محمد عبد الرحمن صادق :
خاطرة ( 1 ) : الإخلاص
قال تعالى : " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {5} " ( البينة 5 ) .
الإخلاص : سرّ بين الله وبين العبد ، لا يعلمه ملك فيكتبه ، ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله . والإخلاص أن يقصد المسلم بقوله وعمله كله وجه الله ، وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر .
- قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ " ( رواه مسلم ) .
- قال الفضيل بن عياض في تفسير قوله تعالى : ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ هو أخلصه وأصوبه ، قالوا : يا أبا عليّ ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال : إنّ العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتّى يكون خالصاً صواباً . الخالص أن يكون لله ، والصّواب أن يكون على السّنّة ..
======================================
خاطرة ( 2 ) : بالإيمان نرتقي
- إن شهر رمضان من أهم مواسم الطاعات التي تزيد الإيمان والتقوى لما فيه من شتى أنواع الطاعات ، ولما فيه من مضاعفة الأجر والحسنات .
- قال الله تعالى : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً {4} " ( الفتح 4 ) .
- والإيمان يمد صاحبه بقوة هائلة لا تتزعزع ، ويفجر بداخلة طاقات تستعصي على الفناء ، فتراه يُقبل على الطاعات إقبالاً ، ويفر من الذنوب والمعاصي فراره من الأسد .
- وصاحب القلب المؤمن تراه هادئ البال ، بشوش الوجه ، يسعى في مناكب الأرض وقلبه يرفرف في عنان السماء . وعندئذ لا يبالي بمشكلات الحياة الفانية ، ولا يضعف أمام فتنها ومغرياتها ، ولا يكترث إلا بكيفية المحافظة على هذه الصلة بالله تعالى وعلى الشحنة الإيمانية التي يخشى من انطفاء جذوتها وخفوت نورها .
- وبدون هذا الإيمان سوف يكون الإنسان في الحياة حائراً ، وفي كل واد مُتخبطاً ، فتراه ضائق الصدر ؛ خائر العزيمة ، هش الإرادة .
- قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إذا سمعت الله يقول : " يا أيها الذين آمنوا " فأرعها سمعك . يعني استمع لها . ؛ فإنه خير يأمر به ، أو شر ينهى عنه " ( رواه بن أبي حاتم ) .
- عن الحسن البصري أنه قال : " ليس الإيمان بالتمنِّي ولكن ما وقَر في القلب وصدّقه العمل ، وإن قومًا خرجوا من الدُّنيا ولا عمل لهم وقالوا : نحن نحسن الظَّنَّ بالله وكَذَبُوا ، لو أحسنوا الظَّنّ لأحسنوا العمل " .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين .
------------------------------------------------------------------------------
خاطرة ( 3 ) : هيا نجعل من ذنوبنا قنطرة للجنة !!
قال تعالى : " إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً {17} " ( النساء 17 ) .
- إن العبد قد يُقدِّر الله تعالى عليه فعل الذنب لما يريده له من الخير من التوبة والخوف والإخبات والانكسار وترك العُجب ، ثم الإقبال على الله تعالى .
- قال بعض السلف : إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة ، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار ، قالوا : كيف ؟ قال : يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه ، إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى محوها وانكسر وذل لربه وزال عنه عُجبه وكِبره ، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يراها ويمنّ بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى يدخل النار " .
- ومما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه " طريق الهجرتين " عن حكمة ترك الله تعالى العبد يقترف الذنوب ، قال : " أن ينسيه رؤية طاعته ويشغله برؤية ذنبه فلا يزال نصب عينيه ، فإن الله إذا أراد بعبد خيراً سلبه رؤية أعماله الحسنة من قلبه والإخبار بها من لسانه ، وشغله برؤية ذنبه ، فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة ، فإن ما تقبل من الأعمال رفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذكره " .
- فالله تعالى لا يدخله الجنة بذنبه الذي ارتكبه ، وإنما يدخله الجنة برحمته ، جزاء ما كان عليه من خوف وانكسار ورهبة بسبب ارتكابه الذنب .
- هذه ليست مدعاة لارتكاب الذنوب ، فما يدريك كيف سيكون حالك بعد الذنب ، فهناك من يستمريء الذنب ولا يستطيع الإقلاع عنه وهناك من إذا وقع في الذنب ضاق صدره واضطرب حاله وكاد أن تزهق روحه خوفاً من سوء المصير . قال بن مسعود رضي الله عنه : " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على انفه فقال به هكذا " ( رواه الترمذي وأحمد ) .
