محمد إبراهيم الجوهري

الحمد لله الرحمن الرحيم مالك الملك ذو الجلال والإكرام ، مؤتي الملك ونازعه ، قاصم الجبابرة ، وهازم القياصرة ، والصـــــلاة والسلام علي حبيبنا وأسوتنا  وزعيمنا ومعلمنا محــمد صلي الله عليه وسلم ، علت أصوات اللبراليين فــي مرحلة ما بعد ثورة 25 مـــــن يناير في مفهوم المواطنة ، وللعجب أن يريدوا إيهام البسطاء مــــن الناس بألفاظ هم يريدون إقتطاع جزءا ً مــــــن معناها لأغراضا ً خفيت في أنفسهم ، وحاولوا الغرر بالبسطاء مـــن الناس أن المواطنة مفهوم ليس فــــي الإسلام ، بل إن اللبراليين هم وحدهم من ينادون بهذا المفهوم ، وإليك أخـــي القارئ تبسيطا ً لهذا المفهوم .

مفهوم المواطنة: هي المفاعلة أي تفاعل - بين الإنسان المواطــن والوطن الذي ينتمي إليــه ويعيش فيه‏,‏ وهي علاقة تفاعل ؛ لأنها تنشئ بين الطرفين  العديد مـــن الحقوق والواجبات‏ ، فهـــــي أن يكون الإنسان عضو في الدولة التي يعيش فيها له علاقة قانوينة ، إقتصادية ، إجتماعية بها ، وله حقوق كالحق في المشاركة ،  والحــق في العقيدة  ، والحق في الجمال ،  والحق في البيئة.....

وأطلق مفهوم المواطـــن  أطلق للتمييز بين المواطـــن الأصيل والأجنبي.

( المواطنة بين الوطن والمواطن )

حقوق الوطن (علـــي المواطن إحترام هويته ويؤمنُ بها وينتمي إليها ويدافع عنها بكـل مـــا فـي عناصر هذه الهويَّـــة مـــن ثوابت اللغــة والتاريخ والقِيَم والآداب العامَّة‏,‏ والأرض التي تمثِّل وعــــاءَ الهوية والمواطنين) ‏.
حقوق المواطن (تكافؤ الفـــرص‏,‏ وانتفاء التمييز فــــي الحقــــــــوق السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والمدنية والقانونية  بسبب اللون أو الطبقــــة‏ أو الاعتقاد‏,‏ مـــــع تحقيق التكافل الاجتماعـــــــي الذي يجعلُ الأمَّة جسدًا واحدًا,‏ والشعب كيانا ً مترابطاً).
مثال لمفهوم المواطنة : حق المواطن إلي الجمال في العصور الحجرية ، ووجود رسومات في الكــهوف وعلي الحوائط ، علي الرغم من وجود الحيوانات المفترسة خارج الكهف وقلة توفير الغذاء إلا أنـه كان فـي حاجة إلي الجمال.

يقول البعض أن المواطنة نشأت من عهد الحضارات الإغريقية وحضارة اليونان ولكــــن المواطنة تعود جذورها إلى ما هو أبعد من الحضارة من الحضارات الإغريقية،  حيث أن مفهــــــوم المواطنة يعود إلى ما هو أبعد، إلى بداية تكون الجماعات الإنسانية. 

-﴿المواطنــــــــة فـــي الإسلام﴾ أو المواطنــــــــة الكاملـــــــة.

إذا كان التطور الحضاري الغربي لم يعرف المواطنة وحقوقها إلا بعـــد الثورة الفرنسيَّة في أواخر القرن الثامـــــن عشر الميلادي؛ بسبب التمييز على أساس الدين بين الكاثوليك والبروتستانت‏ ,‏ وعلى أساس العِرْق بسبب الحروب القوميَّة‏,‏ وعلى أساس الجنس بسبب التمييز ضد النساء‏,‏ وعلى أساس اللون في التمييز ضد الملوَّنين‏؛ فإن المواطنـــــة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات قد اقترنتْ بظهور الإسلام‏,‏ وتأسيس الدولة الإسلامية الأولى فـــــي المدينة المنورة سنة واحد هجرية (‏622‏م‏) على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وتحت قيادتِه‏، ولقد وضعت الدولة الإسلاميَّة فلسفة المواطنة وقننتها في المواثيق والعهود الدستوريَّة منذ اللحظة الأولى لقيام الدولة في السنة الأولى للهجرة‏؛ ففي أوَّل دستور لهذه الدولة تأسَّست الأمَّة على التعدديَّة الدينية‏,‏ وعلى المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المتعدِّدين في الدين والمتحدين فـي الأمَّة والمواطنة‏,‏ فنصُّ هذا الدستور، على أن اليهود أمـــــــــة مع المؤمنين‏,‏ لليهود دينهم وللمسلمين دينهم‏,‏ وأن لهم النصر والأسوة مع البر من أهل هذه الصحيفة‏,‏ ‏وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏,‏ وأن بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم، أليست هذه معاني المواطنة التي يتكلم عنها الفلاسفة.

من العوامل التي أدت إلي تطور مفهوم المواطنة (نهاية القرن العشرين):

(1) تزايد المشكلات العرقية والدينية في أقطار كثيرة مـــن العالم: الإبادة النازية لجماعـات مــــن اليهود، الإبادة النووية في هيروشيما، الإبادة الصربية للمسلمين، الإبادة الأمريكيــــــة للعراقيين والأفغان، الإبادة الجاريــة للفلسطينيين.    
(2) إنتشار "العولمة والتوسع التكنولــــوجي والإتصالي فـــي العالم، ومـــن ثم المراجعة لمفهوم الحدود الإقليمية للوطن والجماعة السياسية وسيادة الدولة القومية.
(3) نمو الإتجاهات الأصولية المسيحية والمتطرفة فـــي عدد من بلدان العالم قد أدى إلى مراجعة مفهوم المواطنة، مما أدي إلي ظهور ما يسمي بالفردية التي تعني ظهور أفراد لهــم مصالح يعملون علي تحقيقها في حدود ضيقة مما يؤدي إلي تهديد الكيان الجماعي والمجتمعي، وتراخي العمل للصالح العام لحساب الصالح الشخصي وهذا ما يسميه البعض (موت السياسة).

- مما سبق نستطيع القول بأن:
- المواطنـــــــــــة ليست مفهوم  نفعي فقط أو سياسيــــة فقــــط بل تشمل النوعين النفعي والسياسي ، الواقعي والتنويري ، فهي علاقـــــــة تفاعلية تبادليـــــــــة بين طرفين الوطن والمواطن ، تنشأ عنها حقــــــوق وواجبات.
- ليس بالصحيح أن مفهوم المواطنة قد نشأ منذ العصور القديمـــــــة بل منذ تكوين الجماعات الإنسانيـــــة.
- مفهوم المواطنة في الإسلام يعني المواطنة الكاملة وليست المتآكلة كما كانت فـــي دساتير وقوانين وأعــــراف وتقاليد بعض الدول.
- نحن في حاجة لمراجعة مفهوم المواطنة في العصر الحديث طبقا ًللمفهوم الكامل المتواجد في دستور الإسلام (دستور صحيفة المدينـــــة المنورة).