدل ولا تتغير . 
- والملاحظ أن العامل المشترك لأنواع النصر الثلاثة هو قوة العقيدة ، وقوة الإيمان التي لا تضارعها قوة ولا يغلبها غالب . فالنبي صلى الله عليه وسلم ما عُرف عنه إلا التضرع لله تعالى في كل غزواته حتى أشفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم .
- أيها الشباب : اعلموا أنه بهذه الروح انتصر أسلافنا : ففي غزوة بدر ، سأل عوف بن الحارث رضي الله عنه - وهو الابن الثالث لعفراء – سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ما يُضحك الرب من عبده ؟ " قال صلى الله عليه وسلم : " غمسه يده في العدو حاسرًا " . فنزع دِرعًا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه .
- أيها الشباب : هذه ليست دعوة للعنف أو شراهة للدماء ولكن لاستثارة الهمة العالية والإقدام والشجاعة في مواقف لا تحتاج غير ذلك . قال تعالى : " فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً {84} " ( النساء 84 ) .  
- أيها الشباب : لينوا في أيدي من لهم السبق والفضل بالإيمان والتقوى ، ولا تكونوا سبباً في تحميلهم ما لا يطيقون ، استفيدوا بسبقهم ، واستفيدوا بصدقهم وإيمانهم وتقواهم ، وثقوا أنهم لن يعصوا الله تعالى فيكم ، واجعلوا من سَبْقِهم وصِدقهم وتقواهم لله فيكم وسائل لضبط الإيقاع حتى لا يكون هناك نغمة نشاز تفسد المنظومة بأكملها . واعلموا أنهم أحرص على إحراز الأهداف وتحقيق النصر ولكن رب هدف جر على  صاحبه هزيمة فلنتعلم إحراز الأهداف التي لا ترد وفي الوقت الذي لا يُعوَّض .    
 *  أيها الشباب التقي النقي الورع : تضرعوا إلى ربكم واثقين في معيته وتأييده ، ووحدوا صفوفكم ، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، يتنزل عليكم نصر ربكم : " ...... وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5}‏ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6} "    ( الروم ) .

وفقكم الله وسدد على طريق الحق خطاكم