- ندعو الله تعالى أن يحفظنا وإياكم من الذنوب صغيرها وكبيرها ، سرها وعلانيتها ، حقيرها وعظيمها إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه .
***************************************
خاطرة ( 4 ) : الفردوس الأعلى
قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً {107} خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً {108} " ( الكهف 107 – 108 ) . وفي صدر سورة المؤمنون قال تعالى : " أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ {10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {11} " ( المؤمنون 10 – 11 ) .
إن كلمة الفردوس الأعلى تلقي في القلب الفرح والسعادة والطمأنينة والأنس والرضا ، وتلقي في السمع جرْساً يهدأ له البال ، وتقر له العين ، وترتخي معه الأعصاب شوقاً لهذه المنزلة العظيمة التي يفوز من ينالها فوزاً ما بعده فوز .
- كلمة الفردوس تعني الزيادة والسعة . والفردوس اسمُ جَنَّةٍ من جنَّات الآخرة وهي أعلى الجنة وأوسطها وأفضلها .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة " ( رواه البخاري ) .
عن أنس رضي الله عنه ، قال : " أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام ، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني ، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب ، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع ، فقال : ويحك أو هبلت أو جنة واحدة هي ؟ إنها جنات كثيرة ، وإنه في جنة الفردوس " . ( هو حارثة بن سراقة بن الحارث ، أمه الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك ، وهو أول من استشهد يوم بدر من الأنصار ) .
- قال ابن القيم رحمه اللَّه : " أنزه الموجودات وأظهرها ، وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتا وقدراً وأوسعها : عرش الرحمن جل جلاله ، ولذلك صلح لاستوائه عليه ، وكل ما كان أقرب إلي العرش كان أنور وأنزه وأشرف مما بعد عنه ؛ ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنان وأشرفها وأنورها وأجلها ، لقربها من العرش ، إذ هو سقفها ، وكل ما بعد عنه كان أظلم وأضيق ، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير" .
- قال أحمد بن خضرويه : " القلوب جوالة : فإما أن تجول حول العرش أو أن تجول حول الحشّ " أي ( مكان قضاء الحاجة ) .
اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى
---------------------------------------------------------------------------------
خاطرة ( 5 ) : السبيل إلى الفردوس الأعلى
- قال تعالى : " مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً {18} وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً {19} كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً {20} " ( الإسراء 19 – 20 ) .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة " ( رواه الترمذي ) ( أَدْلَجَ القَوْمُ : سَارُوا اللَّيْلَ مِنْ أَوَّلِهِ ) .
- إن نيل المطالب ليس بالتمني ولكن ما عند الله تعالى لا يمكن إدراكه إلا بطاعته سبحانه وتعالى ، والبعد كل البعد عن ما حرِّم على عباده . قال ابن كثير رحمه الله : " من سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير ، كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة ، فإن الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان " .
- قال الحسن البصري عن بعض الناس يقعد عن الطاعات ويقول أنا أُحسن الظن بالله ، قال : " كذبوا والله ، لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل " . فالذي يُحسن الظن بالله تعالى هو الذي يفعل الأسباب ثم يتوكل على الوهاب ، والذي يرفع أكفّ الضراعة ثم ينتظر ويوقن بالإجابة من الله تبارك وتعالى .
- ولابد لمن يطمع في جنة الله تعالى أن يُكثر من طلبها ، والإلحاح في الدعاء بأن يكون من أهلها .
- قال ابن القيم رحمه الله : " علو الهمة ألا تقف ( أي النفس ) دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية ، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم ، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها ، وكلما نزلت قصدتها الآفات " .
- ومن جملة ما ذكر لبلوغ جنة الفردوس ، الجهاد في سبيل الله ، والصلاة ، والصيام ، وتلاوة القرآن ..... إلى غير ذلك من أبوب الخير الكثيرة .
- يقول الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : " "إن لي نفساً تواقة ، وما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلى منه ، تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها ، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها ، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها ، والآن يا رجاء تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها " .
- إن صاحب النفس التواقة للمعالي ، والعنق المُشرئبة للأفق ، لا يرضى بسفاسف الأمور ، ولا يرضى بالدنية في شيء من أمور حياته ، ومن باب أولى بعد مماته .
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل .