الباحث السياسي/ أحمد فهمي:
قبل عام تقريبا، نشرت على هذه الصفحة مقالا قصيرا عن أثر التمويل على مصداقية الصحفي، وأن كثيرا من الصحفيين يتلونون بحسب من يدفع، وكان واضحا أن المقصود بالكلام هما: جمال سلطان وشقيقه محمود..
بعد أيام قليلة من النشر، تلقيت اتصالا من مكتب قناة المجد بالقاهرة للظهور في حلقة من برنامج "المشهد المصري"، فذهبت في الموعد لأجد أن مقدم الحلقة هو جمال سلطان..
تأخر بث البرنامج قليلا، فتبادلنا الحديث، وفوجئت به دون مقدمات يحدثني عن صعوبة إخراج صحيفة يومية، وأن هذا الأمر مكلف جدا ومرهق للغاية، لكن مع ذلك فإن صحيفته "المصريون" لا تتجاوز تكلفتها الشهرية مرتب مجدي الجلاد رئيس تحرير الوطن، يعني أقل من ربع مليون جنيه؟
كان واضحا طبعا من السياق أن الرجل يدافع عن نفسه بصورة غير مباشرة، لكنه بدلا من ذلك جعلني أتساءل عن الجهة التي تدفع هذا المبلغ – متوسط 200 ألف جنيه شهريا- مقابل طباعة أوراق لا تكاد تُقرأ..
من دواعي التمويل ومقتضياته، أن يظل الصحفي المتمول قادرا على إثارة اللغط والحيرة والارتباك في المشهد، لأن "الممول" كلما استمع لاسم "المتمول" يتردد في الأجواء كثيرا ، ينتشى بحسن اختياره، وكلما خفت اسم "المتمول"، كلما تراجع التمويل..
لقد غرق "آل سلطان" بتأييدهم للانقلاب في حسابات معقدة، فمن يمولهم ومن يسمح لهم بإصدار جريدة يومية، يفعلون ذلك لأنه يخاطب شريحة الإسلاميين أصلا، إذ بدونها لا قيمة لآل سلطان، وهنا المعضلة الكبرى..
فجمال سلطان يهاجم أغلبية الإسلاميين الرافضة للانقلاب، وفي الوقت نفسه، يجب أن يحتفظ بمتابعتهم له ليضمن التمويل والدعم، فماذا يفعل؟..
هنا يلجأ الصحفي المتمرس إلى ما يعرف بــــ"استعادة المصداقية"، من خلال نشر مقالات متتابعة توحي بأن الكاتب تغيرت مواقفه، وأنه آب إلى رشده، فترتفع أسهمه لدى الشريحة التي "ياكل عيش" من خلال مخاطبتها، ولا توجد مشكلة هنا من أن يزيد منتقدو السيسي واحدا أو اثنين.. مؤقتا..
اتضحت النوايا الحقيقية لـــ"آل سلطان" من خلال مقالاتهما الداعية إلى المشاركة في الاستفتاء بدلا من المقاطعة، ثم من التحول التدريجي في موقفهما من السيسي من خانة "لا يصلح رئيسا" إلى خانة" صعوبات تواجه السيسي بعد الرئاسة"..
وأخيرا- وليس آخرا- أطلق سلطان قنبلته الأخيرة، وهي مبادرة التحالف المكونة من 16 بندا..
طبعا لا يوجد مبادرة قدمها التحالف، وليس هناك حديث أصلا حول هذا الموضوع، ولم يُطرح للنقاش..
ليس خافيا أن جمال سلطان يتحرك بتوجيهات عليا، إذ هو يعلم جيدا أنه بمجرد نشره لهذا المقال سوف يعلن التحالف عن إنكاره لوجود مبادرة، وهو ما حدث بالفعل، فلماذا يغلط هذه الغلطة؟ ويضع نفسه في موقف "بايخ"..
التوقيت مهم، فالرئيس الواجهة، أعلن بالأمس أنه لا مجال للحديث عن مصالحة مع الإخوان، ثم يأتي سلطان في اليوم التالي ليعلن عن مبادرة للمصالحة يطرحها التحالف، فماذا يعني ذلك؟..
يعني أن الانقلاب يتمنع، والتحالف يتزلف،
ومن ناحية أخرى: جمال ينقل بزعمه عن أطراف داخل التحالف، وأطراف أخرى تنكر وجود مبادرة، إذن هناك اختلافات، فيثور لغط وتُستنزَف طاقات.. هذه هي الخطة الخبيثة التي جعل سلطان من نفسه معبرا لها..
تأمل في بنود المبادرة، لتجد أنها عبارة عن تمنيات العسكر، وليس توجهات التحالف، فلو أن السيسي صاغ المبادرة، ما خرجت بأفضل من ذلك..
الأسابيع القادمة حرجة جدا فيما بتعلق بالمستقبل السياسي لمصر، ولأن "أباهم" الذي في المخابرات، هو الذي يدير المشهد، فلابد من توزيع الأدوار، ولا مجال لأحد أن يسأل، فواجب الوقت هو التنفيذ في صمت، فمهمة البعض أن يطلق أكاذيب، وآخر، قد تكون مهمته أن يهاجم السيسي، وثالث، ربما يُكلف بالدعوة إلى المصالحة..
التناسق هنا يكون واضحا فقط بالنسبة للرأس الكبيرة، أما على مستوى الكومبارس، فليس مطلوبا منهم أن يفهموا أصلا..
جمال سلطان وشقيقه، هما مجرد بوابة لنقل الرسائل، وهذه الرسائل تخدم جهات عليا، فلو أننا لا نريد أن نتلقى الرسائل المشوشة، فماذا نفعل؟..
الأمر بسيط.. نغلق البوابة..
المرة التي تجد فيها نفسك تنقل كلاما كتبه آل سلطان، فلتعلم أنك بحاجة إلى "أنتي فيروس"..

