ظل حزب الشعب الجمهوري يحكم تركيا، بداية من المؤسس أتاتورك ثم خليفته عصمت إينونو، ثم قرّر بعدها أحد رجال الحزب الانشقاق عنه وتأسيس حزب آخر، وكان هذا الرجل هو عدنان مندريس، حيث أسّس الحزب الديموقراطي، والذي لم تمض بضعة أعوام حتى فاز بالانتخابات، فوصل مندريس إلى السلطة عام 1950، أعلن خلالها إعادة الأذان باللغة العربية، ثم سمح بإعادة قراءة القرآن الكريم باللغة العربية بدلا من الاكتفاء بقراءة ترجمة معانيه باللغة التركية، وسمح بافتتاح أول معهد لتدريس علوم الشريعة منذ عام 1923 إضافة إلى بعض مراكز تعليم القرآن الكريم، كما قام بحملة تنمية شاملة في تركيا شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرقات والجسور والمدارس والجامعات وهي الإجراءات التي أسهمت في زيادة شعبيته بشكل ملحوظ.


كل هذا لم يرق لحزب الشعب الجمهوري وغيره من الأحزاب العلمانية التركية، فقاموا بافتعال اضطرابات ضد حكم مندريس واتهموه بمحاولة الانقلاب على هوية تركيا العلمانية، رغم أن تركيا قد انضمّت في عهده إلى حلف شمال الأطلسي، وشهدت تقدّما ملحوظا، إلا أن ذلك لم يمنع بعض الأحزاب المناوئة له من التآمر مع جنرالات في الجيش لتدبير الانقلاب عليه، فبدأوا بحشد قوى اجتماعية، لا سيما داخل الجامعات والمدارس العسكرية لمعارضة سياسات الحكومة، فوقعت أحداث شغب ومظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة، وقام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجا على سياسات مندريس.


وفي صباح 27 مايو عام 1960 تحرّك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري منذ بداية العهد الجمهوري، حيث سيطر على الحكم 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسيل، وأحال الانقلابيون 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم إعلان الأحكام العرفية، وحاصرت الدبابات مبنى البرلمان وتم وقف نشاط الحزب الديموقراطي واعتُقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء وأرسلوا إلى السجن قبل أن يُحكم عليهم بالإعدام في محاكمة صورية، وبالفعل تم تنفيذ حكم الإعدام في مندريس.