19 / 10 / 2008

 اليوم السابع : ثكنة عسكرية وجنود أمن دولة فى كل مكان.. حالة طوارئ داخل وخارج الجامعات.. احتجاجات وتظاهرات.. حالة متكررة تشهدها الجامعات المصرية فى هذا الوقت من كل عام، والسبب انتخابات اتحاد الطلاب، التى تعد نموذجا مصغرا للانتخابات البرلمانية، وأحد أهم وسائل تفعيل دور الشباب فى الحياة السياسية.



ومع استمرار التدخلات الأمنية، تضيع كل آمال الشباب فى امتلاك صوت حر، وكالعادة تبدأ الاعتصامات وتخرج التظاهرات، ولا جديد. الإخوان واليساريون من أوائل المستبعدين من الانتخابات، والسبب معلوم للجميع، وهو اختلافهم السياسى مع النظام، ورغبته فى إقصائهم عن الحياة السياسية حتى داخل الجامعات .
ومن أجل هذا الهدف أدخلت وزارة التعليم العالى تعديلات، بمشاركة لجنة السياسات فى الحزب الوطنى، على لائحة تنظيم النشاط الطلابى بالجامعات المصرية، والتى جاءت استكمالاً لنهج لائحة عام 1979 فى إحكام القبضة الأمنية داخل الجامعة، ووضعت قيوداً على العمل الطلابى المستقل فى الجامعات، فى الوقت الذى سمحت فيه لإدارات الجامعات بالتدخل فى شئون الاتحادات، ووضعت شروطا مانعة لترشيح الطلاب، وفتحت الباب أمام تدخل الأجهزة الإدارية والأمنية فى إدارة الانتخابات، واشترطت اللائحة عدم جواز إقامة أية أنشطة سياسية، واشتراط موافقة عميد الكلية على أى دعوة يوجهها أمناء ورؤساء الاتحادات لمتحدثين من خارج الجامعة.

انتخابات هذا العام شهدت انسحاب طلاب الإخوان المسلمين، بعد شطبهم من الكشوف النهائية، الأمر الذى جاء دون أى تبرير. وكشف مصدر فى اتحاد جامعة عين شمس لعام 2007ـ 2008 رفض ذكر اسمه، أن الكشوف النهائية أٌعلنت فى وقت متأخر من مساء ليلة الانتخابات "حتى لا يعطوا لأحد فرصة للاعتراض".

لم يأت الشطب فقط بدون أسباب وإنما تعسفيا أيضاً، حيث شطبوا طلابا مميزين فى أنشطتهم واستبدلوهم بطلاب منهم سيئ السمعة، ومنهم من تحول إلى التحقيق السنوات الماضية، وهو ما يخالف اللائحة. واعتبر المصدر أن اللائحة بشكلها الجديد دليل واضح على تدخل الأمن وإدارة الجامعة فى الانتخابات والزج بأسماء بعينها دون الأخرى، وهو أكبر إساءة لسمعة الجامعة المصرية، ويرى ما حدث ـ حسب تعبيره ـ "كوسة علنى".

من جهته، أكد دكتور يحيى القزاز عضو حركة 9 مارس، أن ما حدث أمر طبيعى فى ظل نظام استبدادى يريد من المجتمع أن يصبح مرآة له، مشيراً إلى أن النظام اعتمد على العصا الأمنية لتحطيم أى وجهات نظر مخالفة له. ورغم حزنه على تحطيم أحلام شباب مازالت فى المهد، إلا أنه أعرب عن تفاؤله بما يحدث باعتباره شواهد قوية على قرب انتهاء حقبة زمنية طالت وزاد طغيانها. وأكد القزاز على أن لجوء الطلاب إلى القضاء غير مجدٍ، رغم حقهم فى ذلك، مشيراً إلى أن اللجوء للقضاء فى مثل هذه الأمور لا ينصف أحدا.

منظمات المجتمع المدنى انتقدت ما حدث فى انتخابات الاتحادات الطلابية، وأصدر مرصد الديمقراطية تقريرا يحمل عنوان (لائحة جائرة ـ بلطجة فى جامعة عين شمس ـ الإخوان ينسحبون من انتخابات القاهرة لفشل مفاوضاتهم مع رئيس الجامعة)، اعتبر فيه أن انتخابات اتحادات الطلاب- التى تجرى وفق لائحة جائرة تفرغ عمل الاتحادات من مضمونها، وتسمح للأجهزة الإدارية والأمنية بالتدخل فى سير عملها وفى إهدار كامل لحق الطلاب فى تقديم أوراق ترشيحهم، وممارسة أعمال الدعاية وغياب إشراف جهات محايدة على تلك الانتخابات فى ظل سيطرة الأجهزة الأمنية والإدارية على الجامعات المصرية- انتخابات باطلة.

كما طالب التقرير، الذى حصل اليوم السابع على نسخة منه، بسن لائحة ديمقراطية لتنظيم العمل الطلابى، وكف يد الأجهزة الأمنية عن إدارة الجامعات وإعطاء الحق للطلاب المصريين فى اختيار ممثليهم لاتحادات طلابية حقيقية، تدير شئونهم وتسمح لهم بالمشاركة فى قضايا مجتمعهم بدلاً من لجوء الطلاب إلى العنف أو الأفكار الظلامية والرجعية أو حالة من السلبية واللامبالاة.

ولكن لماذا تسعى الدولة للسيطرة على الانتخابات الطلابية؟ طالما أنها لن تسمح لأى تيار سياسى بالظهور داخل الجامعة.. السبب، كما قال دكتور مجدى عبد الحميد رئيس الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة الاجتماعية، أن الحكومة تفضل حسم الخلاف بينها وبين التيار الإسلامى داخل الجامعة بالأمن والبوليس والبلطجة، مؤكداً على أن الدولة بهذا التصرف تنمى قوة التيار الإسلامى داخل الجامعة بدلاً من القضاء عليه، حيث عمليات القمع تخلق تعاطفا معهم ثم اندماجا داخلهم. والحل من وجهة نظر عبد الحميد، يكمن فى لائحة جديدة تسمح للطالب بممارسة العمل السياسى بطريقة مشروعة، وهو لن يحدث فى ظل حكومة اعتمدت الفساد استراتيجية خاصة لها.

تزوير الانتخابات الطلابية يرجع لسببين، عمرو الشوبكى باحث بمركز الأهرام الاستراتيجى، ذكر أن أولهما يرجع إلى ثقافة عامة سادت مصر كلها، وانتقلت بالعدوى إلى الانتخابات الطلابية وهى التزوير، أما الثانى فهو استهانة الحكومة باختيارات المواطنين، وأن أصواتهم ليست فى الحسبة أصلا. ومن خلال هذا التزوير والبلطجة ترسل الدولة رسائل للشباب مستقبل البلد، مفادها أن كل الأمور بقبضة الأمن، والمشاركة محظورة إلا على أتباع النظام.

وفسر الشوبكى حرص الحكومة المصرية على إجراء انتخابات طلابية حتى لو كانت شكلية بتجميل الصورة الديمقراطية التى تسعى لتثبيتها فى الأذهان، فالمهم أن هناك قبة وبرلماناً وتحتها تزوير، فهى ديمقراطية شكلية بدون مضمون.
اليوم السابع