كتب - احمد شعبان:
قدم الكاتب والمحلل السياسي أحمد فهمي تصورا لرؤية الصراع بين الشرعية والانقلاب بعد مرور مائة يوم عليه، أكد في نهايته ان الثورة منتصرة طالما بقيت في حراكها على الارض دون انقطاع، مشيرا إلى أن الاستمرار دون حسم لا يعني الهزيمة إنما يعني ان النصر سيأخذ وقتا أطول للوصول إليه.
وقال في تدوينة على صفحته الشخصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحت عنوان "من يتجرع السم.. أولا؟ رؤية إستراتيجية لحالة الصراع بعد مائة يوم":
السؤال الأكثر أهمية في الوقت الحالي، هو: من يخسر، ومن يكسب؟ من يتقدم، ومن يتأخر؟ الانقلاب أم الثورة؟
في لعبة الشطرنج، تُحسم المباراة في أحيان كثيرة قبل خطوتها النهائية، إذ في مرحلة معينة تصبح النقلات التالية التي سيقوم بها اللاعبان: تحصيل حاصل.. لأنها نقلات تتضمن خيارا وحيدا للطرف الأضعف، تنتهي حتما بفوز الآخر.. ربما يحدث ذلك قبل نقلتين أو ثلاث، وربما أكثر.. في العادة يتوقف اللعب عندما يدرك الطرفان تلك الحقيقة.. فتتردد العبارة الأشهر: كش ملك..
ما يحدث في الصراعات السياسية لا يختلف كثيرا عن لعبة الشطرنج..
ما يحدث الآن في مصر هو صراع إرادات بالدرجة الأولى، فــكل طرف يسعى لكي يقنع الآخر بأن خطواته المستقبلية محسومة محددة وتنتهي إلى لا شيء..
مؤيدو الانقلاب يمارسون تلك الحيلة بحماسة، إذ يوكلون إلى أتباعهم ورجالهم وحلفائهم، أن يعيدوا تكرار هذه الفكرة بصياغات متعددة دون كلل أو ملل: كش ملك.. جيم أوفر.. الهزيمة حتمية.. لا فائدة..
أحيانا يتأثر بهذه الحيلة بعض المحترمين الرافضين للانقلاب، فيقع في "فخ التصديق" بضبابية المسار والمصير، فيدعو إلى "تجرع السم" لأن "اللعبة انتهت" أو لأن "مصر لن تتحمل صراعا بين الثورة والانقلاب"..
على الجانب الآخر، لا يوجد ما يمنع من استخدام رافضي الانقلاب هذه الطريقة، فالأمر ينطوي بالدرجة الأولى على تقديم "إقناعات" كافية لتمرير فكرة يقينية عما سيحدث في المستقبل القريب، دون حاجة حقيقية لتمثل ذلك عمليا..
عندما تقدم "إقناعات" كافية بأنك لن تتوقف عن الحراك الثوري ولو استمر شهورا طويلة، فإن الطرف المقابل سوف يعيد حساباته بحسب هذه الحقيقة، طالما أنك وفرت لها ما يؤكدها..
وعندما تقدم "إقناعات" بأنك سوف تصعد من احتجاجاتك، ثم تقدم ما يدعم قدرتك على ذلك، سيقوم الطرف الآخر بتحديد مواقفه بناءا على نوعية ومصداقية هذا التهديد..
كل فعالية ثورية تمارسها، يجب أن يُراعى فيها البعد المستقبلي، الذي يوحي بأمرين: الاستمرارية - النمو ..
إذا لم تنجح في إرسال هذه الرسالة، فأنت تضيع الوقت وتخسر الصراع..
توجد إستراتيجيات كثيرة يمكن من خلالها توظيف هذه الفكرة..
إذا قمت - مثلا- بالتهديد بفعالية سلمية معينة تتعلق بتطوير في الكيفية أو المكان أو الزمان، ثم نفذتها بنجاح، ثم كررت هذا الأمر مرتين أو ثلاثا، فإن مجرد التهديد للمرة الرابعة سوف يكتسب "قوة الفعل" من حيث التأثير السياسي..
أيضا، بعض أطراف الصراع يستخدم إستراتيجية تسمى "حرق الجسور"، وذلك بأن يقنع خصمه أنه لم يعد لديه سبيل للتراجع، وأن الطريق الوحيد المتاح هو التقدم للأمام..
يستخدم الانقلابيون هذه الإستراتيجية بكثافة لإقناع الطرف الآخر - رافضي الانقلاب- أنه لم يعد ممكنا التراجع عن خارطة الطريق لأن تغيرات كثيرة حدثت على الأرض، وهم بالفعل يتخذون قرارات كثيرة في هذا الاتجاه لترسيخ التغيير، وجعل العودة إلى الوراء مستحيلة..
هنا يمكن استخدام إستراتيجية مضادة، بأن تُفتح مسارات للتراجع أمام الخصوم، بأن تؤكد أنك لا تتبنى بالضرورة تصورا انتقاميا، وأن هناك أخطاء يمكن التجاوز عنها، وأن مؤيدي الشرعية لا يسعون للاستئثار بالسلطة، أو تعليق المشانق...إلخ
يمكنك كذلك أن تقدم حلولا سياسية لتعقيدات يصنعها الانقلابيون – حرقا للجسور- على أرض الواقع، دون أن يُخِل ذلك بموقفك الثابت، فالتمسك بالمطالب الرئيسية لا يعني أبدا عدم طرح حلول وتصورات عملية للخروج من الأزمة..
الاكتفاء بفكرة "السقوط التلقائي" للانقلاب، ليس تصرفا حكيما، فمجرد تقديم آلية عملية لإنهاء الحالة الانقلابية والعودة إلى الشرعية، يمثل ضغطا كبيرا على الانقلاب، بينما فكرة "السقوط التلقائي" لا تمارس ضغطا مماثلا..
على سبيل المثال، بدلا من الاكتفاء بمطلب"عودة مرسي" من الممكن أن تُطرح آلية تنفيذ عملية، تتضمن مخرجا دستوريا يبدأ من النقطة الحالية وصولا إلى النقطة المطلوبة..
كمثال: ما هو أول قرار يجب أن يُتخذ في هذا الصدد، هل يقدم "عدلي منصور" استقالته مثلا، أم تقدم الحكومة استقالتها؟ أم هل المطلوب استقالة السيسي؟
وماذا بعد هذه الاستقالات؟
لابد من وجود "تكييف عملي" لمطلب عودة الشرعية..
الأمر نفسه ينطبق على المطالب الأخرى، أن تُقترح تصورات عملية تبدأ من التعقيد الحالي وصولا إلى الصورة المستهدفة..
وبذلك فأنت تقوم بما يسمى" إعادة الجسور" أو " تفكيك التعقيد"..
كيف نقيس الوضع الحالي بطريقة سهلة؟..
بسبب أن الانقلاب في السلطة والمعارضة تتعرض للقمع، فكل "يوم" يتواصل فيه الحراك الثوري، يقتص أضعافا من عمر الانقلاب، "القدرة على البقاء" هنا تتحول إلى معيار للنصر، وبذلك فإن الوقت لا يعمل أبدا لصالح الانقلاب..
وهنا يجب أن ندرك أن "الاستمرار بدون حسم" لا يعني عجزا أبدا، بل يعني أن النصر سيأخذ وقتا أطول قليلا..
أنت مستمر، إذن أنت تنتصر..
والله أعلى وأعلم..

